العلاقات المغربية الإسبانية تدخل مرحلة ذهبية: شراكة استراتيجية في أوج قوتها    اجتماع بالرباط يهم إحصاء المدعوين لأداء الخدمة العسكرية برسم السنة المقبلة    ارتفاع معدل التضخم بالمغرب.. والمواد الغذائية على رأس الأسباب    فرنسا تصعد ضد الجزائر.. وزير الداخلية يهدد باستعمال القوة ضد نظام تبون    توقيف شرطي وشقيقين ضمن شبكة لترويج المخدرات    العثور على طفلة جثة هامدة داخل منزل بجرسيف.. والشرطة تفتح تحقيقًا    تمغرابيت... كتاب جماعي لمغاربة العالم    توقيع اتفاقية شراكة من أجل إنعاش وتطوير صادرات الصناعة التقليدية    توتر داخل دورة غرفة الفلاحة بالشمال.. وأعضاء ينسحبون ثم يعودون لاستكمال الدورة    الأمير مولاي رشيد يترأس افتتاح الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب    الأمير مولاي رشيد يترأس بالرباط افتتاح الدورة ال 30 للمعرض الدولي للكتاب    طنجة.. إلغاء مفاجئ لحفل مغني الراپ ElGrande Toto بسبب أشغال "الكان"    لقجع: تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى سيحقق نهضة تنموية بالمغرب    القضاء يدين راشقي سيارات بالبيض    "إعلان الدوحة" يُتوج مؤتمر "إيكاو" بشأن تسهيل النقل الجوي الدولي    باها: اللاعبون عازمون على كتابة التاريخ بأول لقب إفريقي للمغرب تحت 17 سنة    حكيمي لعب 41 مباراة سجل 6 أهداف وقدم 14 تمريرة حاسمة    ولاية أمن أكادير تفند ادعاءات سوء معاملة ممثل هيئة حقوقية بأولاد تايمة من طرف رجل أمن    صناعة السيارات: افتتاح الدورة الثامنة لملتقى "طنجة المتوسط أوطوموتیف میتینغ"    وزارة الصحة تخلّد اليوم العالمي للهيموفيليا وتطلق حملة تحسيسية وطنية لمكافحة هذا المرض    هل يسرع تصنيف المغرب ضمن الدول الآمنة ترحيل المهاجرين من أوروبا؟    الأبيض والأسود من تقرير دي ميستورا    "التراث الثقافي المغربي في سياق الذكاء الاصطناعي ومقاربة الهوية الإفريقية" محور ندوة علمية    تعيين مدراء جدد لمراكز دراسات الدكتوراه في جامعة شعيب الدكالي    الصين تدعو واشنطن للكف عن الضغوط وتؤكد استعدادها للتعاون دون تنازل عن مصالحها    بوريطة: علاقات المغرب وإسبانيا إيجابية.. والحكم الذاتي يحظى بإجماع دولي    آيت ملول تحتضن مهرجان سينما الأسرة    تراجع جديد في أسعار المحروقات بمحطات الوقود    العمال الموسميون يرفعون حالات الإصابة ببوحمرون بإسبانيا    وزارة الداخلية تتخذ قرارا مفاجئا في حق "قائد تمارة"    فرقة الأخلاق العامة بطنجة توقف أزيد من 20 شابة للاشتباه بقيامهنّ ب "الدعارة والفساد"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    رسميا.. فيرجيل فان دايك يجدد عقده مع ليفربول    الاتحادات الكروية ترفض مقترح أمريكا الجنوبية المتعلق بتنظيم كأس العالم 2030 بمشاركة 64 منتخبا    بلقشور يعلن عن رفع المنع في حق حسنية أكادير ويؤكد أن العصبة ستقوم بتسوية الملفات المتبقية    "كان" الشباب... الاتحاد الإفريقي يعلن عن برنامج مباريات المنتخب المغربي    بعد "ميتا" و"إكس".. "تيك توك" ينضم إلى محاربة المعلومات المضللة    إسبانيا: "الحكم الذاتي" يظل الحل الأكثر مصداقية وجدية لتسوية النزاع حول الصحراء    سعد لمجرد لن يشارك في الدورة 20 من موازين    محمد السادس للرئيس السوري أحمد الشرع: أنتم تديرون هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ بلدكم الشقيق    أكثر من 20 قتيلا ضمنهم أطفال في قصف همجي إسرائيلي على مخيم نازحين    نصائح طبية لمرضى حساسية الحيوانات الأليفة دون الحاجة للتخلي عنها    هيئة حقوقية تندد بتوالي حوادث العنف داخل المؤسسات التعليمية    مغربيات يتظاهرن في سلا تضامنا مع المرأة الفلسطينية ورفضا للعدوان على غزة    بنك المغرب بالجديدة يستقبل في لقاء تربوي    هيومن رايتس ووتش: السلطات التونسية حولت الاحتجاز التعسفي إلى ركيزة أساسية في "سياستها القمعية"    أمريكا.. إلغاء الامتيازات الصحفية لوكالات الأنباء الكبرى    رئيس برلمان أمريكا الوسطى في زيارة للعيون    تأهل المنتخب الوطني لكرة القدم لأقل من 17 سنة إلى نهائي كأس إفريقيا..نادي موناكو يشيد بأداء موهبته إلياس بلمختار    البندقية تنفتح على السينما المغربية    واكي: الرقمنة تدعم تنمية المغرب .. و"جيتيكس إفريقيا" يخدم الشراكات    تسجيل ثالث حالة إصابة بداء الكلب في مليلية خلال أقل من أسبوعين    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سر طاقية الإخفاء 2

علمني فيلم "طاقية الإخفاء" ألا أتماهى مع أبطال الأفلام أو أُصدِّقَ حقيقة ما يمثلون،كان ذاك في الصغر أما في الكبر فلم يقنعني "طوم كروز" بجلالة قدرته على تقمص الأدوار الصعبة أنه بالفعل كان "الساموراي الأخير"؛ فأنا لما شاهدت "طاقية الإخفاء" انسجمت مع البطل "عبد المنعم إبراهيم" وتملكتني شخصيته بل سكنت بها حتى أحسست أني وإياه ضربنا في خلاط " كهروماغناطيسي " فصرنا معا ذاتا واحدة؛ تألمت لآلامه وانتشيت بنجاحاته وأفراحه، وعشت معه لذة الإختفاء عن الأنظار، ولما غادرت قاعة العرض قررت أن أحصل مثل البطل على طاقية تجعل جسدي غير مرئي من طرف كل البشر، ولَمَّا لم تكن بمدينتي الصغيرة مختبرات تصنع تلك الأعاجيب السحرية كتلك الطاقية السحرية التي تجعل جسد الإنسان غير موجود رغما عن كونه موجود؛ غير أنه لا يحجب ما يحيط به. لم يعد أمامي سوى اللجوء إلى من يلجأ إليه عند الصعاب، ولم يكن الشخص المناسب لهذه المهمة سوى أبي الذي لا يَرفضُ لي طلبا أبدا؛ محبة فيَّ ومراعاة لصغر سني.
- أبي العزيز، أريد منك أن تُطلعَ لي من الأرض أو تُنزلَ لي من السماء طاقية الإخفاء.
ضحك أبي ملء فيه وقال:
- وما لونها؟
طلبت منه الانتظار ورحت أستحضر اللقطات التي لبس فيها البطل الطاقية كي أتحقق من لونها؛ لأنني لم أهتم به، وبعد حين تذكرت أن الفيلم كان بالأبيض والأسود، وأني كنت مسحورا بفعلها، وليس بلونها.
- أريدها صفراء فاقع لونها.
عاد أبي لقهقهته وقال:
- وما شكلها؟
أجبته بانفعال شديد:
- وما أدراني أنا؟ ! طاقية كباقي الطاقيات.
- طيب، أ طاقية من الصوف الرفيع تريدها؟ أم من الدمقس الشديد النعومة تحبها؟
آنها أدركت أنه يسخر مني فأطلقت صفارة البكاء بكل ما أوتيت من قوة: سلاحي الفتاك الذي يقهر تعنت أبي ويجعله يأتيني مستسلما خانعا منفذا لكل طلباتي كي يحصل على هدنة معي ولو مؤقتا.
- سأطلب من صديقي العطار أن يحضر لك واحدة، فكف عن البكاء الآن.
مرت أيام وليالي وأبي يماطلني؛ مرة يقول لي:
- لم يسافر العطار بعد.
وأخرى يوهمني بأنها شحت في السوق أو أن العطار قد أوصى ساحرا بحياكتها على مقاس رأسي، وأن حياكتها تتطلب صبرا كبيرا وطول بال.
