أصبحت لعبة الموت في عصرنا هي اللعبة المفضلة ، يعشقها الحاكم والمحكوم ، الكل متفق على متابعتها بكل انبهار وافتتان ، الى درجة أن صناعا بعينهم أصبحوا يتقنون فنونها وتقنياتها ويتاجرون بها ، فلا غرو أن تصنع لها المصانع الكبرى وتستثمر فيها الملايير ،لأن ربحها المضاعف مضمون ألفا في المائة . يتبارى اليوم استراتيجيو الخراب ومفكرو الموت والدمار في الحصول على صفقات الموت هنا أو هناك على حد سواء . فالاستثمار في هذه اللعبة لم يعد يتم في الدهاليز المعتمة وفي الأقبية السفلى ، بل غدا فنا يتقنه الغرب كما يتقنه الشرق ، الغرب بصناعات أكثر ايغالا في الايهام وقلب الأدوار ، فهو قد يدمر بلدا بحجة توريد الحضارة اليه كما فعل في عراق أم الحضارات ، والشرق بايديولوجيا تتغذى على الوهم بمنح الجنة وحور العين في عالم آخر ، والموت في كلا الحالتين واحد . الغرب الآن يقوم بتنقية ما علق بين أسنانه من فتات اللحم العربي ، والشرق يربت على بطنه الممتلئة بأشلاء بنيه ، وقد استطاع العربي هذا الانسان العادي أن يتماهى مع هاته اللعبة الكريهة ، ويدخل على خط التفجير الذاتي بعدما كان يتم شحنه بالمخدرات والوعود الغيببية بالجنة الموعودة وأنهار الحليب وجيوش من الحور العين . وأصبحنا جميعا منخرطين في اللعبة لأن ارادة القوي أقوى دائما من ارادة الضعيف ، وعلى الضعيف أن يمتثل لشروط القوي مهما ادعى من حياد أو اشمئزاز . يبتسم الغرب أكثر كلما سقط موتى عرب ومسلمين أكثر ، في حين لا يكترث الحاكم العربي بمن سقط من رعاياه فالمرأة العربية بطبيعتها ولادة ، وآلة تفريخ الاستشهاديين والمنتحرين على أحسن ما يرام ، والأهم هو الحفاظ على كرسي جامد . طبعا لن يكترث الحاكم العربي لموت رعاياه ، وهل يكترث من يعتبر الشعب مجرد أواني فارغة أو معلقات يعلقها على جدران قصره فيغيرها كلما أبدع فنان في تصوير لوحة أجمل وأكثر طاعة وانقيادا ؟ . بل كم شهدنا في زمننا اللعين من حاكم عربي يمشي مزهوا فوق جثث المواطنين لأنهم طلبوا مزيدا من الخبز تماشيا مع حقيقة تكاثر العيال والأطفال ، أو قليلا من الحرية والكرامة استجابة لروح العصر ومنطقه ؟ ويتوعد من بقي حيا بموت أشد تنكيلا ، فحتى الموت في أيامنا هذه أصبحت له مقامات ومنازل ومستويات . فلكي تموت سريعا عليك أن تحتج على الظلم والطغيان ، ولكي تمدد من عمر الموت عليك أن ترضى خانعا بكل أشكال المهانة الانسانية والذل ، ولكي تبقى في منزلة بين المنزلتين ، عليك أن تركب درب التقية فتبدي ما لاتكتم . أما عنا نحن الكتبة المولعون بقياس حجم الموت ومسافاته القصيرة والمتوسطة والطويلة ، فالكثير الكثير منا يكتب وكأنه يعيش خارج كوكب الأرض الذي تمارس فوقه وعلى سطحه لعبة الموت ، بل وخارج عالم الغيب المتعارف عليه في كتب الدين المغيبة ، هي جنة العبث واللاوجود . والقليل القليل يكتب داخل هدير الموت ، وكأن الموت حالة حياة بصيغة أخرى ، يعيش صور الموت اللامتناهية في لحظة واحدة في أدوار متعددة وبمشاهد مختلفة ، كحالة مالك بن نبي الذي أججت فيه الاستخبارات الجزائرية نزعة الخوف من الموت الى درجة أن أقفل عليه كل منافذ الهواء في شقته بفرنسا . ها أنذا الان أكتب تحت وقع هدير الموت ، موت الوطن ، موت الأمل ، موت الغد . لاشيئ غير الموت في وطن عربي اختار لغة الموت بتعدد اللهجات والقوميات بما في ذلك لهجته وقوميته .يخرج الموت من لغة المجاز الى لغة الحقيقة ، ومن لغة الاستعارة الى لغة التمثل . لنعيش مرحلتنا بكل موتها المعلن والمضمر . لكن الموت كما علمتنا جدلية الوجود قد يبعث الحياة ، وقد تخرج الحياة من الموت كما يعلمنا النص الديني ، فحين تنتفي الفواصل والحدود بين الحياة والموت يكون الانتصار حتما للحياة ، وتنتهي لعبة الموت .