عندما يتحدث أساطنة ودهاة حزب العدالة والتنمية عن الاصلاح ، فانهم يتوهمون انهم يمررون خطابهم الى شعب غبي ، او أنهم يمتلكون الفهم الحقيقي لمصطلح "الاصلاح " ، بل ان كل من يتحدث عن الاصلاح في المغرب يفترض أنه يخاطب جيشا من العميان والصم ، ولا يعطي أي انتباه لهذه الطبقة المتعلمة ، تحاشيا للفظة المثقفة او الانتلجنسيا . وينسى جميع المراقبين السياسيين بالمغرب أن هوية حزب العدالة والتنمية كجميع احزاب المغرب اليوم ، هو ية محافظة ، وهي من اليمين المعتدل ، كجميع أحزابنا لا استثناء بينها ، فليس بين القنافذ هنا ، أملس . وانطلاقا من هذه الحقيقة يمكن اكتشاف أن الحزب لا يمكن الا أن يحافظ على نمط الاشتغال الحكومي السابق ، وأي تغييرات مزعومة ، انما هي لذر الرماد في العيون ، ليس الا . بل ان حزب العدالة والتنمية في شخص أمينه العام ، يعتبر من اليمين المتطرف في مسألة التشبث بأهداب الملكية ، والتشبث هنا بمعناه البلاغي ، اذ نتصور ان الملك ينتزع جلبابه عن المتشبث ، غير أن هذا الأخير وامعانا في الانبطاح الذلي ، يزداد تشبثا بتلابيب وأهداب جلباب الملك . ولعل من أكبر خطايا حزب العدالة والتنمية الكبرى ، تواطؤه الانتهازي مع حزب لم يعرف عنه المغاربة الا السوء ، وهو بهذا التواطؤ الانتهازي " التجمع الوطني للأحرار " ، يكون الحزب الذي شارك ان لم تخني الذاكرة في جميع حكومات المغرب ، مما يجعله الشريك الاساس -فوق العادة - الى جانب أحزاب أخرى طبعا كحزب الاستقلال مسؤولا مباشرا عن النتائج التي يعيشها المغاربة اليوم . وأي تحالف معه اليوم من قبل حزب العدالة والتنمية ، انما هو تكريس لتعليمات فوقية ، وبالتحديد ملكية ، لا يملك أمامها جل الساسة المغاربة الا أن ينفذوها . مما يعيدنا الى الحلقة المفرغة للعمل السياسي بالمغرب . وأي تعليل او مصوغات ، لا تصمد أمام واقع هوية حزب العدالة والتنمية ، ومآربه الآنية التي لا تجد مبررها الا في الاحتفاظ بكراسي الحكم . فتجربة الحكم التي قادها باستعارة مشوهة ، حزب العدالة والتنمية تجد كلمتها المفتاح في " اجلس على الكرسي ودعهم يحكمون " ، بمعنى ان وزراء حكومته ليسوا الا بيادق لا أمر لهم ولا نهي على المرافق التي يفترض انهم يسيرونها ، ويمكن أن تتحدى اي وزير عن تدبير شؤون وزارته ، بل هناك اعتقاد راسخ ان بعضهم لا يعرف الملفات التي تشتغل عليها وزارته ، فمهمته اذا كانت لدى اي وزير مهمة هي التأشير على مصالح تدبر من وراء حجاب ، صار مكشوفا . فعن اي اصلاح يمكننا الحديث والأمر كما نراه خارج سلطة الحكومة ، وهو بيد الملك ؟ ، بل ما هو هامش الاصلاح الذي يمكن أن يتشدق به أي عضو من اعضاء هذا الحزب الذي أمل فيه المغاربة انطلاقا من ايديلوجيته الاسلامية بعض الشفافية والمصداقية بعدما أحرق النظام ورقة التوت الاجتماعية التي كان يختبئ وراءها حزب عتيد ملأ سماء السياسة المغربية لمدة اربعين سنة بالنضال الجماهيري الجاد ، ثم فجأة خبا نور هذا النضال ، لتكون أكبر صدمة سياسية يتلقاها المواطن المغربي ، الذي فقد كل ثقة في العمل السياسي ، وهو ما خطط له القصر بعناية فائقة وبدهاء يحسد عليه . ولم يبق غير صورة الملك المهيمنة على المشهد وعلى المخيال الجمعي للمغاربة . ودون الدخول في تحولات هذه الصورة ، التزاما بصلب الموضوع ، لايمكننا الحديث عن اصلاح من داخل أروقة حزب محافظ .ولكي لا يكون كلامنا محض ادعاء او افتراء ، لايأس بالتذكير ببعض الخطوط الكبرى لتراجع رجعي لحكومة عبد الاله بنكيران ، فبعد اصطدامها بالحائط العالي للملكية في قضية دفاتر التحملات التي تدخل فيها الملك شخصيا ، وتم التراجع عن جميع الاصلاحات التي كان مزمعا احداثها في المجال السمعي البصري باستثناء شكليات لا تكاد تلمس ، حيث انبرى موظفون هم نظريا تحت سلطة وزير الاتصال الى مناطحته ومعاكسته . كما تم تمرير قانون يخص حصانة رجال العسكر والجيش ، وادخال الشرطة الى كبد الجامعات المغربية ، والزيادات المتواترة التي أرهقت المواطن ، مع العلم أن نسبة الفقراء بالمغرب تتجاوز عتبة الستين في المائة ، عشرين في المائة منها تجاوزت خط الفقر . أما التراجع عن البرنامج الحزبي الذي على اساسه تم الضحك على المغاربة فهذا حديث آخر . فهي الحكومة التي رفعت دعوى قضائية ضد الطلبة المعطلين بعدما أنصفتهم المحكمة الادارية . مما يعتبر اجتماعيا وصمة عار في جبين حكومة تعهدت بخفض نسبة البطالة وبرفع الأجور ، وايجاد أكثر من 200.000 فرصة عمل ، لكن الممارسة والواقع جاءتا مخيبتين للآمال ومعاكسة تماما للوعود الانتخابوية ، بما يدمر تماما السند المرجعي الديني ، ويقحمنا توا الى حلبة السند السياسي التضليلي . ففي عهد حكومة العدالة والتنمية لايمكن الحديث عن انجازات اجتماعية ، الا من الجانب العكسي ، أي انجازات هائلة على مستوى الانتكاسات الاجتماعية ، أهمها الزيادة في أسعار المحروقات التي انبنت "الزيادة " على معطيات واهية ، وغير علمية ، اللهم مجرد خطابات عائمة لا تستند الا أي تدقيق علمي ، وهو ما أثر على باقي السلع . دون اغفال تجميد سلم الأجور التي تخص الطبقة الشغيلة ورفعه عند قطاعات ترتبط بالمؤسسات الأمنية كالشرطة والجيش ، وهي زيادات خارج مجال الحكومة ولا دخل لها بها بتاتا ، وتعويضات البرلمانيين الفاشلين فشلا ذريعا . انها سياسة معاكسة لانتظارات الشعب المغربي قاطبة ، ولم يستطع حزب العدالة والتنمية باعتباره قائد الحكومة وربانها أن يغير من معادلة الهيمنة الملكية على الشأن العام المغربي ، كما عجز عن ايجاد الناظم السياسي التوافقي بينه وبين الأحزاب المشاركة له في الحكومة ، وهو ما يفسر هذا التنافر الكبير بين مكونات الحكومة . ان اخفاق حزب العدالة والتنمية ، لايمكن ربطه بأي معيار او مقياس خارج ارادته الذتية ، وعليه ان يتحمل مسؤوليته كاملة في جميع الحقول والمؤسسات التي زاد من تعميق ازمتها وعجزها ، وعلى رأسها المؤسسة الاجتماعية .