يرى الكثير من المهتمين بالحقل الرياضي، أن الرياضة في المغرب عامة وكرة القدم على وجه الخصوص، غير قادرة على تجاوز محنها المفتعلة حتى لو جربنا كل مدربي العالم، اعتقادا منهم أن بنية هذا الحقل بنية محتكرة من طرف عناصر عاجزة ولا علاقة لها بالرياضة لا من بعيد ولا من قريب، تعودت على الجاهز والمعلب من التحليلات الهروبية التي المؤمنين القتال. فبدل البحث عن الأسباب الجوهرية للأزمة الممسكة بخناق الرياضة، تراهم - في غالبية الأحيان والظروف- يمارسون الإقصاء ضد كل من حاول الخروج بالرياضة من الترهل أو على الأقل من الارتباك و التراخي السائدين. وذلك لأن علاقة الكثير من المسيرين واللاعبين والمدربين الرياضين عامة وبكرة القدم على وجه الخصوص، تشبه إلى حد كبير علاقة بعض الموظفين (غير المخلصين) بوظيفتهم حيث يقدم الموظف عملا وجهداً قل أو كثر بغض النظر عن ما سيضيفه لهذه الوظيفة وللمجتمع؛ فالهدف الوحيد في ذهن وفكر ذلك الموظف هو متى يتسلم راتبه، ويغضب إن هو حوسب أو عوتب نتيجة تقصيره، ويبدأ في التذمر والانتقام بالتمادي في التهاون والتقاعس عن القيام بالمسؤولية التي كلف بها. كذلك هم اللاعبون لا يحرزون أي مراكز متقدمة خلال فترات الاعداد والتدريب الطويلة والمعسكرات والرحلات داخلياً وخارجياً المكلفة، حيث يظلون طوال تلك الأوقات مغيبين عن التزود بخبرات ومعارف ومهارات علمية وفكرية يحتاجونها وتحتاجها بلادنا لتتبوأ المكانة اللائقة وتنافس بذلك الدول المتقدمة ولا يفكرون إلا في البريمات. لذلك فعلاقة كهذه فاقدة للانتماء والإخلاص للرياضة بين كل الأطراف الأساسية المشاركة فيها، والتي لا تنظر في هذه العلاقة إلى الأثر الإيجابي الذي يجب عليها أن تضيفه؛ لاشك أن مصيرها سيقودها سيقودها لا محالة إلى كارثة حقيقية تعصف بها وبكل الأطراف، إذا هي تعرضت لهزة ولو بسيطة، ويكون أثرها مؤلماً ما لم تُبنى تلك العلاقة على ما يشبه علاقة الفلاح بفسيلة غرسها ورعاها واهتم بها، بتعديل المعوج وازالة الفاسد وتقديم العناصر المفيدة لها؛ إلى أن أكل من ثمرها وتظلل بظلها حتى أصبح كليهما لا يستغني عن الآخر وأصبحت لهما وحدة المصير. ولن يتأتى ذلك ما لم نراجع أسلوبنا في التعامل مع الرياضة وغيرها من الميادين الأخرى، وما لم نراجع ثقافتنا ونظريتنا الأثيرة في إرجاع كل شيء إلى المبررات الواهية، والأعذار الخاوية التي أكاد أجزم أنها صناعة مغربية بامتياز؛ فنحن إن لم نجد عذراً اخترعناه، وما أكثر ما اخترعنا من أعذار نعلق على شماعتها كل أسباب عجزنا وفشلنا. فالكل، مع الأسف، منغمس ومتورط في هذه الثقافة ومؤمن بها إلى النخاع. ولم ينجُ سابق أو جيل لاحق من هذه الثقافة التي تعض عليها كل الأجيال بالنواجذ على أنها التعويذة الأهم، العصا السحرية للهروب من المسؤولية.. فالطفل فاشل في دراسته او في هذه المادة او تلك لان المدرس الفلاني صاحب المادة ضده ويعاديه هكذا لله في الله والوالدان واولياء الامور لديهم استعداد ذاتي لتصديق ذلك نتيجة الإتكاء على عقلية وثقافة التبريرات المؤامرتية بحيث أنهم يرددون اسطوانة الضدية والمعاداة إلى درجة ان الطفل الذي أطلقها لتبرير فشله تصبح حقيقة لا تقبل الجدال