وجه مرصد الشمال للدراسات و الأبحاث و حقوق الإنسان بمدينة تطوان بشكاية إلى والي ولاية تطوان - توصلت الجريدة بنسخة منها- ينبه فيه إلى تعرض شبكة ماء السكوندو بالمدينة العتيقة إلى الإتلاف و التخريب من طرف الشركة الموكل إليها إصلاح قنوات الصرف الصحي داخل المدينة العتيقة .و طالب المرصد من والي ولاية تطوان التدخل العاجل من أجل حماية و صيانة هذا الموروث المعماري و الثقافي الذي تتفرد به مدينة تطوان عن باقي المدن العتيقة بالمغرب . معتبرا أن الأشغال العشوائية التي تقوم بها الشركة من شأنها إقبار جزء مهم من الثقافة و التراث الأندلسي التطواني ، بل و من شأنها كذلك أن تخدش صورة المدينة التي اعتبرتها منظمة اليونسكو سنة 1997 تراثا عالميا يجب المحافظة عليه.و جاء تحرك المرصد بناء على الشكايات التي تلقاها من طرف العديد من المواطنين و الفعاليات و أصحاب المحلات التجارية و الحمامات و رواد المرافق العمومية والمساجد التي تضررت بفعل الأشغال التي تقوم بها الشركة صاحبة صفقة صيانة و إصلاح قنوات الصرف الصحي ، حيث سجل العديد من مستعملي ماء (السكوندو) بالمدينة العتيقة نضوب و انخفاض صبيبه بل توقفه بالمرة في بعض الأماكن مباشرة بعد مباشرة الشركة لأشغال الإصلاح .و تطالب ساكنة المدينة العتيقة التي لازال جزء كبير منها يستعمل ماء السكوندو في حياته اليومية بل ولازال محافظا على معمار بيته العتيق ، تدخل المصالح المختصة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان صونا لهذا الموروث الثقافي و المعماري للبيت التطواني.و يذكر أن المدينة العتيقة بتطوان لازالت تحافظ على شبكة توزيع تقليدية ، أصيلة و محكمة للماء منذ نهاية القرن الخامس عشر الميلادي يعرف بماء السكوندو ، في الوقت الذي يطلق عليه أهل تطوان (ماء البلد) و(ماء الله) و(ماء المعدة) و (ماء القنا) . إذ تتوفر المدينة العتيقة بتطوان على أزيد من 20 سقاية لا زالت تحافظ على توزيع محكم و أصيل للماء تمكن الساكنة و زائريها من التزود بالماء و اغلبها سقايات عمومية بنيت إما من طرف السلطات أو من طرف أعيان المدينة ، بالإضافة إلى عشرات السقايات الأخرى الموجودة بالمساجد و الدور العتيقة.ويأخذ هذا النظام مصادره من العيون المنبثقة والممتدة عند سفح جبل درسة الغني بالمياه المتدفقة من جوف الكتلة الكلسية الغنية بفرشاتها المائية.وتعود النشأة الأولى لهذه الشبكة إلى نهاية القرن التاسع الهجري على يد سيدي المنظري، وظل هذا النظام يؤمن لسكان تطوان التزود بالماء الشروب قبل إقامة نظام التوزيع الجديد في نهاية عشرينيات القرن الماضي. وقد كان لنظام شبكة "السكوندو" دورا كبيرا في تنظيم المجال الحضري العتيق وهيكلته، قبل أن يتراجع دورها وتتقلص وظيفتها. فقد كانت عناصر الشبكة (القواديس، الطالع، مِعْدة القِسمة، كأس عدل، القنا، ماء الفيض) تعمل في انسجام وتناسق متينين، ضامنة لها حسن السير الوظيفي لحوالي أربعة قرون. فقد كانت خطوط الشبكة تكون من مجموعة كبيرة من الأنابيب الفخارية مختلفة الطول والحجم تستعمل حسب الحاجة والضرورة، وكانت تجلب في البداية من بعض المدن التي عرفت من قبل مثل هذا النظام كمدينة الشاون وفاس ،قبل أن يتم صنعها محليا بمنطقة الطفالين.وكان توزيع الماء يقوم على نظام دقيق ووفق أعراف وقواعد متماسكة ضمنت لها حسن التدبير لقرون عديدة. و تعتبر تقنية التوزيع إحدى هذه الأسس، وذلك أن بنية الشبكة تتكون من مجموعة من الخطوط والقنوات الممتدة بين المنابع وآخر مستهلك ،و كل خط يعمل في الغالب مستقلا عن الآخر بحيث يتزود منه عدد من المستفيدين من منازل ومرافق عمومية. وطريقة الاستفادة لا تتم عن غرف الماء مباشرة من مجراه، بل عبر تقنية خاصة في منتهى الدقة روعيت فيها مجموعة من العوامل الطبوغرافية والاقتصادية والصحية . وقد لعب نظام "السكوندو" دورا حاسما في تثبيت الهياكل الاجتماعية والاقتصادية بمدينة تطوان ، بحيث وفر لها المياه اللازمة لتحريكها وتشغيلها. فمياه البلد كانت تفي بما فيه الكفاية لجل المؤسسات الدينية ، ووفرت الكميات المائية الضرورية لأغلب الحمامات وجل الفنادق و المراحيض العمومية ودور الدباغة وأنشطة حرفية أخرى، بالإضافة إلى الاستهلاك الأسري، وهذه الاستعمالات كلها تبين أهمية صبيب مياه نظام "السكوندو".كل هذا التاريخ و الأدوار التي لعبها ماء البلد في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و الدينية لم تشفع له . و بدأت بعض الأشغال العشوائية لبعض الشركات التي لا يهمها سوى الربح السريع ولو كان ذلك على حساب تاريخ و تراث المدينة . بل هناك من يحمل المسؤولية للمسؤولين الجماعيين الذين يفتقدون للحس التاريخي و الموروث التطواني . الشيء الذي بات اليوم يستوجب تدخلات سريعة و حازمة لصيانة تاريخ المدينة، تضيف شكاية المرصد دائما .