"أنس القرباص * كثيرةٌ هي تلك الأسئلة والإشكالات، التي تبثُّ في الإنسان المسلم طابع القلق والشك والاضطراب، وتبعث فيه -في المقابل- دافع البحث والحركة من أجل اكتشاف الجواب. فبينما كنت أتصفح حسابي على موقع "الفيسبوك"، إذا بي أتلقى رسالةً قصيرةً منْ إحداهن، تضمنت سؤالاً من هذا الصنف الذي أشرت إليه قبل قليل، وهو: "إذا كانت البشرية كلها من سلالة آدم، فهل نحن كلنا أبناء زنى المحارم" ؟! كانتْ السائلةُ تبحثٍ عن جوابٍ يشفي غليلها، ويدواي علتها، بعدَما قرأت ذلك السؤال في صفحة أحدهم. فهذا السؤال من حيث هو سؤالٌ - بغض النظر عن نوايا صاحبه، كانت حسنةً أم سيئةً - قدْ يربك القارئ من أول وهلة، ويصيبه بنوعٍ من الشك والتردد والحيرة؛ إذ الظاهرُ منه أنه كلامٌ صحيحٌ و معقولٌ ومقبولٌ ! خصوصاً، وأنهُ مبنيٌّ على ترتيب منطقي من مقدماتٍ ونتائجَ ! إلا أنه في حقيقة الأمر، ليس كما يبدو، وهذا ما تبين لي بعد أن تريثت قليلاً، وفكرتُ ملياً - على عادتي في الرد -، فكان جوابي كالتالي: إن هذا السؤال يتكون من مقدمتين: الأولى: أننا من سلالة آدم - عليه السلام- وهذه مقدمة صحيحة، لاشك ولا مراء ولا جدال فيها. أما المقدمة الثانية: (وهي بمثابة النتيجة) أن البشر "إذن، أبناء زنى المحارم"، فهي غير صحيحة إطلاقا، ولايمكن التسليم بها، أو تصديقها، بدليلن: الدليل الأول: أن مصطلح "زنى المحارم" ظهر مع الدين الإسلامي، ولم يظهر من قبل، ولايمكن أن يحمل هذا المصطلح الحادث في الإسلام، على ذلك الزمان المتقدم، فهذه مغالطةٌ توقعنا في منزلق الإسقاط، والإسقاط لا حظَّ له من العلمية كما هو معلوم في الضوابط والقواعد المنهجية - هذا على فرض أن تلك العلاقات لم تكن شرعية-. الدليل الثاني: أن زواج الأخ من أخته كان جائزا في زمن سيدنا آدم -عليه السلام- وغير محرم؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى كان رافعاً لعلة التحريم (المتمثلة في اختلاط النسل) في ذلك الزمان كما شاءت إرادته، فتولى هو سبحانه حفظ النسل من الاختلاط، وأثر ذلك يظهر جليا فيما نعيشه نحن اليوم في حياتنا من انتظام ونظام في النسل، ومن ثَمَّ فلاَ يصح إضفاء صبغة "عدم الشرعية" على تلك العلاقات. وبناءً على ما تقدم يمكن أن نقول: إنَّ ما حصلَ بين أبناء آدم - عليه السلام- وأولاده، كانَ زواجاً مرخصا به، غير ممنوع ولا محرم، وبالتالي: لا يصح أن نطلق عليه لفظ الزنى، سواء بمعناه المطلق (مطلق الزنى)، أو بمعناه المقيد (زنى المحارم) كما جاء في السؤال. والله المستعان. كتبه: * باحث بماستر الفكر الإسلامي والحضارة بالمغرب، كلية أصول الدين، تطوان.