يتوالى خروج أفلام مغربية بشكل محتشم وغير منتظم. فرغم تطور دعم الإنتاج وانتظام اشتغال اللجان المشرفة على نظام التسبيق على المداخيل بشكل يجعل المغرب يتبوأ مكانة متقدمة إقليميا وقاريا في مجال الدعم العمومي للسينما، يبقى قطاع التوزيع والاستغلال كعب أشيل هذه السينما... بل بشكل متخلف عما كانت عنه الأوضاع في أواسط التسعينات وبداية الألفية الثالثة... اليوم تظهر أفلام بشكل مفاجئ وتختفي بلا أثر يذكر كأن عرضها على الشاشة الكبيرة لا يشكل إلا جوابا لضرورة قانونية لكي تتمكن الشركة المعنية بالإنتاج من تقديم مشروع جديد لصندوق الدعم. هذه السنة الجديدة بدأت بمجموعة من العناوين التي اختارت مغامرة شباك التذاكر في ظرفية جد خاصة تمر منها السينما المغربية، سنعود إليها تباعا. ويمكن إجمالا تأطير هذه التحولات على المستوى السينمائي المحض (بغض النظر عن البنية التحتية القانونية – الإدارية – السياسية) في ثلاث مؤشرات قد تساعد في فهم الخطوط العريضة للانتقال الإبستمولوجي الذي تعيشه السينما المغربية. المؤشر الأول يتعلق بانعكاسات وتبعات الثورة الرقمية وما أثمرته من تكنولوجيا جديدة طالت جميع مرافق إنجاز فلم سينمائي وخاصة على مستوى التصوير ومستوى الأشغال ما بعد – الإنتاج. يمكن تكثيف الخلاصة الأولية لهذا التحول في تغير ميزان القوى لصالح المختبر على حساب بلاتو التصوير مع الدور الكبير للمهندس المعلوماتي الذي في مقدوره اليوم تصحيح كل هفوات مرحلة التصوير، ولنا عودة لذلك بشكل مفصل. المؤشر الثاني ذو صبغة أنثروبولوجية إن صح التعبير ويتعلق الأمر بعلاقة السينما بالمجتمع، بما هي علاقة ملتبسة لا تخلو من مفارقات وتناقضات لعل أبرزها ضغط الخطاب الأخلاقي حول الأفلام بموازاة مع استهلاك "متوحش" للصور عبر قنوات موازية بتزامن مع موت السينما كممارسة اجتماعية (اندحار أرقام ولوج القاعات السينمائية بشكل مهول). المؤشر الثالث هو ولوج جيل جديد من الممارسين قطاع السينما وتراجع دور الرواد، ويتجلى ذلك مثلا على مستوى إحصائيات وزن الأفلام الأولى وعلى مستوى نتائج المهرجان الوطني وجائزته الكبرى وهي مؤشر دال جدا على كل ذلك. نحن إذن أمام جيل جديد وأفلام جديدة تجعلنا بكل موضوعية نطرح السؤال الطبيعي التالي: هل نحن أمام سينما جديدة؟ وعلى طريقة هتشكوك الذي يبني تشويق أفلامه على معرفة المشاهد أخبر القارئ بالجواب بالنفي، هذا الزخم من المخرجين الجدد لم يؤسس لمعالم سينما جديدة، فنحن أمام أفلام (نموذج: مسافة ميل في حذائي، دموع إبليس، باسطا...) تعتمد تركيبا عنيفا وصورا لا تقل عنفا من أجل التحكم (!) في انتظارات المشاهد. فباستثناء هشام العسري الذي بفضل اختياره لنمط إنتاجي مختلف يمكنه من الاشتغال باستمرار حول مشروع جمالي متكامل وباستثناء طالا حديد التي تساءل لغتها السينمائية من زاوية فكرية عميقة وغير متسرعة... تبقى هناك مجموعة من الأفلام تحاول أن تزاوج بين مضمون حكيم النوري وأسلوب نور الدين لخماري.. بدون نفس النتائج فنيا و جماهيريا... لسبب بسيط فالتاريخ في السينما أيضا لا يعيد نفسه وإن فعل فعلى شكل مسخرة.