أضربت عن الطعام طيلة يوم، وتمرغت لساعات طوال وسط فناء الدار ولطخت وجهي بوجبة الغذاء، ولم أتوقف عن البكاء ولا خفضت عوائي، واختلطت دموعي بغذائي وبالتراب وبمخاطي، صنعت لأبوي حالة درامية تجعل قلب "الأسد" يشفق على حالي، وبعد طول بكاء جاء الفرج على يد أبي؛ إذ خرج ومن ورائه أمي تولول وتخبط كفيها على فخديها. وبعد هنيهة عاد أبي - ومن ورائه أمي تولول وتخبط كفيها على فخديها - يخبرني صائحا:
- وجدها، وجدها... وأخيرا أحضر العطار طاقيتك.تعالى معي كي ترى إن كانت على مقاس رأسك.
حينها أقلعت عن العويل والشهيق، وأقلعت طائرا نحو الحمام، غسلت وجهي، شربت كأس الحليب الذي كان بيد أمي، ولم أحن لخبزها فطاقية الإخفاء هي الوحيدة التي يمكنها أن تبقيني على قيد الحياة.
تشبتُّ بيد أبي وبخفة جذبته خارج الدار.سلكنا دروب حي الديوان، وصلنا دكانا كان يقبع في قاع زقاق ضيق؛ جدرانه على بعضها مالت كي تتقاسم في ما بينها ربيع البرودة، وخريف العمر.ذاك الزقاق الضيق لم يكن يفضي إلا إلى ذاك الدكان الوحيد، رهبة المكان جعلتني أحس بما أحس به السندباد وقت مروره في دهاليز المجهول، أو وقت خروج دخان العفريت من الفانوس، الصمت الرهيب المهيمن على المكان ومواء القطط التي تتصارع فوق السطوح زاداني رعبا وهلعا، ولما رفعت رأسي نحو وجه أبي كي أتبين صدقه من عدمه؛ فقد كنت خبيرا في تفسير تعاببير وجهه، إذ لم أخطئ أبدا في معرفة إن كان مزاجه رائقا يناسبني كي أعرض عليه طلباتي الكثيرة مرتبة حسب أولويتها، أم لا؟.
لكن هذه المرة رأيته منشرح الصدر والابتسامة قد زينت ثغره الرائع، فتأكدت من صدقه لما نظر إلي، وحرك رأسه بالإيجاب وكأنه سبر أغواري وعرف ما يدور في خلدي من أسئلة:
- ها هو ذا دكان عطارنا.
كان الدكان على ارتفاع يفوق مستوى نظري فلم أتمكن من رؤية العطار، رغم وقوفي بباب دكانه! فقلت في سري ربما بني الدكان على هذا الارتفاع كي يبعد الأطفال عن التلهي بسلعة صاحب الدكان أو سرقة سلعة سحرية قد تضر بهم. أمسكت بكمِّ جلباب أبي وخضخضته بعنف ولما نظر نحوي كي يعرف ما أريد قوله، رفعت كتفي وأسقطت شفتي السفلى، وفتحت أكفي وعيناي عن آخرهما مستفهما. بسرعة فهم أبي رسالة تعبيراتي الميمية، فرفعني وأجلسني على مصطبة ( فرتالة ) مزركشة مكنتني أخيرا من رؤية العطار العجيب، فوجدته شيخا تجاوز عمره الافتراضي بسنوات؛ أحدثت التجاعيد فجاجا عميقة على الجلد المتبقي على خده، عيناه جاحظتان براقتان كعيون مجنون، أنفه طويل ونحيل كأنف حيزبون، وعلى رأسه لُفَّتْ عمامة على هيأة حلزون، لم يتبقَ له سوى ناب من فمه أطل لِيُعْلِمَ القوم أنه مازال حيا وحيا، وأن الحياة بهذا الجسد المعقوف ممكنة وكائنة.
ومن حول (العطار) رأيت علبا زجاجية مليئة بأعشاب مختلفة الألوان، بيض نعام، هداهيد، ضفاضع، زواحف، ورؤوس حيوانات وحيوانات في البداية خلتها مجسمات كالتي يصنعها الصينيون لنشتريها نحن في عاشوراء، لكن الرائحة المنبعثة منها أكدت لي أنها محنطة بطريقة من الطرق. هذا المشهد كان كفيلا بجعلي أصدق أني قريبا سأمتلك طاقية تخفيني عن العيان.
انقطع حبل توهاني في غرائبية الدكان لما سمعت أبي يحيي العطار ويقول له:
- هات طاقية الإخفاء يا سيدي، فإنَّا على عجل.
