تعيينات جديدة في المناصب الأمنية بعدد من المدن المغربية منها سلا وسيدي يحيى الغرب    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    وزارة الصحة تطلق "رعاية" لتوفير الدعم الصحي بالمناطق المتضررة من البرد    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    أشرف حكيمي يجدد عقده مع باريس سان جرمان حتى 2029    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    الرابور مراد يصدر أغنية جديدة إختار تصويرها في أهم شوارع العرائش    بتعليمات سامية من جلالة الملك ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    ولد الرشيد: رهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية    مواجهات نارية.. نتائج قرعة ربع نهائي دوري الأمم الأوروبية    بعد الإكوادور، بنما تدق مسمارا آخر في نعش الأطروحة الانفصالية بأميركا اللاتينية    المنتخب الليبي ينسحب من نهائيات "شان 2025"    مجلس المنافسة يغرم شركة الأدوية الأمريكية "فياتريس"    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    زَمَالَة مرتقبة مع رونالدو..النصر السعودي يستهدف نجماً مغربياً    التنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب تدعو الزملاء الصحافيين المهنيين والمنتسبين للتوجه إلى ملعب "العربي الزاولي" لأداء واجبهم المهني    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    بتعليمات من الملك محمد السادس: ولي العهد مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء        تفكيك شبكة تزوير وثائق السيارات بتطوان    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    أسباب الفيتو الأمريكي ضد مشروع قرار وقف الحرب!    تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم "داعش" بالساحل في إطار العمليات الأمنية المشتركة بين الأجهزة المغربية والاسبانية (المكتب المركزي للأبحاث القضائية)    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    لأول مرة في تاريخه.. "البتكوين" يسجل رقماً قياسياً جديداً    أداء سلبي في تداولات بورصة البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    دفاع الناصري يثير تساؤلات بشأن مصداقية رواية "اسكوبار" عن حفل زفافه مع الفنانة لطيفة رأفت    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !        تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قلع القشور وكشف المستور في عالمنا المقهور


المكان : بين المغرب والمشرق.
الزمان : بداية سنة 2011 .
المشهد : مختلط جدا.
معارضة اصلاحية, معارضة ثورية, بلطجية, تطرف, شذوذ, دعم وتأييد,نفاق خبزوي, نفاق سياسي, خوف على الامتيازات النخبوية,استغلال, ركوب أمواج باحترافية, مناورات مخزنية بذكاء سياسي أو ذهاء ميكيافيلي وأحيانا أخرى بغباء أوقاحة متناهية, محاولات اثبات الوجود من البعض الذين لا يريدون الا سرقة الأضواء بعدما لم يجدوا سابقا بُدّا أومسلكا الى سرقة الأموال كما فعل بعض أقرانهم المحظوظين في سياسة العالم الرابع حيث لا رقيب ولا حسيب أمام المبدأ الظاهرالباطن "أنا وأهلي وجيبي أولا, ومن بعدي الشعب والوطن" !! وإن جاء الطوفان فالسدود كثيرة والطائرة الى المنفى تبقى آخر الحلول.. شعارات, قذف وسب وشتم أحيانا على الهواء مباشرة وأحيانا في الغرف المغلقة على الشبكة العنكبوتية على صفحات الفايسبوك وعلى المدونات الخاصة وعلى قنوات "الواد الحارالخاصة" من اليوتوب والبالتوك.
مسرحيات وتمثيليات, تزمير وتطبيل, مشهد مختلف جدا عن كل العهود السابقة من تاريخ المغرب المعاصر ولكنه لا يختلف كثيرا عن باقي الدول العربية :حراك سياسي جدي ومشحون من القمة الى القاعدة, وحتى البلطجة أصبح لها رأي !هذه الكلمة التركيةُ الأصل التي دخلت قاموس الربيع العربي ابتداءا من مصر بعد تكرار المشهد وكأنه نسخة طبق الأصل لماوقع في تونس, تقريبا بنفس الميكانيزمات بين الشد والجذب حيث يشد المستفيدون من الأوضاع الفاسدة في طرف والمتضررون من الطرف الآخر من الحبل وبينهما تجري مياه عكرة جدا اعتاد البعض الاصطدياد منها منذ زمن بعيد حيث وئدت الشفافية ولم يسأل احد بأي ذنب وئدت؟
