ليس سهلا عليك إن دخلت للاستكشاف والاستطلاع أن تخرج كما دخلت لأن ''خروج الحمام ما شي بحال دخوله'' ، قد تتعلل عند خروجك بعد إلقاء نظرات خاطفة وأحاديث جانبية قصيرة بكون المرقص الذي لا يكبر عن 180 مترا مربعا مزدحم بمئات الأبدان الملتصقة بعضها ببعض، فوق وتحت، ليتدخل بشكل صارم أحد الفيدورات ويفسح لك مكان بين الحشود حتى ''تكون براحتك''، ازعم أنك لم تجد هنا أصدقاءك الذين واعدوك حتى يمكنك الخروج سالما، لكن دون أن تلتفت لترى عيون الفيدورات الحمراء المشتطة غيضا والذي قد ينقض أحدهم عليك ليخنقك لأنك همزة فلتت بين يديه. 100 درهم هو المبلغ الذي كان ينقص إحدى الفتيات القاصرات لشراء ''جرة'''' كوكايين ''مخلطة'' بثمن 400 درهم لإسكان الألم الذي لا يفارق جسدها ودماغها أو هكذا تحكي. هي مستعدة لكل شيء من أجل تلك ال100 درهم ،كل شيء!... يقول أحد العارفين بخبايا الأمور كل ممنوع مباح في حومة الشياطين، تصل الجرة الصافية من الكوكايين إلى 1200 درهم والمتوسطة إلى 800 درهم ، فيما يحصل المدمنون على مبتغاهم من الهيروين بثمن أقل لا يتعدى 30 درهما، هي أثمنة لا يمكن النقاش حولها ولا مجرد التفكير في ذلك لكي لا يتعرض المرء إلى وابل من الشتائم أو تمريغ كرامته في التراب. الساعة تشير إلى العاشرة ليلا ، تقترب إحدى الفتيات الصغيرات جدا قد لا يتعدى عمرها الثانية عشرة ، لا تعي ما تفعل ، تذهب بين السيارات المرابطة في المكان وتقضي حاجتها دون التفات لا يمينا ولا يسار قبل أن تترك المكان مبللا وتدخل مسرعة إلى الحانة القريبة. الحادية عشر ليلا تقف سيارة شبه مهترئة، ينزل 5 شبان صغار لا يتعدى عمر الواحد منهم 15 سنة ، قبل أن يلج الجميع نفس الحانة يركن السائق السيارة أمام مرآب دون السؤال عن الحارس السكران الذي لا تفارق شماله قنينة رخيصة من الخمر يرمي له أحد الفيدروات بين الحين والآخر . دقيقتان بعد منتصف الليل، يخرج فيدور أحد الثمالى ويرميه إلى الخارج، تنشب مشاجرة عنيفة أمام أنظار المارة ورجال الأمن، لا أحد قادر على التدخل والكل يترك المتبارزين ''يبردون سمهم'' في بعض البعض كمن يقدم لنفسه شبه تعازي في الدراهم التي ضاعت تلك الليلة بسبب سرقة أو اعتراض سبيل. تحكي الجرائد المحلية أن حوادث كثيرة تقع دون أن يقدر رجال الأمن على التدخل، فقط يتدخلون لجمع سلع الباعة المتجولين المنتشرين في كل أنحاء المدينة. قد تتساءل المرء هل قدم سكان الحي شكايات في الموضوع، كل من التقيناه يقول بالتأكيد، وفي كل مرة تقع المصائب ولا أحد يحرك ساكنا، أقصى ما يمكن فعله هو أن يخفض صاحب الحانة صوت الموسيقى قليلا ليلة واحدة فقط لتعود أقوى من السابق، كل السكان يتساءلون أيضا متى يمكن للشارع أن يسترجع اسمه المليء بالعبرات والإشارات. في لقاء صحفي مع أحد المسؤولين بالمدينة، قال إن الأمر يتعلق بفتيات قاصرات من خارج طنجة يأتين مع عائلاتهن للعيش هنا في انتظار أن ''يحرك'' احد أفارد الأسرة إلى الضفة الأخرى وينقذ العائلة من بؤس لا مفر منه. كثيرة هي الأقاويل التي تشرح ظواهر ''حومة الشياطين'' في طنجة، صاحبي العارف بخبايا الأمور قال إن الحومة ما هي إلا ''فترينا'' لممارسات أكبر عبر شبكات مروعة لا يستطيع أحد الوقوف أمامها، من يتتبع خيوطها لن يكون مصيرك أفضل من الضحايا الذين يسقطون يوميا في تجارة ممنوعة مربحة. يضيف أخر إنه المغرب المنسي قد ترك لفترات طويلة غارقا في آلامه وخيبات آماله لا يسكنها غير الجرعات المتوالية لكل ممنوع، إنه المغرب المنسي لسنوات المهووس ببزوغ فجر جديد بدت ملامحه تلوح في الأفق لكنه نور اقتحامه للفضاءات يسير ببطء شديد تعرقله الضباب الكثيف المسيطر على المكان . آخر يقول إنه في الاستثناء الذي لايخرج عن القاعدة، ففي كل مدينة مغربية ''حومة شياطينه''، وتجارة استغلال القاصرات في تزايد ، الكل يعرف ما يقع في مراكش وأكادير وغيرهما. هناك من يقول إن عائدات دعارة القاصرين بالمغرب بلغت 200 مليار سنتيم ...هل نحسب ذلك ضمن الدخل السنوي الوطني ...لا أدري...هل تدفع الأسرة والمجتمع والدولة ثمن انتشار هذه الظاهرة..نعم بكل تأكيد... هل يتحرك المسؤولون والدعاة وكل المنظمات والهيئات المهتمة بحقوق الطفل والإنسان للعمل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ...الجواب عندهم. المصدر: التجديد