يعيش الاساتذة المتدربين وضعاً مغايراً لمن سبقوهم من المحتجين ، ليس على الصعيد السياسي فحسب، وانما على جميع الاصعدة بحيث بات الامر اشبه بدراما تعددت مواضعيها، وتعدد الاشخاص الذين أثروا على احداثها ، وتعدد التوجهات ووجهات النظر حول احتمالات ما يمكن أن يعصف بمصيرهم ، والذي اختلطت ألوانها الرمادي والأخضر والأصفر والأزرق ، وفي خضم ذاك الاختلاط يبقى اللون الأبيض النقي الصافي ، هو اللون الذي اختارته الحكومة لتهديد الأساتذة المتدربين بسنة بيضاء انتقاما على تحديهم ، رغم أن البياض في الموروث المغربي يمتح دلالاته من المخيال الجمعي عبر التاريخ والأسطورة ، حيث نجده عند الرجل الشعبي يحمل معاني ودلالات السعد والحظ والنقاء والعذرية والبراءة ، التي تدفع بالمغاربة ليدعون لمن يحبون من الفتيات ب "الله يبيض سعدك" ، لكن نفس البياض يتلون عند نفس الرجل الشعبي بألوان دلالية أخرى متنوعة ، فيرمز إلى الحزن ، حيث تتدثر الأرملة المغربية بالبياض ، في إشارة إلى حزنها على موت زوجها ، كما في الكثير من الثقافات التي يرمز فيها البياض إلى الموت ، كالثقافة الآسيوية التي يدل فيها البياض على الحزن ، بخلاف الثقافة العباسية ، التي ترتدي المرأة السواد للتعبير عن الحزن. لاشك أن لونا بهذه الخصوبة والغنى ، لن يتبدى في بعد واحد ومحدود في البياض الذي وظفه الصحفي "بوعشرين" في إحدى افتتاحياته لتنويه بمجهودات الحكومة المغربية الإسلامية قائلا :"ومع ذلك فإن ألوان يناير هذا العام، وبعد خمس سنوات من ميلاد الحراك العربي الذي أطاح برموز الديكتاتورية العربية، مثل زين العابدين بنعلي وحسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح ونوري المالكي وغيرهم... ألوان يناير ليست كلها أسود وأحمر، بل فيها بعض من بياض في أكثر من بلد" . وما أظن بوعشرين يقصد بياض سنة الأساتذة المتدربين ، الذي تلوح به الحكومة ، والذي يعلم الجميع وأولهم السي بوعشرين يقينا ، أنه بياض قابل للتحول إلى سواد يغشى ظلامه الحالك الاستحقاقات البرلمانية التي لم يبق عليها سوى أشهر معدودات . وإذا افترضنا أن سنة الأستاذة المتدربين بيضت أو لونت بأي لوان ، أو حتى بلا ألوان ، فالسؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح ، هو ما هو اللون الذي سيكون عليه الموسم الدراسي المقبل بالنسبة لتلاميذ المدارس الحكومية ، فهل سيكون موسما "أكحل قاتما " ؟؟ أم سيخضبه بعض بياض التوظيف المباشر لمن لم يتم اختيارهم من قبل في مراكز التكوين بعد اجتيازهم المباراة ، أي من الراسبين ، أو الزورق ، وكيف سيكون لون التلاميذ الذين سيعلمهم الراسبون في اجتياز مباراة تلك المراكز .. لاشك أن حالتهم ستكون "كحلى زحلى" كما كانت تقول جدتي ، رحمة الله عليها، أو كما يقول المصريون ، "منيلة بنيلة " والنيلة عندنا هي اللون الأزرق الغامق الذي يخلط بالجير لتبييض ، عفوا "لتزريق " الحيطان . أظن أننا أمام ألوان تفوق سقف استيعاب المواطن البسيط الذي يبعث بأبنائه إلى المدرسة الحكومية مطلع كل موسم دراسي ، دون الاهتمام بالبياض أو السواد أو حتى النيلة لمنيلة ، التي هدد بها السيد "الخلفي" في تصريحه الصحافي ، الأساتذة المتدربين ، والذين لا يمكنه إنقاذ سنتهم الدراسية من سوادها في حال عدم عودتهم لمراكز التكوين .. ومن باب الشيء بالشيء يذكر ، وباب "الهم إلى كثر كيضحك" ، ذكرني هذا الخلط والتخبط في الألوان بنكتة المعلم الذي يلقن تلامذته درسا في أنواع الخضر، والذي عرض عليهم حبة طماطم متسائلا : ما هذه ؟ فكان الجواب من الجميع : مطيشة يا أستاذ، وما هو لونها؟ فرد الجميع حمرا يا أستاذ ، فقال المعلم ، نعم حمرا ، ولكنها دابا صفرا حيت باقية خضرا ، فاحتار التلاميذ أمام تضارب ألوان مطيشة وتضادها ، رغم أن المعلم كان محقا فيما يقصد ، حيث أن مطيشة تكون حمراء اللون عند اكتمال نموها ، وقبل ذلك تكون صفراء ، فنقول عنها أنها مازالت خضراء في دارجتنا المغربية التي تعج بغرائب الألوان ، التي نسمع من يطلب من نادل المقهى : أريد "حليب خضر" أو يطلب من صاحب محلبة أريد "بيضة خضرة" ، مع أن الحليب والبيض لونه أبيض ناصع ، وغير ذلك من استعمالات الألوان التي تتآلف مع أضداد و ختلفاتها في دارجتنا . [email protected]