الأمور تغيرت ولم تعد بسيطة في ميكانيزماتها كما تعلمنا مع شعرة معاوية, فقواعد اللعبة تغيرت في هذا الزمن, فالشعرة أصبحت حبلا والحبل في هذه المعادلة إما لك و إما عليك, فان كان عليك فهو على عنقك طبعا,ما دام هناك تناقض وليس توافق أو تجانس بين النخبة السياسية والقاعدة الشعبية.وان كان الحبل لك فلك أن تلعب كما شئت بحجارة الشطرنج على طاولة المشهد السياسي والاجتماعي والوطني بل والدولي كذلك, ولك فسحة كبيرة في تمرير أوراق ممنوعة جدا من تحت الطاولة لأنه محرم ظهورها فوق الطاولة لأنها بكل بساطة تخترق قانون اللعبة المتعاهد عليه.فالمشهد هنا تماما كجبل الثلج العائم, فما نراه يوميا ما هو إلاَّ الجزء الصغير نسبيا الذي نراه فوق مياه سطح البحر أي فوق"الطاولة", إلاَّ أن الجزء الأكبر والأعظم هو الغارق في الأعماق بعيدا عن الوضوح والشفافية والمملوء بالمخاوف والغموض والدسائس وهو ما يحاك ويدار على مدار الساعة تحت الطاولة السياسية.ولك أن تضرب تحت الحزام ان استطعت بضربات ذكية وقاسية قد تسقط خصمك أرضا بأساليب خبيثة وانتهازية استعملت سابقا على المستوى الوطني في عهود المعارضة الاشتراكية كما استعملت دوليا على مستوى المصالح الضيقة في صراع اللوبيات على مستوى الصراع الداخلي كما هو الشأن سابقا مع الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية مع طعم مونيكا لوينسكي,الذي خدش من سمعة ومكانة الرئيس الذي حدثته نفسه أن يستقل برأيه في أواخر ولايته الثانية حيث زاغ بعض الشئ عن الخط المرسوم لرئاسة البيت الأبيض في ولايته الثانية فجاء التذكير من بني يعقوب بطعم مونيكا لوينسكي اليهودية الأصل بخطيئة ارتكبت في ولايته الأولى وكما نعلم فالذكرى تنفع بعضا وتردع بعضا وكل ذلك لحاجات في نفوس بني يعقوب بات الجميع يعرفها جيدا.
وهكذا قدم الرئيس الذي حدثته نفسه أن يزيغ عن الخط المرسوم لرئاسة البيت الأبيض للمحاكمة حيث سيواجه اتهامين هما: الكذب تحت القسم، وعرقلة مجرى العدالة في فضيحة مونيكا لوينسكي مع العلم أن قوانين الولايات المتحدة لا تعاقب على الخيانة الزوجية !! ذلك الرئيس الذي يعتبر الآن من أفضل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخها الخاص حيث تميز عهده بالازدهار الاقتصادي و الاجتماعي للولايات المتحدة وكمثال بسيط على نجاح سياسته الداخلية و الخارجية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية فقد وصلت قيمة برميل النفظ في عهده أحيانا الى أقل من 17 دولار دون غزو ولا مجازفة..
نعود الى تلك الأساليب التي باتت معروفة وأصبحت أكثر أهمية مع تطور التكنولوجيا الرقمية,أساليب لا تترك ثغرة إلا واستغلتها أيما استغلال لإ خضاع الخصم والنيل من صورته, تلك الصورة التي باتت أصدق أنباءا من القلم ومن الكتب في عالم الكاميرات الرقمية للموبايل واليوتوب والفايسبوك حيث الضربات تحت الحزام لم تعد في أقبية سرية وانما في أقبية علنية حيث تكون الضربات ذكية جدا وقاتلة جدا وتقتل مرتين :في الحياة السياسية أولا ثم الحياة الخاصة العملية والعائلية والشخصية والزوجية..)
وما يسعنا أمام هذا المشهد الا استحضار المقولة الشعبية التي نتداولها أحيانا بين الأصدقاء "لعن الله الساسة والسياسة وسوسو"!!!
على كل حال من منا لم يفعلها يوما ما بخمر أو نزوة أو حريم فليتقدم ويقذف الناس بالحجارة !
ما يهمني وانا أتفرج من بعيد على الطريقة الحنظلية "البعدوية" (للمرشد ناجي العلي) في كل هذه البلطخة والبلطجة السياسية وكأنها احدى اللوحات السريالية لبيكاسو أيام الحرب الأهلية الإسبانية التي تحتاج لتمحيص وتفحيص في محاولة لفهمها وفهم المغزى منها وان لم يكن للسياسة من مغزى غير صراع المصالح اوتوافقها, فعدوك اللذوذ بالأمس-القريب قد يصبح صديقك المقرب اليوم أو بالأحرى "حليفك المقرب" وهو المصطلح الصحيح في علم السياسة الذي لم نجد له تعريفا الى حد الآن أقرب من تعريف ابن خلدون "وهو فن الممكن" حيث المجال مفتوح و هلمَّ جرّا..وان أردت كسرا من "كسر العظام" أو نصبا من "النصب والاحتيال" أو ضما من" ضم الامتيازات". أما السكون فمحذوف بموجب قاعدة "لنا السبق عليكم"!!
وما يهمني انا شخصيا كمواطن بسيط بهمومه اليومية من هذا الفن القاسي "فن الممكن" الذي لم يتعلم منه مريدو الطريقة "الحنظلية" من بعيد للمبدع المغتال "ناجي العلي" هو أن تتوقع كل المفاجات والتناقضات المنطقية والغير المنطقية والعقلانية والغير العقلانية و أن مجال الثقة مفقود أو منعدم.
