يوجد بأحد جنبات كلية الحقوق بطنجة ملصق يتضمن جوانب من القانون الداخلي للمؤسسة، ومن بين ما كتب على هذا الملصق جملة مفادها ان كل طالب يدرس بالكلية فإنه يشغل مكانا حرم منه العديد من الطلبة، ولذالك فإن عليه واجبات والتزامات يجب عليه التقيد بها. إن أول ما يفهم من هذ ذالك هو رسالة تهديدية حاول المسؤولون إيصالها الى الطلبة عبر هذا المقتضى. أي ان الطالب الذي تم قبوله بالمؤسسة عليه خاصو يحمد الله ويشكرو، لان الكثيرين من أمثاله لم يحضوا بمقعد في الكلية. أو بمعنى آخر، إن تمكن هؤلاء الطلبة من ولوج الكلية ليس أمرا مستحقا لهم، وإنما هم مجرد مستفيدين من امتياز أنعمت به الادارة والدولة عليهم، فعليهم أن يقنعوا بما قسم لهم من مدرجات متواضعة يتكدسون فيها بالمئات مثل الاكباش، لان غيرهم لم يستطع الاستفادة من هذه "المنة العظيمة". إن مسألة تحول الحق المشروع الى مجرد امتياز ممنوح لا يقتصر فقط على الجانب التعليمي، وإنما يطال الكثير من مجالات الحياة العامة في المغرب، ففي الادارات العمومية، أنت بحاجة الى الانبطاح أمام موظف من المفروض أنه يقوم بواجبه في تأمين مصالح المواطينين لينال عن ذالك اجرته، أو اللجوء الى وساطة تكفيك الذل والمسكنة أمام هذا الموظف. ومن لم يستطع فإتواة مدفوعة الى مول الشي. المصالح اليومية للمواطنين أصبحت في وقتنا الحاضر ورقة انتخابية رابحة، فأكثر المرشحين قربا من المواطنين وتفانيا في التوسط لهم من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة في المصالح الادارية، هو الذي يكون صاحب حظ وفير في الفوز بمقعد في البرلمان أو الجماعات المحلية. هكذا إذن أصبحت الحياة المغربية ينطبق عليها المثل المغربي الشهير" اللي عندو جداتو في العرس بلا ما يخاف يبات بلا عشا". وفعلا، فالذي يتوفر على "ضلعة صحيحة" في مصلحة إدارية عمومية، كقريب أو صديق، ديما هو الاول، ومن لم يتوفر على ذالك، فيمكن له أن يستدرك هذا النقص بتوفره على الفلوس لشراء حقوقه. وبذالك اصبح كل مسؤول مهما صغر شانه، ولم يستطع الاستحواذ الا على سنتيمترات قليلة في مساحة السلطة، يستعمل ورقة المصالح اليومية للمواطنين كأداة لإذلال الناس وإخضاعهم لجبروته ورحمته، حيث إن الكثير من هؤلاء المسؤولين يتفننون ويتلذذون بتعذيب الناس بطرق وأساليب شتى أرحمها "مشي واجي". حتى المساعادات الانسانية القادمة من الخارج، التي لا تنفق فيها الدولة درهما واحدا من المال العام، تصبح بدورها منة وعطاء ينعم بها المسؤولون على المنكوبين في الكوارث. أما الاستفادة من ثروات الوطن بالتساوي، فهي من قبيل أضغاث الأحلام، اللهم في حال كان الحظ الى جانب أحدهم فينعم عليه مسؤول ما ب "كريمة " مثلا بعد تملق وذل لا يليق بمنزلة الحيوان فضلا عن الانسان. إن أي تقدم ورقي ينشده المغاربة أجمعين، يتطلب منهم أن يغيروا من نمط تفكيرهم ، فالمواطنون يجب أن يقتنعوا بأنهم اصحاب حقوق لا تعطى ولكن تنتزع. كما أن المسؤولين مطالبين بإعادة النظرفي فلسفة السلطة عندهم، وأن المناصب التي يشتغلون فيها ليست تشريفا بقدر ما هي تكليف. أما المنطق الاحساني وثقافة المن والكرم على المواطنين، فهي لا تليق ببلد يقول مسؤولوه أنه يقتات من ثقافة حقوق الانسان، وإنما تساهم في تجميد طاقات جبارة من شانها النهوض بهذا الوطن الى مراتب متقدمة في شتى المجالات، في حال ما اذا ما استفادت من حقوقها كاملة بدون منة أو كرم أي كان. [email protected]