1 - نصدر في هذه المقالة عن مفارقة غريبة تكاد تسم مختلف "الأنظمة التعليمية" العربية ؛ إذ بقدر ما أن هناك "وعيا" بمركزية المعطى التربوي و أولوية الإصلاح البيداغوجي ، من أجل تجسيد النهوض الحضاري و اللحاق بالدول المتقدمة ، بقدر ما أن هناك يقينا بتواضع المنجز التعليمي و ضحالة نتائجه ، و لعل هذا الوضع غير المرضي كان وراء انزواء المجتمعات العربية في الرتب المتدنية في سلم التنمية البشرية العالمية . و ما من شك في أن أي إقلاع تنموي بحصر المعنى لا يمكن أن يرى النور إلا في سياق تحول جذري و إيجابي يشمل مختلف البنيات المجتمعية ؛ السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية / التعليمية ، يشهد على ذلك راهن الدول الراقية التي استهلت خطواتها الأولى و الثابتة في الإبداع الفكري عبر نهج إصلاح العملية التعليمية ، و جعل هذه الأخيرة مواكبة للتحولات الثقافية و البيداغوجية و السوسيو اقتصادية ، و قادرة على تحمل مسؤولية الارتقاء بالأمة نحو الأفضل ! و معلوم أن مثل هذا المبتغى يستدعي "غزوا " إيجابيا لمحددات البنية الهيكلية للمنظومة التعليمية و مكوناتها ، و على رأسها تأليف الكتب المدرسية ، و الدلائل و الكراسات الهادفة إلى تبسيط العملية التعليمية – التعلمية ، و تسليط الضوء على خلفياتها النظرية و الإجرائية .. فما هي راهنية التأليف المدرسي فى التجربة المغربية ؟ و ماهي آفاقه و ممكناته ؟ 2 - يجمع الخبراء التربويون على أن التعليم بنية نسقية تضم عناصر تتداخل في ما بينها علائقيا و تفاعليا : المدرسون و المتعلمون و المؤسسة التعليمية و التشريع و المناهج و والسائل التعليمية الورقية و الإلكترونية .. بيد أنهم يقرون بمحرقية الكتاب المدرسي و محوريته في الفاعلية التربوية ، و ذلك لأنه الأداة العملية و الملموسة التي ينطلق منها التلميذ في بناء لا شعوري لفهم الذات و العالم ، مما يتطلب تضافر جهود كل المعنيين بقضايا التنمية الشاملة ، من سياسيين و اقتصاديين و رجال فكر و علماء في شتى الميادين ، و العمل على تسطير خطط استراتيجية نوعية ، تروم إنجاز كتب مدرسية تعكس اهتمامات الأجيال الجديدة و تعانق أحلام المتعلمين و تطلعاتهم ، و تستحضر مستجدات و اجتهادات الفكر الإنساني ، و مدرسين مشهود لهم بالكفاءة العلمية و الإبداع المعرفي ، و تقطع مع التأليف التقليدي الغارق في المحاكاة و النمطية و النزعة الماضوية المتجاوزة ، و التي لا يمكن أن تساهم في بناء رجال الغد ؛ حيث العملة المتداولة هي الإبداع التكنولوجي و البحث العلمي فائق الجودة . و لئن كنا نطمح إلى إنجاز مؤلفات مدرسية بالمقاييس الرفيعة و المواصفات العالمية ، فإننا نطلب و في الآن عينه شروطا و سياقات نوعية تفضي إلى الابتكار و الإتيان بالجديد و الأفيد ! 3 - و تأسيسا على ما سبق يمكن القول، و دون الخوف من السقوط في المبالغة ، إن تأليف كتب مدرسية في مختلف الأسلاك و الشعب و المستويات ، يفرض حزمة من "الاشتراطات" اللوجستيكية و المادية و المعنوية ؛ منها وجود استراتيجية واضحة المعالم لدى أصحاب القرار في مضمار الإصلاح التربوي الشامل و الرغبة السياسية الحقيقية في إعطاء الأولوية للتعليم، و انتقاء لجن التأليف بكيفية موضوعية بعيدة عن المحاباة و المصالح الضيقة ، و تخصيص غلاف زمني كاف يقارب سنة بكاملها من أجل تقديم مؤلف مدرسي يحترم ضوابط دفتر التحملات رؤية و مضمونا و منهجا ، على أساس أن يكون دفتر التحملات نفسه مستضمرا لأرقى المقاربات البيداغوجية السائدة في الساحة التربوية العالمية – المقاربة بالكفايات في سياقنا التعليمي – و أبرز القيم والقواعد و المواثيق المتعارف عليها دوليا مع احترام تام للثوابت الحضارية و الدينية للأمة ، و التنصيص على شفافية صفقات إنتاج الكتاب المدرسي و المنافسة الشريفة بين الناشرين و المبدعين و المؤلفين و دور الطباعة ، و إبعاد كل من ساهم في إعداد مضامين و محتويات دفتر التحملات عن التباري حول إنتاج الكتب المدرسية ، و تعيين لجن تقويم هذه الكتب يتحلى أصحابها بالتحصيل المعرفي العميق و المصداقية و الموضوعية و الحس بالمسؤولية. كل ذلك من أجل الحفاظ على تكافؤ الفرص بين السادة المؤلفين بعيدا عن الحسابات غير السليمة و الأهداف التجارية الضيقة ، لأننا نروم وضع لبنات في صرح بناء تعليمي وطني فعال طال انتظاره ، "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".