المختار الغربي الصحافة في المغرب تعيش منذ شهرين على ايقاع أسوأ مرحلة في تاريخها. هناك قضيتان كبيرتان واجهناها في هذه الفترة العصيبة: اولا: اختطاف وقرصنة بيت الصحافة. المسؤولية هنا مشتركة على عدة واجهات. هناك المؤسسات العمومية التي مولت المشروع والمسؤولين عنها، ثم هناك وزارة الاتصال التي ساهمت وتورطت الى جانبهم وصمتت عن جريمة اختيار وتعيين أشخاص للسيطرة على بيت الصحافة، ثم هناك مجموع الصحافيين الذين باركوا هذه الجريمة ونوهوا بمقترفيها. رضى هؤلاء كلهم أم لم يرضوا، فان للموضوع جانبا دينيا واضحا وجليا، وهو المتعلق بخيانة الأمانة، أقول ديني قبل أن يكون قانوني، لأن كل هؤلاء سيلقون ربهم بجريرة تلك الخيانة ولن تنفعهم حينذاك لا سلطتهم ولا نفوذهم ولا أموالهم. هذا اذا لم يمهلهم الله فيجعلهم يؤدون ثمن جرائمهم في الدنيا قبل الآخرة. ثانيا: الذين تصرفوا في مؤتمر النقابة كالشيطان الأخرس ووافقوا وأجازوا المهزلة التي وقعت فيه، هم كذلك في حكم خائنوا الأمانة. الاجماع الذي قالوا بأنه وقع في تنصيب البقالى كرئيس، هو اجماع بحجم المصيبة، لأنه لم يعد هناك في الدنيا كلها مثل هذا الاجماع الا في مصر السيسي وسوريا الأسد. بالتالي ليس هناك أى فرق بينهم وبين زبانية السيسي والأسد في الاعلام المصري والسوري. أيعقل أن لا يتصدى أى من المحسوبين على الصحافة المغربية ولو بالدفاع عن الشرعية والمشروعية والتجديد؟ أمن العدل أن يكون فساد النقابة أمرا يقع فيه الاجماع؟ أى اجماع هذا وأيهم أشخاص هؤلاء وأى نبل بقى في هذا الموضوع الخطير؟ كيف سمح مدعوا الصحافة بأن يتدخل عملاء لشكر وشباط في أمر يخصهم ويخص كرامتهم وشرفهم؟ أبعد كل هذا يتجرأ البعض على حمل بطاقة تشي بالانتماء الى مهنة نبيلة لا تحتمل الغش والخداع والمحسوبية وخيانة الأمانة؟ بعد مهزلة مؤتمر نقابة الصحافة وتوزيع أطراف الجسم الصحفي في ماخورها والتهامها من طرف وحوشها. حان الوقت ليقوم الشرفاء من الصحافيين بمواجهة هذا الفساد الذي ينخر كيان الصحافة المغربية والتكتل في وجه الفاسدين والمفسدين والانتهازيين والمستبدين، بالدعوة الى انشاء هيأة بديلة تقف في وجوههم وتوقفهم عند حدهم، تضم كل الصحافيين الحقيقيين من الأحرار والنزهاء على كافة التراب الوطني. الآن يبدو أن كل الأمور اتضحت وأصبحنا نعرف بالتحديد من هم الأخيار ومن هم الأشرار الذين يستعملون ويستغلون الصحافة لبناء أمجادهم الشخصية وأحلامهم المريضة وخدمة أسيادهم في الأحزاب الفاسدة وتقويض ارادة الوعى والتطور. يجب على الصحافيين الشرفاء والنزهاء أن يفتحوا معركة طويلة النفس لتصحيح هذه الوضعية ويعلنونها حربا لا هوادة فيها ضد كل المنافقين والعملاء والخسيسين والجبناء. أو على الأقل، وكبداية، يمكن للجمعيات التي تشتغل في هذا المجال أن تتوحد جهودهم ويعلنون اندماجا كاملا لتتوحد وتجلب مزيدا من الدعم. ان المغرب لم يعد يتحمل مزيدا في استنزاف قدراته على يد مساخيط الصحافة، وتفرض الحالة المأساوية بأن يقوم الشرفاء بدورهم الطلائعي من أجل العدل والحرية والتنمية ومحاربة الجهل والفساد والانتهازية. لقد اتضح أن العملية كلها عبارة عن صفقة سياسية أكثر منها اعلامية. كما أن العملية تدخل في اطار الفساد السياسي الذي يتزعماه الحزبان معا تحت اشراف لشكر وشباط. المشهد الاعلامي اليوم لم تعد له أية علاقة بنبل مهنة الصحافة وأصبح تحت سيطرة حفنة من الانتهازيين والفاسدين والمستبدين. للأسف يتم هذا الأمر بدعم من المحسوبين على الصحافة، ولا أحد قال: اللهم ان هذا منكر" لم يبق قطاع في المغرب لم يتم ترويضه سياسيا واعلاميا، كل القطاعات ذات العلاقة بما يمكن أن يساهم في وعى المغاربة تم تطويقها ورهنها بأيادي قذرة ومتخلفة. حتى قطاع الاعلام الذي كنا نعتقد أنه عصى على الفاسدين والمفسدين، تم اختراقه وشراء ذمم من كان عليهم حمايته. في هذا السياق، لوحظ أن