وقس على ذلك كل مظاهر الفشل والعطل. فالموظف الكسول الخائب يحيل أسباب خيبته على المدير الذي يقف ضده على طول الخط وكذلك هو العامل الفاشل واللاعب والمسير الرياضي الفاشل يحيل ويعلق فشله على مدرب الفريق لدرجة أصبح فيها المدربون ضحية هزائم وفشل أنديتنا ومنتخباتنا الوطنية التي سرعان ما يلملم المسؤولون عن الرياضة فشل ناد رياضي أو المنتخب الوطني، ويعلقون الفأس في رقبة المدربين ولذا كثيراً ما تتكرر بعد كل هزيمة رياضية حكاية إنهاء عقد هذا المدرب، أو فصل ذاك، في كل لعبة وفي كل رياضة وفي كل مسابقة أو دورة حتى طالت لائحة المفصولين و المسرحين، من "هنري كاسبيرزاك" و" فليب تروسي" و " هنري مشيل" الذي اقترن اسمه بالصورة الباهتة والرديئة للأسود في كأس افريقيا الأخيرة بغانا وأخيرا السيد "لومير" الذي أوقع المنتخب المغربي في الهاوية، سائرا في ذلك على نهج من سبقه. ومن هنا نقول ونحذر من ثقافة الأعذار ومن عقلية المبررات كونها تجاوزت كل الحدود وأصبحت شماعة لأخطاءنا الذاتية وأخطاء أبنائنا الصغار وجيلنا الجديد وأخطاء خططنا على كل الأصعد كافةً والرياضية أيضا.. وهو ما يضعنا أو سيقودنا الى كوارث حقيقية ما لم نراجع أسلوبنا في التعامل مع المسؤوليات وتحملها كاملة، وما لم نراجع ثقافتنا ونظريتنا الأثيرة في ارجاع كل شيء إلى المبررات الواهية والأعذار الخاوية. ولن نتخلص منها ما دمنا نعيد إنتاج نفس الخطط المؤامراتية التي تصل بعض أدبيّاتها، إلى تعليق الأمور كافّة على القضاء والقدر والنصيب والمشيئات الإلاهيّة بعيدا عن النظرة الصائبة إلى عمق علاقات مسؤولينا ولاعبينا بالرياضة، وتقصي أسباب عجزها وتخلفها وتعطلها وفشلها في إنجاز مشاريع رياضية تنموية ناجحة كما أنجزت شعوب العالم المتقدم عشرات المشاريع الرياضية التنموية الخلاقة الناجحة. إلا أن هذا لا يبرر، ولا ينبغي له أن يبرر، فقدان الأمل، لأنه عندما يختفى الأمل، لا يبقى للحياة من معنى! ففعل أمل هو حالة من الوجود، إنه حيوية داخلية، حيوية شديدة، تدفع صاحب الأمل للتغيير والتطوير، لا لهدر الحياة.. وما المبادرة الجريئة التي أقدمت عليها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم حيث قررت إسناد مهمة الإشراف على تدريب المنتخب الوطني المغربي للكبار، إلى فريق عمل يتكون من السادة حسن مومن ناخب مسؤول عام, والحسين عموتة, وعبد الغني بناصيري وجمال السلامي، إلا تجسيدا لذلك الأمل. فالأمل كله معقود على مهمة هذا الفريق الوطني رغم محدودية زمنه، لأن وطنية هذا الطاقم وغيرته وخبرته ستدفع به لبذل جميع ما في وسعه للدفاع إلى أقصى الحدود عن حظوظ المنتخب المغربي في التأهل، خلال المراحل الأخيرة من الإقصائيات المؤهلة لكأسي العالم وإفريقيا2010. هذا الأمل يظر جليا في إقدام الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على مخطط عام لإعادة هيكلة الإدارة التقنية والفرق الوطنية، الذي سيرتكز بصفة خاصة على إعادة بناء المنتخبات الوطنية للفئات الصغرى ونظام المباريات، وتجديد التقنيين القائمين على الفرق الوطنية، وأيضا وضع سياسة حقيقية لتكوين الأطر واللاعبين. وهذه بداية الإصلاح الحقيقي.. [email protected]