أكثر فأكثر ورغم إنجازاتها العسكرية والسياسية المبكرة , يبدو بأن إسرائيل لن تتمكن من الاستمرار كمشروع استعماري إذ عليها الاختيار بين الحرب والدمار وبين التحول إلى دولة لكل أبنائها ولكي تضمن وجودها بشكل وطيد , كحال أي دولة , ينبغي على دولة الاستيطان مواجهة ثلاثة تحديات : إذ عليها حل مشكلتها القومية , وقطع الروابط مع الدولة الأم والحصول على اعتراف الدول المجاورة وشعوبها ولكن من الممكن القول : إن إسرائيل لم تلتق مع أي من هذه الشروط وبالنسبة لمشكلة إسرائيل القومية , ُيذكر أنه في عام 1948 , خلال الأشهر السابقة واللاحقة لخلقها , بدا أن إسرائيل حلت مشكلتها القومية في انقضاضة وحشية , إذ أجلت ثمانين بالمئة من الفلسطينيين من الأراضي التي انتزعتها , وإضافة لذلك تدفق اليهود بشكل سريع فانخفض عدد الفلسطينيين إلى أقل من عشرة بالمئة من عدد سكان إسرائيل. ولكن , هل كان قضاء إسرائيل على مشكلتها القومية لصالحها ؟ كلا بلا ريب فالفلسطينيون داخل إسرائيل يتصلون بمعدل ولادات مرتفع , ونتيجة لذلك ورغم التدفق المستمر للمهاجرين اليهود بلغت نسبة الفلسطينيين أكثر من 20% من سكان إسرائيل وبشكل متزايد ينظر اليهود في إسرائيل إلى عرب إسرائيل على أنهم تهديد لدولتهم اليهودية. بعضهم يؤيد حملة تطهير عرقي جديدة والبعض الآخر ينادي بتقسيم جديد يستثني المناطق ذات الأكثرية العربية والفلسطينيون الذين طردوا من إسرائيل عام 1948 لم يبتعدوا , إذ نصب أغلبهم خياما ً في مناطق حول إسرائيل , أي الضفة الغربيةوغزة وسوريا وجنوب لبنان والأردن. وفي عام 1967 عندما غزت إسرائيل الضفة الغربيةوغزة , كان بإمكانها إقصاء أعداد أخرى أقل من الفلسطينيين عن تلك المناطق وهكذا ومع وجود مليون فلسطيني إضافي تحت سيطرتها. أعادت إسرائيل مشكلتها القومية للوجود , وهي المشكلة التي أضحت أكثر سوءا ً منذ عام 1967 إذ كان عدد الفلسطينيين يساوي أو أكثر من عدد اليهود بين البحر ونهر الأردن وفي سنوات لاحقة استمرت نسبة الفلسطينيين بالتزايد. ومع انعدام الحلول لجأت إسرائيل إلى إجراءات وحشية غير مسبوقة لمعالجة مشكلتها القومية فطبقت حصارا ً خانقا ً على غزة , وأبطلت تأثير الفلسطينيين في الضفة الغربية مع إقامة الجدار العنصري ووسعت المستوطنات وأقامت طرقات للمستوطنين فقط مع إرهاب وإهانة الفلسطينيين والسيطرة العسكرية على وادي الأردن غير أن هذه المعالجات خلقت مشكلات كثيرة وجديدة في الصراع العربي الإسرائيلي. إذ عززت من الاتهامات بأن إسرائيل مجتمع عنصري لا ديمقراطي والنتيجة أن الشعوب الأوربية تقوم ببطء ولكن برسوخ بدعم الحملات المنادية بمقاطعة إسرائيل وفرض عقوبات عليها. ولكن هل تخلت إسرائيل عن الاعتماد على الدولة أو الدول الأم ؟ مع غياب وطن أم طبيعي عملت الصهيونية مع بدائل وبالتأكيد ما من دولة أوربية إلا وخدمت كوطن أم بديل للمشروع اليهودي الاستعماري لقد فقد المستوطنون اليهود في فلسطين دعم بريطانيا ( أمهم البديلة الرائدة ) في السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية , ولكنهم استعادوها بشكل كان كافيا ً لإنشاء دولتهم. وفي السنوات القليلة التالية تطلعت إسرائيل إلى بدائل جديدة بما فيها الاتحاد السوفيتي وفرنسا وألمانيا والولاياتالمتحدة ومع توالي السنين قدمت الولاياتالمتحدة الدعم لإسرائيل وسلحتها وسمحت لها بامتلاك أسلحة نووية ومنحتها حصانة من عقوبات المجتمع الدولي، ففي ظل حماية الولاياتالمتحدة كسبت إسرائيل وبسرعة السيطرة على الشرق الأوسط وأضحت قانونا ً بحد ذاتها !! ومع ذلك لا تزال إسرائيل دولة غير مستقلة بذاتها 0 إذ ليس بإمكانها ( الحفاظ ) على وضعها العسكري الحالي دون الهبات والمساعدات العسكرية السنوية من الولاياتالمتحدة والبالغة ثلاثةمليارات دولار ومساعدات اليهود الأميركيين المعفاة من الضرائب. والأهم من ذلك أن إسرائيل وبدون حق الولاياتالمتحدة بالفيتو في الأممالمتحدة , لا يمكنها الاستمرار باحتلال الضفة الغربية ومرتفعات الجولان وحصار غزة وحروبها الاستباقية ضد جيرانها وسياسة الاغتيالات ضد العرب. باختصار , لولا الحصانة التي تدعمها أميركا لغدت إسرائيل منبوذة معزولة وهذا الاعتماد لا يعرض إسرائيل للخطر بما أنها أصلا ً صنيعة اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة , ولكن مع مرور الزمن وتسرب الأضرار التي تسببها إسرائيل لمصالح الولاياتالمتحدة إلى الناخبين الأميركيين قد يغدو الدعم الأميركي المفرط لإسرائيل في موضع خطير. وأخيرا ً يبقى موضوع كسب إسرائيل لاعتراف جيرانها وفي هذا المجال مكاسب إسرائيل ظاهرية أكثر منها حقيقية , فالحكومات العربية التي اعترفت بإسرائيل أو تلك الطامحة أو المستعدة للاعتراف بها تمتلك شرعية قليلة وعلى الأغلب في حال انهيار هذه الحكومات سيستأنف من يحل مكانها موقف المواجهة الأولى تجاه إسرائيل , وهذا ليس ضربا ً من التخمين فتحت حكم الشاه الطاغية كانت إيران صديقة لإسرائيل ولكن بعد الثورة الإسلامية عام 1979 أضحت خصما ً أيديولوجيا ً لها. ومع الحد من سلطة الجنرالات العلمانيين في تركيا عدلت أنقرة روابط الصداقة مع الكيان الإرهابي وفي السنوات الحالية تعاني إسرائيل من مشكلات جديدة وهي فقدان الشرعية في ظل نمو المجتمع المدني في الدول الغربية. فمع رفع إسرائيل لوتيرة العنف ضد المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين ومع تضييقها للحصار على غزة , ومع تعميق سياسة التمييز العنصر ي في الضفة الغربية , ومع التهديد بسلب الإسرائيليين العرب حقوقهم فإنها تستدعي جبهة معارضة لسياستها. فالمجتمعات المدنية في أوربا وكندا والولاياتالمتحدة الغاضبة من اشتراك حكوماتها في الجرائم الإسرائيلية تتحرك قدما ً في المناداة بمقاطعة إسرائيل والعقوبات ضدها وبشكل متزايد ورغم المعارضة الشديدة من المؤسسة اليهودية فإن هذه الحركة تنتشر بين الأكاديميين والطلاب والنقابات التجارية ومجموعات الكنيسة والمنظمات اليهودية المعارضة وناشطي حقوق الإنسان وبعضهم نظم قوافل عبر البر والبحر لكسر الحصار على غزة. ومع كون فشل المشروع الاستعماري الإسرائيلي أمر ا ً يلوح بالأفق فإن قادتها الخائفين سيتطلعون أكثر فأكثر إلى حروب جديدة أكثر خطورة , وأكثر فأكثر ستغدو إسرائيل خطرا ً لا يطاق على الشرق الأوسط والعالم وعلى اليهود في كل مكان. [email protected]