المتقاعدون في القطاعين العام والخاص هم شريحة من المواطنين لعله تنالهم جوانب كثيرة من الإهمال والغبن في حقهم من قبل الحكومة والمجتمع، فلا يشفع لهم ما قدموه من خدمات جليلة وجهد دؤوب في أروقة وزارات الدولة أو الشركات الخاصة بالحصول على التقدير المنصف واللائق بهم، وكأنهم بتقاعدهم عن العمل تقاعدوا من الحياة برمتها ليصبحوا صفحات تطوى لتبقي طي التجاهل أو النسيان. فأحد المواقع الممكن إشغاله من قبل المتقاعد، هو موقع الخبير فبالإمكان الاستفادة من الخبرات التي تراكمت لدى المتقاعد والتي صقلتها واقع العمل والدراية بمجرياته وحيثياته، فالمتقاعد المتخصص بإمكانه إثراء استراتيجيات التطوير والإصلاح من خلال خبرته. والعجب كل العجب كيف أن هناك هرولة من قبل القطاعين العام والخاص لنيل شرف تواجد الخبراء الأجانب ضمن طاقم عملهم التطويري، والذي يستنفذ الكثير من مواردهم ولا تعود بفائدة تذكر عليهم ، فالتجارب الواقعية أثبتت بأن أقصى ما يقوم به الخبير الأجنبي الذي غالبا ما يكون متقاعدا في وطنه هو الاستيلاء على الدراسات والرؤى التطويرية، ليخرجها إلى المسؤولين بحلة جديدة منمقة فالمضمون لا يختلف والرؤى هي بعينها الموضوعة من قبل السواعد الوطنية وجهودها، والمنطلقة من واقع خبرتها بروتين العمل ومواقع الإصلاح المطلوبة. فكم من خطط ومقترحات تطويرية يغلق عليها في الإدراج ولا يتم حتى الاطلاع عليها لماذا؟ لأنها لم تخرج من قريحة خبير أجنبي. وإعمالا بالحق والنصيحة فإنني أرفع مقترحي هذا لإنشاء بنك معلومات تحتوي عل بيانات المتقاعدين وتخصصاتهم وخبراتهم وتزويد القطاعين العام والخاص به ليتم الرجوع إليه عند الحاجة للاستعانة باستشارة خبير. ما سبق يصب في السياق المعنوي لتطلعات المتقاعدين، ولكن ماذا عن السياق المادي للمتقاعدين وهمومهم الاقتصادية؟ فلا غبار على حقيقة أن سقف الرواتب في القطاعين الخاص والعام متدن وبحاجة إلى مراجعات دورية لتتماشى مع معدلات التضخم السائدة في المملكة كما هو الحال بالنسبة للمعاشات التقاعدية، ولكن يبقى القطاع الخاص محروما من المزايا كما هو سائد في القطاع العام ،كما أن أجراء مقارنة بسيطة لوضع المتقاعدين في المملكة وبعض الدول المجاورة لنا، تكشف عن حجم الامتيازات التي تكون من نصيب المتقاعدين وعلى سبيل الذكر لا الحصر الإعفاء من الرسوم لبعض الخدمات، منحهم كوبونات مخفضة لشراء البضائع، إسقاط القروض الشخصية ومزايا التأمين الصحي المجدي، لسنا في وضع يخولنا المطالبة بالتماثل والتساوي في هذه المزايا، ولكن يبقى من حقنا أن نطالب بالإسراع في تنفيذ قرار دمج الهيئتين وتوحيد المزايا بين القطاعين الخاص والعام، وهذا يتطلب الاهتمام والجدية التامة من قبل الجهات المسؤولة عن تنفيذ القرار فلن يشفع لهم التعلل بضخامة المشروع وحجم الموازنة اللازمة لتحقيقه. فمن حق المواطن أن يحظى بالعيش الكريم الآمن، وعند التطرق إلى فئة المتقاعدين فإننا نتحدث عن فئة قضت زهرة شبابها في خدمة الوطن وعلى الوطن تقديرهم وضمان حقهم في العيش الكريم بعد التقاعد، لينعموا بالراحة والاطمئنان بعيدا عن القلق والوجل من مجابهة احتياجاتهم المعيشية برواتب تنضب خلال أسبوع من استلامها.