الوجه الآخر للابتزاز الجنسي في الجامعات، بطلاته طالبات يستعملن كل الوسائل الممكنة لاستمالة الأساتذة وإغرائهم، قصد الظفر بنقطة مرتفعة أو بزوج مناسب له مركز اجتماعي مرموق. منهن من تقبل بارتداء ملابس فاضحة ومثيرة، لعلها تحرك في نفس الأستاذ شيئا يجعله يسقط في فخاخها المنصوبة وتصل إلى هدفها المنشود، ومنهن من تتهم الأستاذ بالتحرش الجنسي، بها ظلما وعدوانا، وغايتها الانتقام منه فقط لأنه منحها النقطة التي تستحقها. محمد، أستاذ جامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، كانت تحاصره مرات عديدة محاولات لطالبات يرغبن في الإيقاع به في فخ الخيانة الزوجية، يجتهدن بكل الوسائل لاستمالته، مستعملات كل الأسلحة النسائية المتنوعة، بدءا بالنظرات الثاقبة وانتهاء بارتداء ملابس تكشف عن الجزء الأكبر من أجسادهن، وفي كل سنة يتعرض لسيل لا بأس به من التحرشات لا. في إحدى السنوات التي كان يدرس خلالها في الكلية المذكورة تكرر مشهد يومي اعتاده الطلبة، ويتمثل في تنافس طالبتين على احتلال الصف الأول من المدرج، إحداهما تصفف شعرها وتضع كل أنواع الزينة على وجهها وتبرز جزءا من صدرها، والأخرى ترتدي تنورة قصيرة لا تغطي سوى جزء بسيط من نصفها السفلي. هكذا دأبت الطالبتان على استعمال كل الوسائل لإغراء الأستاذ الشاب الذي يتميز بالجدية وبأسلوب راق في التعامل. تصرف الطالبتين كان محط تنديد الطلبة الذين كانوا يتابعون أطوار عملية الإغراء. والأستاذ لا يلقي إليهما بالا. ولكي يرد عليهما بطريقة لبقة، تحدث ذات مرة خلال الدرس عن أهمية الاستقرار الأسري وقدم نفسه كمثال لزوج يعيش حياة مستقرة رفقة زوجته التي يحبها، كما يلجأ أحيانا إلى الأسلوب الوعظي، فيقول إن الجامعة هي مكان للتحصيل الدراسي وليست مكانا لأي فعل آخر. غير أن الطالبتين لم تستوعبا جيدا رسائل الأستاذ المشفرة، واستمرتا في التحرش به، فلم يتحمل ردة فعلهما الخالية من الأدب واللباقة، وما كان منه إلا أن قدم لهما إنذارا شفويا مفاده أن تكفا عما تقومان به من تحرش يومي أو يقدم بهما شكوى إلى إدارة الجامعة، فغابت الطالبتان عن حصته لمدة أسبوع لتعودا من جديد، ولكنهما هذه المرة استوعبتا الدرس جيدا، إذ شوهدتا مرتديتين ثيابا مناسبة، ولم تعودا تحتلان الصف الأول. قصة محمد، كما رواها أحد المقربين منه، ليست سوى نموذج من حالات أخرى لأساتذة كانوا ضحايا تحرش الطالبات، لكنهم «يصمتون» هم بدورهم ويلتمسون الأعذار لطالبات ربما يعتبرنهن في سن المراهقة، فيربؤون بأنفسهم عن الرد على مثل هذه السلوكات. «خراب البيوت» كثيرون هم الأساتذة الذين كانوا ضحية افتراء وكذب وبهتان طالبات جامعيات، بعدما فشلن في مسارهن الدراسي، إذ لم يجدن وسيلة للانتقام من بعض الأساتذة سوى إشهار سلاح التحرش الجنسي في وجوههم واختلاق قصص من وحي خيالهن. تحكي نادية، أستاذة جامعية، حكاية زميل لها كان يدرس معها في الجامعة، اتهمته طالبة بالتحرش بها، فكانت النتيجة انهيار حياته الأسرية التي التي اتسمت لمدة طويلة بالاستقرار والتفاهم المتبادل بينه وبين زوجته. تقول نادية: «منح زميلي للطالبة نقطة (6/20)، لأنها