من أبرز المآثر التاريخية التي لا زالت متواجدة إلى اليوم بالريف، أطلال مدينة المزمة المتواجدة أسفل هضاب قرية أجدير قبالة جزيرة انكور، فرغم الدمار الذي تعرضت له عبر مختلف الحقب التاريخية فإن بعضا من أسوارها لا زالت قائمة إلى اليوم متحدية التخريب وعوادي الزمن وشاهدة على حضارة ابتدعها الإنسان الريفي عبر تاريخه الحافل بالإنجازات. تعتبر مدينة المزمة من المدن والمراسي التي شيدت على طول الساحل الريفي بعيد الإشعاع الحضاري والثقافي الذي عرفته إمارة انكور التي أسسها صالح بن منصور والتي كانت عاصمتها (مدينة انكور) لا تبعد عن مدينة المزمة إلا بحوالي 15 كلم. في الأصل كانت مدينة المزمة عبارة عن ميناء يستعمل في العمليات التجارية التي كانت تهم عددا من المواد (الملح الشموع الحبوب الصوف الذهب...) بين ضفتي المتوسط وخاصة بين الريف والأندلس، كما كانت تصله السلع القادمة من فاس وغيرها من مدن المغرب إضافة إلى القوافل الآتية من دول جنوب الصحراء (مالي التي كان يطلق عليها حينذاك السودان الغربية)، ومع تزايد الرواج الذي عرفه، بدأ هذا المرسى يتوسع بشكل تدريجي واستقطب العديد من الأسر حتى تشكلت مدينة المزمة التي كان مركزها مسيجا بسور لا زالت آثاره قائمة إلى اليوم. وستتألق مدينة المزمة أكثر بعد الدمار التام الذي تعرضت له مدينة انكور سنة 1084م إثر الهجوم العنيف الذي قاده الإمبراطور يوسف بن تاشفين المرابطي، واستمر إشعاعها حتى أواخر القرن 15 وقيل 17 بعد الخراب الكلي الذي تعرضت له زمن السلطان المولى رشيد. بعد الدمار الذي تعرضت له وبسبب انعدام الصيانة وأعمال الترميم، ومع تخصيص جزء هام من مساحة المدينة لإقامة المشروع السياحي لنادي البحر البيض المتوسط في الستينيات من القرن المنصرم ثم لبناء مركز لتنمية المرأة وإقامة أعمدة الهاتف النقال لشركة ميديتل للاتصالات، فإنه لم يتبق من مدينة المزمة اليوم سوى بعض الأسوار وبقايا إحدى المرافق التي قيل أنها كانت المسكن الرئيسي لأمير المدينة وقيل أنها كانت لمسجد المدينة. من خلال الصور المثبتة على الجداريات الإشهارية المتواجدة بكل من شاطئ اسفيحة وقرب مقبرة المجاهدين، يتضح أن الدولة عازمة على إقامة مشروع سياحي على طول الساحل الممتد من اسفيحة وحتى السواني، وإن كانت معالم هذا المشروع لا زالت غير معروفة في دقائقها، فإن ما يقلق المهتمين بالذاكرة والمآثر التاريخية وعموم المواطنين هو مآل أطلال مدينة المزمة التي يشملها هذا المشروع السياحي، والكل يتخوف من أن يكون مصيرها شبيها بمصير أطلال مدينة انكور التي عمد المسؤولون في السبعينيات من القرن المنصرم إلى غمرها بمياه واد انكور بعد أن شيدوا على هذا الوادي سدا أتى على معظم المساحة التي كانت تحتلها هذه المدينة (انكور).