جل اللذين كتبوا عن افتتاح مؤتمر نقابة الصحافة، استعملوا نفس التعبيران والكلمات والجمل بترتيب غريب وكأنهم كتبوا من محبرة واحدة أو أن ما كتبوه لقن لهم لكى لا يخرجوا عن الخط المعلوم. هذه أول مرة يقع فيها هذا الأمر. كما أنه ليس من بين كل اللذين كتبوا في الموضوع أى واحد سجل أمرا يستحق الملاحظة أو الانتقاد. كلهم هللوا وكأنهم حضروا خطبة الجمعة في الكعبة المشرفة. أستغفر الله العظيم. رغم التجييش المبالغ فيه لحشد الدعم، لم يخرج جل (الصحافيين)عن الخط المرسوم سلفا. الاعلام في المغرب كالسياسة، وجهان لنفس العملة، الاثنان معا لا يحتملان الصدق والمصداقية، ضد كل منطق وأمانة. الاثنان معا مريضان ومبتليان بوجوه ونماذج ومواقف واتجاهات متناقضة وغير سوية. على مدى عشرة أعوام، من 2004 الى 2014 تابعت ورصدت وسجلت عدة تناقضات تخص الصحافة المغربية، بسبب التغيرات العنيفة والمؤسفة التي بدأت تظهر على جسمها وتوجهاتها ومواقفها وبسبب ظهور جيل جديد من (الصحافيين) رضعوا من ضروع لا علاقة لها (بضرع الصحافة) الطاهر والنقي والكريم. الصحافة في المغرب تشبه بكل التفاصيل السياسة فيه، حربائية، غير صادقة ومنافقة، تنهل من العلاقات المشبوهة والمصالح المتبادلة والمواقف المتذبذبة والتمسح بصاحب الشأن مهما كان لونه وسيرته وماضيه وحاضره وتجارته وانتمائه. لا وجود لما يسمى بشرف المهنة وأخلاقياتها ولا أمان ولا وفاء يرهن العقل والفكر الاعلامي، كل يوم له شأن في هذا المجال الموبوء، الذي يتم فيه البيع والشراء والتفاوض والاتفاق دون الالتزام بأى رادع أخلاقي أو حتى ديني. الصحافة في المغرب لا يملكها أصحابها ولا من يشتغلون معهم، لأن الجميع في خدمة جهات لا علاقة لها بالمجال الاعلامي أو الصحافة بصفة عامة. كل موقف يتم بمنطق التجارة والربح والخسارة. وليذهب الضمير والأخلاق والشرف الى الجحيم. تجربتي المريرة، خلال العقد المشار اليه (من ضمن أكثر من أربعين سنة من الممارسة) علمتني أن ممارسة الصحافة تعني الصدق والمصداقية والعفة والوفاء وغيرها من الفضائل التي بدونها لا يمكن أن تكون هناك صحافة ولا صحافيين. لكني أعترف أن هناك ممارسين في هذا الميدان، سابقين وحاليين، يستحقون التنويه والتكريم، لكنهم قليلون، قليلون وقليلون، تجتهد عدة جهات في اغتصاب عفتهم والتعتيم عليهم ومحاربتهم واقصائهم، وتدفع، من بين أمور أخرى، بأشباه الصحافيين والمشبوهين والعملاء لمضايقتهم والنيل منهم ومن كرامتهم وحتى التضييق عليهم في حياتهم ومعاشهم. نتائج مؤتمر النقابة جعلتنا نكتشف أننا أمام (نظام سيسي آخر في صحافة المغرب). عبدالله البقالي رئيسا للنقابة. يونس مجاهد رئيسا للمجلس الاداري لبيت الصحافة. وسعيد كوبريت رئيسا للمجلس التنفيذي لبيت الصحافة. هكذا تتم السيطرة الكاملة والأبدية على النقابة وبيت الصحافة. ولن يتم تغيير هذا الواقع البئيس، كما هو الحال في السياسة، الا بمعجزة أو تدخل جراح كبير أو التغييب بارادة الهية. بيت الصحافة وضع في أيادي أميين وجهلة وحاقدين يكرهون كل ما له علاقة بالإعلام والصحافة والثقافة، ويسيطر عليه أشخاص كل همهم المنصب والعلاقات المشبوهة وخدمة أجندة غريبة وبعيدة عن مجال الثقافة والاعلام. والحالة أن من يسمي نفسه رئيس المجلس التنفيذي هو في نفس الوقت الكاتب العام لاتحاد كتاب المغرب، هذا الاتحاد الذي أصبح جثة لا حياة فيها ولم يعد يؤدي أي دور مما له علاقة بالثقافة. كما أن رفض تقديم كتب ثمينة في بيت الصحافة لكتاب وصحافيين مرموقين هو تعبير عن حالات مرضية من العجز وعدم القدرة على الابداع والتأليف والبحث، بحيث أن المسؤولين عن بيت الصحافة عقيمون فكريا ولا ينتجون ولا يكتبون وليس لهم ما يخلهم في ميدان التأليف. لهذا يسيطر الحقد على قلوبهم لأنهم لا يستطيعون مجاراة كتاب وصحافيين لامعين ومرموقين يهبون فكرهم وعقلهم ومشاعرهم لخدمة الثقافة والابداع.