لم يكن يعتقد أن تصل ردود الفعل بخصوص تصريح لعبد الإله بن كيران أمين عام حزب العدالة والتنمية خلال افتتاح مؤتمر الحركة الشعبية الذي قال فيه "اذا كان من الضروري تقليص عدد الأحزاب ،فان الأولى بالبقاء هو الحركة الشعبية، والاستقلال والاتحاد والعدالة والتنمية" الى هذا الحد، لسبب بسيط هو أنه ليس أول زعيم يدلي بتصريح بهذا المفهوم، بغض النظر عن مدى صحته أم لا، فقد سبقه اليه المرحوم علي يعتة حينما رفض الاعتراف بمنظمة بن سعيد ايت يدير، ولطالما أيضا نعتت الأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية ، بعض الأحزاب" بالادارية"، وانها ولدت من اجل التضييق عليها. ورغم البلاغ التوضيحي الذي أصدره بن كيران ، وحاول أن يضع كلامه في سياق معين ، بل انه وصل أبعد من ذلك حينما قال : "اذا كان أي حزب اعتبر كلامي اساءة اليه أو رغبة في اقصائه ، فانني أؤكد أنني لم أقصد ذالك أبدا " ومع ذلك لا زالت ردود الفعل تفاجئنا الى حدود اللحظة، ففيما نعت التجمع الوطني للأحرار تصريحات بن كيران "بالشاذة" أكد حزب الهمة "على حقيقة المشروع السياسي الاقصائي الذي يقوده هذا الحزب "ووصف الاتحاد الدستوري تلك التصريحات ب "اخلال سافر لمقتضيات الدستور"، بل وصل الأمر ببعض الأصوات المضحكة أن طالبت "بمراجعة وجوده القانوني" وحاولت تصوير مشروع العدالة والتنمية المعتدل وكأنه أتى من جزيرة معزولة وغريبة عن المجتمع المغربي. إن حزب العدالة والتنمية حزب وطني فاز بأعلى الأصوات في انتخابات 2007، فاذا كان البعض يزعجه هذا الحزب ولا يتفق أو لا يجد نفسه مع مشروعه الذي حظي بثقة جزء من أصوات المواطنين، فانه ليس مبررا ابداء هاته الترهات ، وانني لن أغامر اذا قلت بأن الاقدام على حل حزب العدالة والتنمية يعني بكل وضوح تغذية التطرف ومده بمزيد من الوقود. ما جرى خلال الأيام القليلة الماضية يجعلنا نسجل جملة من الملاحظات: أولا : يبدوا أن حزب الأصالة والمعاصرة استغل ومن جديد زلة بن كيران ليشن هجوما عنيفا لم يكن منتظرا ، وبلا هوادة، على بن كيران وحزبه، لدرجة أن وصف حكيم بن شماس العدالة والتنمية في مداخلة له بالبرلمان بأنه حزب لا يقبل بالديمقراطية، وأنه مشروع اقصائي، وحاول ما أمكن أن يظهره على أنه تنظيم لا يؤمن بالتعددية وأكثر من هذا اتهمه بنهج أسلوب الاستئصال، والحال أن مواقف هذا الحزب، وتصريحات قادته بجميع أطيافهم عكس ما ادعاه بن شماس تماما، مما يطرح معه سؤال الجهة التي تحرك هذا، والعائد السياسي وراء كل هذا.. ثانيا : أظهرت بيانات هذه الأحزاب ومواقف قادتها بما في ذالك الاسقلال والاتحاد الاشتراكي، مدى التخبط الذي يعاني منه الخطاب السياسي المغربي وفتحه لمعارك وهمية فيها الكثير من الاستفزاز الذي لن يزيد المشهد السياسي المغربي الا تأزما، ترك الجميع النقاش الحقيقي المفترض فتحه بين مختلف المكونات السياسية، وانساق الجميع بما في ذلك الأحزاب الديمقراطية وراء ما يريده مقاومو التغيير. ثالثا : مرة أخرى لم يستطع بن كيران ضبط لسانه ،ليثبت أنه بعيد عن كل البعد عن الحكامة الجيدة في التدبير الحزبي المفترض توفرها في قائد كبير مثله، لتنضاف بذلك الى زلاته السالفة التي ينتظرها خصومه، على أحر من جمر، وقد قدمت اليهم في طبق من ذهب، وهي نتيجة أساسا عن تسرعه وعدم رزانته. إن ما نحتاجه في الوقت الراهن يا سادة هو النقاش الحقيقي والجاد حول قضايا كبرى تهم الوطن والمواطنين، وليس الى معارك وهمية يركب فوقها البعض من أجل تحقيق مكاسب سياسية آنية ، وبالتأكيد فان المستفيد الأول والأخير منها هم جيوب مقاومة التغيير في هذا البلد. [email protected]