يسجل للمتظاهرين في ميادين رابعة العدوية والنهضة ومصطفى محمود بمصر رجالا ونساء وشبابا سلميتهم العالية لمواجهة القمع المفرط والذي شمل حتى استعمال الرصاص الحي من قبل قوات الشرطة والجيش المصريين، لم يحملوا سلاحا بالرغم من سفك دمائهم في الساحات والشوارع بدم بارد، وبالرغم من الحملة الشرسة لقنوات الإعلام المصرية والتي وصفتهم بأقبح النعوت والصفات، بدء بوصفهم بالإرهابيين، ونعثهم بأصحاب الدماء الملوثة إلى ما هنالك من أوصاف قدحية يصعب عدها ويفلح في ذلك فقط من امتهن تسخير الرسالة الإعلامية النبيلة لخدمة أجندات فئوية. رابض مؤيدو الشرعية ما يقارب مئة يوم في إعتصامات ومسيرات حضرها الآلاف من المواطنين المصريين الرافضين للانقلاب العسكري الذي حصل يوم 30 يونيو في مسرحية هزلية تتلاعب بعقول البشر وهي تحاول أن تصوره بلباس الثورة، غايتهم التوجه بقلوب المؤمنين بالشرعية والديمقراطية نحو مستقبل مشرف يليق بوطن مثل مصر. صمود تاريخي قل نظيره، وصبر وعزيمة كبيرين أذهلت الأعداء قبل الأصدقاء، لا دعاية سوداء أفلحت، ولا الحرب النفسية البئيسة نجحت، ولا قطع التيار الكهربائي استطاع إيقاف الجحافل البشرية عن التوجه نحو ميادين الحرية، لذلك التجأ انقلابيو الجيش إلى الرصاص الحي ليحاولوا فض هذا الاعتصام التاريخي.
في مشهد لا نكاد نراه إلا في مجازر النازية ضد خصومها أو جرائم الصهاينة ضد الفلسطينيين، أو ما ذكره لنا التاريخ عن جرائم التتار... مئات القتلى تمثلت في أقل رقم حسب وزارة الصحة المصرية 500 قتيل والآلاف من الجرحى في يوم واحد بعد هجوم مفاجئ لم يحذر حتى المتظاهرين حسب شهاداتهم من قبل قوات الأمن المصرية، مجزرة ناقضت تصريحات وزارة الداخلية التي أعلنت في الآونة الأخيرة أنها لن تفض الإعتصام إلا بطرق سلمية، وأسقطت أسطورة الجيش المصري الذي بدا واضحا أن قيادته تتخبط في فساد أخلاقي وسياسي وعقائدي ينذر بالخطر وبضياع الأمن القومي المصري.
للأسف حصل ما كان متخوفا منه وانطلقت شرارة الحرب الأهلية في مصر، وأهدر دم المواطنين المصريين العزل على يد مصريين في سابقة لم تحدث في التاريخ المصري من قبل، في مشهد درامي لا ينبأ بخير ويدعو إلى مراجعة الجميع لأوراقه خاصة وأن مصر دخلت في نفق مظلم يقود إلى الهاوية، وقد يعيد تكرار المشهد السوري. صحافي وفاعل جمعوي