ليس هناك صداقة دائمة ولا عداوة دائمة وانما هناك مصالح دائمة .هذه القاعدة الذهبية التي نحتها ونستون تشرشل هي ما تحدد تحركات الدول الغربية . وهي التي تفسر تخاذل دول محور الخير حسب ما يوهمون به غيرهم ولا يصدقونه هم ، في تأجيل ضرب بعض الأهداف في سوريا التي تعرى نظامها من كل قيمة انسانية الا ما تمثله بعض الأصوات الحرة التي تم غمرها برماد وبقايا الدمار الذي سكنها منذ أزيد من سنتين من أجل كرامة وحرية لأطفال صغار . لم أكتب في موضوع هذه الضربة المرتقبة ، رغم ثروتها المعلوماتية والاخبارية من جوانب عدة اهمها الجانب الانساني ، فقد تكاثر المعلقون والمحللون من النقيضين ، فالفريق المستعجل لهذه الضربة وضع حدا زمنيا معينا هو اليوم الخميس 28--8--13 ، قبل أن يفند أوباما وكاميرون أفق الانتظار هذا ، والطرف النقيض يتبجح باحراق الأخضر واليابس ، ويتوعد بتمديد نهايات الحرب ان تم بدأها من قبل دول محور الخير . وبين هذين الطرحين تتساقط كثير من أوراق التوابع والتداعيات ، كالأهداف المرسومة للتدمير ، والأبعاد الأخلاقية للعملية الهجومية كما نطق بذلك الرئيس الفرنسي هولاند وهو يشير الى ضرورة تأديب الرئيس السوري ، أو طبيعة العملية باعتبارها عملية جراحية قد تزيل بعض الأورام ، كما عبر عن ذلك الرئيس اوباما . لكن فجأة تراجع حماس أوباما وكاميرون ، رغم ان الواجب الأخلاقي والانساني يمنحان لكل قوة حق التدخل في أي دولة تخرق حقوق الانسان تحت غطاء قانون 2005 المتعلق بحماية حقوق الانسان والذي يسقط مبدأ السيادة الوطنية . فرغم هذه الفسحة القانونية الا ان الهجوم على سوريا يظل مستبعدا حتى الآن ، ليس لأن دول محور الخير تخاف من رد فعل الصواريخ المضادة ، أو تتجنب مثلا نتائج الاستفتاء الشعبي الذي صوت بنسبة عالية في الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد ضرب سوريا ، أو خشية من توسيع رقعة الحرب من قبل ايران وحزب الله ، خاصة وروسيا أعلنت أنها لن تخوض حربا من أجل أحد ، وهو التصريح الذي فاجأ الغرب فعلا . هو تصريح بسيط ، لكن أبعاده الاقتصادية والسياسية لها دلالات كبرى ، ففي الحسابات الاستراتيجية في ظل الوضع الاقتصادي والسياسي الدولي المعقد اليوم ، لم تعد الحروب نزهة كما صرح قبل عشر سنوات جورج بوش الابن وهو يحفز جنوده لغزو العراق، فقد تحولت الحرب في العراق الى نزهة في جهنم . ضرب سوريا بطريقة حرب الجبناء سهل جدا ، فهناك وعبر مآت الكيلومترات يمكن ارسال صواريخ دقيقة الأهداف وتدمير مجموعة من القواعد والمنشآت التي تعتبرها دول الخير خطيرة ، ومن شأنها قلب المعادلات على أرض الواقع . كما أن تقنيات التكنولوجيا الفضائية تمكن الولاياتالمتحدة المريكية من تحديد الأهداف بدقة . والخلاصة ان الضربة الانتقائية والنظيفة سهلة . لكن قبل ان تبدأ الضربة كانت اسرائيل تعيش رهابا مسعورا والاسرائيليون يتهارشون أمام مراكز توزيع الكمامات الواقية من التسمم ، انها حالة ارتباك اجتماعي يقلق الدولة العبرية وينعكس هذا القلق على دول محور الخير . لا بد اذن من الانتظار الى ان تستقر الأوضاع النفسية لجمهور الدويلة العبرية ، ولا بد من اعطاء الوقت الكافي لاسرائيل كيما تستعد عسكريا ودفاعيا ، وليس هجوميا لصواريخ قد تأتي من جنوب لبنان ، كما أن نتائج الاستفتاء الشعبي في الولاياتالمتحدةالأمريكية يصعب نقضها من قبل رجل حاصل على جائزة نوبل للسلام . ان أهم أسباب تأجيل الضربة على سوريا تكمن أساسا في رد روسيا بعدم دخول أي حرب ، فتكلفة الحروب الجديدة التي تعتمد على الاليات والتكنولوجيا أصبحت مكلفة ، ودول الخليج قد تستطيع توفير بعض الدعم لهذه الحرب المباغتة ، لكنها تعجز عن تمويلها كاملة ، خاصة وأنها تمول أقطارا عربية أخرى بملايير الدولارات لقتل الديمقراطية في العالم العربي ، ورورسيا التي استفادت كثيرا من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة باعلانها عدم دخول الحرب ، ستخرج أكثر استفادة أيضا هذه المرة . وهذا ما انتبهت اليه دول محور الخير . لكن هل سيتركون نظام بشار يقتل ويدمر أبناء سوريا وحضارتها ؟، كلهم الى الجحيم حسب الحسابات السياسية ، فمن لاتتحرك مشاعره الانسانية لمقتل طفل بريئ لن تتحرك لمقتل مآت الآلاف من الأبرياء . والى ان يتم تحجيم خسائر محور الخير الغربي وحلفائها ، ستظل ضربة سوريا مؤجلة الى أجل غير مسمى ، أما عن المحللين والمعلقين والمفسرين ، فان أسباب تأجيل الضربة قد تجد أكثر من تفسير .