الشعور ب "الجدودية " نعمة كبرى من نعم الله ، ومنحة من فضائله عز وجل على خلقه ، لا يحسها إلا من عاشها ، ولا يقدرها إلا من حرم منها ، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "واللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً" سورة النحل آية 72 . فكم كانت بهجتي عارمة بعد أن من الله عزَّ وجل علي بحفيدي الثاني "وسيم " من ابنتي الوسطى التي خصتني مشكورة بلقب " جَدّ " للمرة الثانية ، بعد أن سبقت أن أكرمتني أختها الصغرى -قبلها بشهور- بوشاح "جيدو " اللقب العظيم الذي بهرتني ساعتها روعته وجماله بمدى ما وهبني من زخات الحب الأصفى ، وما شحنني به من السعادة والحبور ، والأمل والنشاط ، الذي أحمد الله عليه وعلى ما اسبغ علي من خيره الكثيرة ، وأشكره على كرمه العميم ، وأسأله جل علاه أن يحفظهما لوالديها ويقر عيونهم بهما ، ويسعدهم بهما فى كل خطوة وزمن .. لحظة فارقة في حياتي ، التي كنت أظنها فاشلة ، لكن تبين لي ، بعد أن انتابني إحساس الجدودية ، وتملكني هوسها الغامر ، أنها كانت ، بفضل الله ونعمة ، حياة ناجحة ، وتجربة ايجابية ، ونزهة جميلة توجها مقدم حفيداي " لينا " و" وسيم " امتداد عمري ، واستمرار نسلي ، وتكريس أثري ، واستحضار طفولة أبنائي واستعادة شبابي ؛ اللذان كلما نظرت إلى محياهما ، وتأملت وجهي أميهما (ابنتاي) ، إلا وانساب أمام ناظري ، شريط يمخر عباب ذكريات أعوامي وسجل عمري التي لم أشعر بفواتها ، ويتوغل بعيدا في بحر أيامي الخوالي ، التي لم أحس بقاطرتها وقد قطعت أشواطاً مهمة باتجاه تقادم الزمن ، الذي لم أشعر خلاله بما أحدثه في كياني من تغيرات بيولوجية ونفسية واجتماعية ومعرفية ، وبقيت معه في أشواط عمري الأولى ، أشعر بأنني مازلت محض طفل وأني لم يشبع بعد من دنياي وأن لدي الكثير من المشاريع الحياتية الأخرى غير المكتملة – الشعور الذي يسميه علم النفس ب "طفولية العمر" (البيولوجي للإنسان ) الذي يعيشه الشخص المرهف الإحساس بجماليات الحياة ونمطها من رفاه اقتصادي واجتماعي ، ويبقى في ، حسب نظره ، طفلاً مهما تقادم به العمر ، بعكس من كان ديدنه قلّة الإحساس . لحظة زادتني يقينا بأن الله سبحانه يحبني ، وأشعرتني بأني لا زلت موجوداً ولي دورا في مدارات الزمان وطواحين ظروفه ، وتأثيرا في رياض المكان ومحيطاته ، وأفاضت شلالات قريحتي ، وأججت إلهامي ، فقررت أن أهدي حفيداي هدية معطرة بالروح والرياحين ، أغنية تعبر عما بداخلي الذي لا أستطيع الافصاح عنه بكل جمل وعبارات لغات الكون مجتمعة -لأن الأغاني ذاكرة الشعوب ، وشعب من دون ذاكرة شعب جاهل - فتجولت بخيالي في دهاليز التراث الغنائي الشعبي المغربي ، علني أجد أغنية مناسبة تلملم مشاعري وتبلور احاسيسي الفياضة . لكني دهشت بأن هذا تراثنا قاصر في باب التغني بالمواليد ، وفقير في أناشيد الاحتفال بمقدمهم ، وأن موضوعات تصوير فرحة الأجداد بالأحفاد غير ناضجة لدى غالبية الفنانين وأهل الطرب والكثير من الأدباء والزجالين وكتاب الكلمات فكان اهتمامهم بالتغني بمقدم المواليد ، كان شحيحا جدا بل وفقيرة إلى درجة مهولة ، رغم تناولهم لكافة مجالات الإبداع الغنائي ، حيث لم يؤتى على ذكر الجد والحَفِيد في الأغاني الشعبية إلا لمماً -وهذا أمر حري بالبحث والنقاش والأسئلة تتكاثف حوله ، والتي آمل أن يتاح لي الكشف عنها في مقالة أخرى ، فيما يأتي من الزمان ، بحول الله – ما دفع بي للبحث في تراث غيرنا من الشعوب والأمم ، وخاصة التراث المصري الذي وجدته زاخرا بزخم من الإنتاجات المعبرة والمطربة ، القديم منها والحديث ، التي تغنى بها عامة المصريين ولازالوا يتغنون بها فرحا بالمواليد ، وتصويرا لفرحة الأجداد بقدوم الأحفاد ، فكان من السهل علي التزود من كم الأغاني العميم كأغنية : "حلقاتك برجلاتك" التي غناها الفنان المرحوم عبد المنعم مدبولي من فيلم " الحفيد " ، وأغنية : "اسمع كلام امك "، وأغنية : "قمر يا قمر" ، وأغنية : "يارب النونو يبقى عريس" ، وأغنية "باركولها يا اهل البلد" ، وأغنية "ريمو ريمو" وأغنية "انا جيت فالدنيا للسبوع " ، وغيرها كثير من اغاني السبوع الجميلة أدام الله علينا نحن الأجداد ، وعليكم أنتم معشر الآباء ، متعة العيش مع الأحفاد ، وأقر الله أعيننا وأعينكم ، بصلاحهم وتوفيقهم ونجاحهم في الدارين يا رب . وخير ما أختم به قوله سبحانه: "قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَا يَجْمَعُونَ" وقوله : "رَبِ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التِى أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى وَالِدَيّ وّأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ ليِ فِي ذُرِيّتِي إِنّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنّيِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" صدق الله العظيم .