كانت كسولة، فاستثمرت وضعها الاجتماعي الراقي لتخبر والدها، الذي كان يتمتع ببعض النفوذ، أن الأستاذ تحرش بها جنسيا فصدته عنها، وكرد فعل على ما حدث منحها نقطة ضعيفة، فما كان من والدها إلا أن قدم إلى منزل الأستاذ فكل له أقبح النعوت والشتائم، وهدده إذا لم يتراجع عن تلك النقطة، فإنه «سيتدخل لدى بعض ذوي النفوذ كي يطرده من الجامعة». لم يتحمل الأستاذ ما حدث، خاصة أن زوجته وبعض أقاربه تابعوا رواية والد الطالبة، فقرر عدم الاستجابة لضغوطه، وأفهمه أن توجيه هذا النوع من التهم إليه ليس بالشيء الهين، ويتضمن مسا خطيرا بسمعته الطيبة، فتشبث بما منحه للطالبة وطلب منه أن يفعل ما شاء لأنه لن يرضخ لأي تهديد من هذا النوع. حاول والد الطالبة أن يشوش على الأستاذ لكنه لم يفلح، وكانت النتيجة أن الطالبة رسبت والأستاذ استمر في مزاولة مهنته، لكن وقع ما لم يكن في الحسبان، إذ إن زوجة الأستاذ طلبت الطلاق متهمة زوجها بخيانته لها. ورغم كل محاولاته إبعاد التهمة عنه وشرح وجهة نظره، فإن الزوجة لم تصدقه وتمادت في تعنتها، وواصلت إجراءات المحكمة، دون التأكد من تورط زوجها فكانت النتيجة الطلاق. أسئلة دون مبرر عندما عين عبد الله بإحدى كليات مدينة الدارالبيضاء، كان ما زال وقتها عازبا. حاولت بعض الطالبات التقرب منه، مستخدمات العديد من الوسائل المختلفة. ولاتقاء شرهن، حسب تعبيره، قام بوضع خاتم زواج بأصبعه ليضع حدا لمطامعهن، لكنهن أدركن أن ما فعله مجرد خدعة، بعدما اجتهدن في البحث في حياته الشخصية وأصله ومسقط رأسه وتاريخ ازدياده. يقول عبد الله مازحا: «كنت وقتها شابا وسيما وأنيقا، وكنت أرى نظرات الإعجاب في عيون بعض الطالبات، فأتفادى الوقوع في أي خطأ من هذا النوع، فكنت أتقرب كثيرا من الطلبة الذكور وأحسن معاملتهم، وأتعامل بفظاظة مع الطالبات حتى لا تفهم من تصرفاتي أي إشارة على أنني مستعد للتجاوب مع دعواتهن الخفية». عندما يدخل عبد الله إلى المدرج يجد عددا لا بأس به من الفتيات جالسات في الصف الأمامي، مرتديات أحسن الملابس ومنهن من تفضل الملابس الكاشفة والشفافة. يطرحن الأسئلة في كل صغيرة وكبيرة، ومنهن من تدعي عدم الفهم لإثارة انتباه الأستاذ الذي يقاوم كيد الطالبات الذي لا يتوقف. وعندما تنتهي الحصة الدراسية، تركض بعض الطالبات إلى الأستاذ، فيطرحن أسئلة أخرى راغبات في فهم دقيق للدرس، فكان عبد الله يساير شغبهن ويتفادى الاستجابة لتحرشهن العلني، لينصرف في هدوء. من الذكريات التي ما زالت راسخة في ذهن عبد الله أنه عند نهاية الموسم الدراسي، كان الغياب هو سيد الموقف بالنسبة لجل الطلبة. وذات مرة دخل إلى المدرج فوجد الفتيات فقط. يحكي عبد الله عن هذه اللحظات قائلا: «كانت بعض المواقف تثير الضحك والسخرية، فذات يوم ادعت إحداهن الإغماء، وبعد الاتصال بالإسعاف تبين أن الأمر مجرد مزحة لا غير». ويرى عبد الله أنه من غير العدل أن يظل الحديث عن تحرش الأستاذ بالطالبات وإغفال تحرش الطالبات بالأستاذ، وإن «كان هذا النوع من التحرش موجودا بنسبة أقل والذي «لا ينجو منه إلا ذوو العزيمة القوية، الذين يتحاشون السقوط في الرذيلة»، حسب