ضحك الشيخ، ومن عبه أخرج طاقيتي وناولني إياها:
- ها هي ذي يا ولدي، لكن قبل أن تلبسها قل هذه التعويدة ثلاث مرات:"وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون" صدق الله العظيم.
التقطتها كما كنت أفعل عندما أهم بالإمساك بذبابة، اعتمرتها بسرعة خارقة، ربت بعنف على صدري وقلت لأبي:
- هل أنا ظاهر للعيان؟!
سبق العطار أبي ورد:
- طبعا نراك وبوضوح.
أصبت بخيبة أمل، لكن العطار لم يتركني حائرا؛ إذ نبهني أني لم أردد التعويذة. طلبت منه إعادتها على مسامعي فحفظتها بسرعة. تراجعت نحو الوراء وكأني سأقلع إلى عالم السحر، رددت التعويذة (في سري) ثلاث مرات، وبخشوع اعتمرت الطاقية من جديد، وفي الأخير وضعت كفاي على خصري وصحت:
- والآن أ لازلتما ترياني؟!
صاح أبي:
- أين اختفيت؟ أزل الطاقية الآن كي لا ينكشف أمرها.
أزحت عن رأسي الطاقية بنخوة، تركت أبي يؤدي ثمنها للعطار الساحر، وجريت نحو مضارب حيِّنا كي أنتقم من حسن ذاك المتسلط، المهيمن، الجبار؛ الذي ترك على أجساد كل الأقران ندوبا نتجت جراء عنفه. أخرجت الطاقية وسويتها على رأسي بعد أن رددت التعويذة ثلاث مرات، ثم توجهت مباشرة نحو حسن الذي كان كعادته يصفع طفلا أبى الرضوخ لأوامره التي توجب على كل من التقى به أن يعطيه ما بحوزته. ملأت كفي بزاقا ومن الخلف وبكل قوتي هويت على قفاه " مَّاقْ" وجلست بقربه على عتبة دكان " با العرايشي" زاهيا بانجازي العظيم ووضعت كفي اليمنى على فمي كي لا تُسْمعَ قهقهاتي؛ فقد أشفيت غليل رغبة لطالما راودتني. الغريب في الأمر أن حسن لما التفت كي يتعرف على من تجرأ على مس قفا قدسا، فوجدته يقصدني دون بحث أو تردد، رماني عاليا وبرجله اليمنى التقطني راكلا، أُسقطت أرضا ورُفعت عاليا لمرات عديدة، وعدت لمعانقة الأرض ثانية وثالثة ورابعة، تقاطرت علي لكماته فكادت تدخلني في غيبوبة "شارونية" لو أني لم أحمِ رأسي بجسدي، ولما اقتنع الطاغية بما نلته منه جزاءا لي على فعلتي، وأنه قد رد الصاع أُصوعا، خلفني وراء ظهره وابتغى ما عند الأقران.
لعلي لم أردد التعويذة بالشكل المطلوب؟! أو أني لبست الطاقية بالمقلوب؟! هذا ما ظننته وأنا ملقا على الزقاق الغير معبد، التقطتُ من على الأرض ما تبقى مني ونفضتُ الغبار عني وعن طاقيتي. كررت عملية اعتماري للطاقية بعد التعويذة طبعا لعدة مرات وقمت بما قمت به من أفاعيل لكن على غير جسد حسن الجبار، فربما هو فقط من يستطيع أن يراني؛ لكونه الوحيد الذي يشط عن القاعدة، ولا يصمد أمام طغيانه أي شيء، أو قد يفلح معه سحار من حيث أتى.
فشلت تجربتي في كل مرة، وفي الأخير تأكد لي وباللطم والصفع واللكم الذي طال جسدي منْ هذا وذاك؛ أن أبي فقط جبر خاطري فاشترى لي الوهم، أو لنقل شاركني في صياغته، وأن طاقية الإخفاء لم تكن سوى طاقية عادية كمثيلاتها في سوق "الحايك".
لحد الساعة لازال ذاك الحلم بامتلاك طاقية للاختفاء يلازمني، كيف لا؟ وقد تأكدت من أنها موجودة في زمننا هذا بل وبوفرة؛ كم من واحد اعتمرها فأفرغ صندوق الدولة، وتوارى خارج الوطن، وموظفون اعتمروها فكفتهم عناء العمل فلقبوا بالأشباح.وآخرون وضعوها على رؤوس أموالهم الضخمة فحجبت عنها الضرائب...
آه ! لو حصلت على طاقية الإخفاء لاطلعت على ما يحاك ضدك يا وطني الغالي، يا وطني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.