دعا مشاركون في ندوة حول مكانة فاس في تاريخ المغرب, نظمتها أكاديمية المملكة المغربية, بمناسبة مرور1200 سنة على تأسيس العاصمة العلمية. إلى إصلاح جامعة القرويين, التي كانت وما تزال تقدم تعليما يقتصر على الشريعة واللغة العربية. وأوضحوا أن مشروع إصلاح جامعة القرويين ليس جديدا, إذ سبق اقتراحه من قبل الراحل علال الفاسي, وعبد الحي الكتاني, وعبد الله الجيراري, الذين أجمعوا على ضرورة تسريع إصلاح هذه الجامعة, التي توقفت عمليا عن لعب دورها كقاطرة في الحياة الفكرية, منذ تحويل سلطات الحماية سنة 1912 لعاصمة المملكة إلى الرباط. واعتبر إدريس العلوي العبدلاوي, عضو أكاديمية المملكة المغربية, أن هذا الإصلاح يعد ضرورة ولا محيد عنه إذا كنا نرغب بشكل ملموس في مساعدة مدينة فاس على المصالحة مع ماضيها العريق في الإشعاع الفكري للمملكة. ويشهد جامع القرويين, الذي شيد في عهد الأدارسة من قبل فاطمة الفهرية (أم البنين), على تطور الفن المعماري المغربي وجوانبه الفنية, التي خضعت لتغيرات من قبل السلالات التي تعاقبت على حكم المغرب. كما لعبت الجامعة دورا محوريا في تشكيل والحفاظ على الشخصية الدينية والروحية والثقافية لمدينة فاس, من خلال توفير تعليم يقتصر على العلوم والدينية واللغوية. واشتهرت فاس وجامعها بالعمق العلمي، حتى شاعت بين علماء فاس مقولة: "العلم ولد بالمدينة، وربي بمكة، وطحن بمصر، وغربل بفاس". وانتشرت في أرجاء القرويين كراسي العلم وخصصت لها أوقاف، واعتبر كرسي العلم في جامعة القرويين ولاية حكومية عليا, مثل الوزارة والقضاء والفتوى، وسميت القرويين بالجامعة، لأنها مكان تلقى فيها دروس للجميع من طلاب وحرفيين، ومحاضرات يحضرها الرجال والنساء والأطفال، والولاة والقضاة والموسيقيين. وتخرج منها فقهاء المذاهب الفقهية السنية، مع التركيز على المذهب المالكي، لأنه المذهب الاجتماعي السائد في البلاد، وقد تبلور في ما كتبه أعلامه الذين احتفظوا بالأعراف والعوائد المكونة لشخصية المجتمع في كتب النوازل والأحكام الفقهية. كما كانت هيئة التدريس تعين بظهائر سلطانية, وتحصل على مرتباتها الرسمية من إدارة الحبوس، وكثيرا ما تدخل السلطان لتحديد البرامج الدراسية واستبعاد المواد, التي لا تلائم التوجه الديني السلطاني. ولم ينحصر الإشعاع العلمي لفاس عامة وللقرويين خاصة على الذكور، بل نبغت عالمات وأديبات وسياسيات وفقيهات وقارئات ومحدثات. وشكلت ندوة مكانة فاس في تاريخ المغرب, مناسبة للمشاركين لمناقشة عدة مواضيع, منها على الخصوص, مكانة الصناعة التقليدية في تاريخ المدينة, والفنون والموسيقى, وفن الطبخ, والفلاحة, والمؤهلات, الجغرافية, والطبيعية, ودور المدينة في المقاومة والتحرير الوطني, وإعادة ترميم والحفاظ على المدينة القديمة لفاس. وكانت الاحتفالات الرسمية ب 12 قرنا على تأسيس مدينة فاس, انطلقت بحفل فني بساحة باب بوجلود بمدينة فاس, استعاد البعد التاريخي لهذه المدينة, وعبره تاريخ وأمجاد المغرب والمغاربة. وأبدع مجموعة من الفنانين, في إبراز التاريخ العريق لمدينة فاس, من خلال عرض "مربع توافقي"، امتزجت فيه الموسيقى بالشعر, ورقصات وأغاني وصورا أرشيفية تعكس صفحات من التاريخ المشرق للمغرب منذ القرن الثالث عشر، التي يتماهى فيها الثقافي بالفني بالاجتماعي بالاقتصادي. وتحت عنوان "العناصر الأربعة للحياة" نار وتراب وهواء وماء، قدم العرض صورة عن النشأة الأولى للحضارات الإنسانية، التي تشكل فاس واحدة من حاضناتها العريقة, والمراحل التي قطعتها عبر التاريخ, كما تحدث عن تأسيس جامعة القرويين, والدور الذي لعبته في إحياء علوم الدين وباقي العلوم , وكذا الإشعاع الذي عم العالم بفضلها. إن الاحتفاء بمرور 1200 عام على تأسيس مدينة فاس, هو احتفاء بتاريخ المغرب وأمجاده, التي تمثل فاس جزءا حيا ونابضا فيها, وكما قال الزجال المغربي أحمد الطيب العلج في حوار سابق ل "المغربية" "المديح الأول للوطن في هذا الحفل, الذي ينبني على استرجاع تاريخ وفترات مشرقة, من حياة المغاربة الذين حافظوا بجميع أجناسهم, أمازيغ وعرب وأندلس وأفارقة, على الوحدة والتفوا حول كتاب الله وحول ملوكهم, ليبقى المغرب, البلد الوحيد, الذي لم تطأه قدم الاستعمار إلا مع بداية القرن العشرين, ثم إن 45 سنة, التي عاشها الاستعمار في المغرب, لم يمر منها يوم واحد من دون مقاومة واستشهاد, وهذا دليل على أن المغربي حر ولا يقبل الضيم, وخير دليل ما نقوله نحن المغاربة "تلك أيام لا تعد من أعمارنا, لقد كانت حلما, ولكننا قاومناه واسترجعنا حريتنا لنسترجع ذاتنا".