قوله. عمر حلي: يجب على الطالبات أن يسلكن طريق القانون في حالة تعرضهن لأي ابتزاز لم يرغب العديد من الأساتذة الذين تحدثت إليهم «المساء» في الخوض في موضوع ابتزاز الطالبات، فمنهم من تعلل بوجود أساتذة أكفاء يمكنهم الحديث أفضل منهم، ومنهم من طلب إعفاءه بشكل مباشر وصريح. وهناك من فضل الحديث دون ذكر اسمه، تجنبا لإثارة المشاكل مع زملائه أو أسرته، خاصة في الظروف الراهنة، معتبرا أن الخوض في حديث من هذا النوع قد يسبب له العداء ويدخله في متاهات هو في غنى عنها، ومن هؤلاء أستاذ في علم الاجتماع، أوضح أن ابتزاز الأساتذة للطالبات جنسيا مشكل قائم وموجود لكنه ليس بالشكل الذي يتم به تناول، واعتبر أن القضية لا تمثل ظاهرة، بل هي مجرد حالات نادرة ومعزولة تعرفها بعض الجامعات. غير أن أحد الأساتذة الجامعيين أكد أن الموضوع يدخل في خانة المسكوت عنه، لارتباطه بالطالبة التي تخشى على مسارها الدراسي وانتقام الأستاذ منها إن هي قامت بفضح ما تتعرض له من ابتزاز من قبل أستاذها. وبخصوص المسطرة التي تتبع عادة في مختلف الجامعات، أكد عمر حلي، نائب رئيس جامعة ابن زهر بأكادير، أنه في حالة تعرض طالبة للابتزاز من لدن الأستاذ، فإن عليها أن تمتلك الشجاعة الكافية لاتباع المسطرات والقوانين الجاري بها العمل، سواء عبر اللجوء إلى وضع شكاية أمام القضاء أو اللجوء إلى مجلس الجامعة ليتخذ الإجراءات المناسبة في حق الأستاذ الذي يقدم على أي سلوك من هذا النوع. وقال حلي، في تصريح ل«المساء»: «نادرا ما تصل هذه الحالات إلى رئاسة الجامعة، لأنها تعالج على مستوى الشعب بطريقة اجتماعية فيتم تدخل أطراف على الخط لعقد الصلح بين الطالبة والأستاذ، وإذا ما وقعت واقعة فإنها تعرض على اللجنة العلمية والتي تكون لها صلاحية اتخاذ القرار المناسب» . وأوضح نائب رئيس جامعة ابن زهر بأكادير أن العديد من العوامل ومن بينها الحشمة والخوف تجعل الأطراف المعنية تفضل إلتزام الصمت. وذكر أن هناك طالبة كانت تتابع دراستها بجامعة ابن زهر كانت لها الشجاعة كي تبلغ عن تحرش أستاذ جامعي كان يدرس بشكل عرضي بالجامعة، فتدخل رجال الأمن الذين أنجزوا محضرا في الموضوع وأحيل الملف على المحكمة. وحول تستر الإدارة على بعض الأساتذة وعدم محاسبتهم، بالرغم من ورود شكايات، ومطالبة الإدارة الطالبات بالدليل على ادعاءاتهن، قال حلي: «هذا غير صحيح، فمجالس المؤسسات منتخبة وتضم الأساتذة والطلبة على السواء ولا يمكن أن تقف الإدارة إلى صف الأستاذ دون مبرر، بل تكون مهمتها هي تحديد المسؤولية، إضافة إلى أنه في الوقت الحالي لم يعد الدليل عائقا، فابتزاز الطالبة يدخل ضمن وسائل الإثبات المتاحة». وأشار المتحدث نفسه إلى أهمية الدور التربوي في الموضوع من أجل التربية على السلوك المدني داخل الجامعات أو المؤسسات التعليمية، سواء تعلق الأمر بمحاربة الابتزاز أو التحرش الجنسي أو السب والشتم واستعمال ألفاظ غير لائقة، لأن الهدف من فتح أوراش التحسيس والتربية على السلوك المدني داخل المؤسسات التعليمية هو تحديد العلاقة بين مختلف الأطراف، على درب تحصين المؤسسات التربوية من كل السلوكات المشينة.