وما يهمني كذلك في هذا الربيع الذي لازال مستمرا بخضرته رغم حرارة الصيف ورياح الجنوب القاحلة, هوأي قيمة مضافة للمواطن البسيط؟ لذلك العاطل الذي سئم من الذهاب والاياب كشعيرة السعي بين الصفا و المروة وان كانت رحمة الله ألطف على الأم وابنها في الصحراء القاحلة فان عصا المخزن غليظة بين محطة القطار وقبة البرلمان بحثا عن مخرج في واقع اجتماعي الذي بات لا يرحم شابا ولا كهلا.!
وأي قيمة مضافة لتلك الأرملة التي تكابد في حاضرها من أجل مستقبل أبناءها, ولتلك المرأة التي تحمل ابنها على ظهرها والمنجل في يديها وتحدق إلى الشمس بأجفانٍ جامدةٍ، ولذلك الموظف البسيط الذي يظل شارذا بذهنه منذ المنتصف الثاني من الشهر في التخمين لمبلغ الكراء وديون البقال ومتطلبات المعيش اليومي للأسرة حيث صياح الزوجة تحول الى كابوس من الهموم ومن المتطلبات اليومية !
وأي قيمة مضافة لذلك الشاب الذي رمي بزهرة عمره مغمضا عينيه وضاغطا على قلبه في أجمل فترات العمر ممنيا نفسه بمستقبل أفضل له ولوالديه ولحبيبة العمر..
دون ان ننسى ذلك البلطجي الضحية الذي انهزم بضعفه أمام قوة تيار التخلف الجارف فاحتضنته ثقافة "التشمكير" ولم يعد يفهم الا الخضوع للجلاد والتبلطج في الشارع العام أمام المواطنين, وممارسة طقوسه الحياتية التي تنحصر في ادمان المخدرات وشرب المسكرات والشجار بالسلاح الأبيض والنشل والخطف وتكوين مجاميع تنتشر في أماكن خاصة مقتصرة على أحياء معينة ولهم اشكال تميزهم. وقد يظهرون على الساحة في مناسبات مختلفة ويرتبطون بشكل لافت بالانتخابات وهو موسمهم المفضل"للتبزنيز" للحصول على دريهمات قذرة لسد حاجتهم اليومية من إدمان المخدرات والمسكرات,حيث يظهرون في هذا الموسم مدفوعين من قبل أناس لديهم مصالح انتخابية للتهليل والتصفيق والصياح ولشراء وحصد الأصوات وأحيانا للتدافع والتناطح بين مؤيدي وخصوم المرشحين السياسيين.
تعتبر هذه الظاهرة الاجتماعية المعقدة هي أكبر عملية "تكليخ" ممنهج ومنظم للشباب المغربي منذ عهود سابقة والتي كانت السياسة التعليمية احد ركائزها إضافة الى الاحتكار الاعلامي قبيل الانفتاح على الفضائيات والشبكة العنكبوتية, بل ولم يعد خفيا على المهتمين بالشأن الاجتماعي أنها ظاهرة جد معقدة تخص العالم العربي وتوحده في انتاج التخلف الاجتماعي الشاذ وإن اختلفت المسميات بين البلطجة في مصر أو الشبيحة في سوريا أو المرتزقة في ليبيا أوالتشمكير في المغرب أو الحونشية في السعودية..فالكارثة الاجتماعية واحدة وان اختلفت نسب تواجدها.
الى أن هذه "الشريحة-النازلة" ظلت مغيبة وكان تصنيفها في خانة المجرمين وذوي السوابق العدلية دون أي دراسة أو اهتمام من ذوي الاختصاص من الناحية السوسيولوجية, فحتى عند ناجي العلي الذي تطرق الى جل الشخصيات الاجتماعية الفاعلة ومميزاتها وطبائعها في الحياة اليومية للمجتمع بين الشر والخيروالنذالة والعمالة في روسوماته الكاريكاتيرية ذات الطابع التراجيدي التي تدقق في الحياة اليومية للمواطن العربي والتي تتجلى في صراع داخلي-داخلي وآخر داخلي-خارجي. ورغم أن عنصر الاحتلال الأجنبي غير موجود في باقي الدول وهو مأساة فليسطينية مستمرة الى حد الآن فأن العنصر الأجنبي يضل حاضرا بقوة بشكل أو بآخر في باقي الدول و المجتمعات سواء المشرقية أو المغاربية منها. ويتجسد هذا الصراع في العديد من الشخصيات التي انتقاها فنان المأساة ناجي العلي الذي اختار ثقافة الفن الكاريكاتيري الساخر لأن أفضل وسيلة لتحدي الجلاد ورفض الواقع الظالم والواقع الغير الصحي والغير العادل هو أن تضل ساخرا من ذلك الجلاد وتتشبت باببتسامتك في أحلك الأوقات مهما كانت في عينيك ألف دمعة من الألم! تلك ارادة التحدي وارادة الحياة التي نهل منها مبدعنا من شاعر المأساة أبو قاسم الشابي .. إرادة يتحطم أمامها جميع أنواع الصخور الحجرية والبشرية,الصم البكم الذين لا يعقلون..
وفن السخرية كان دائماً وما زال ذو نظرة تهكمية غريزية تعتمد على دقة الملاحظة وسرعة البديهة, مع نظرة تنقب عن السخرية في المواقف من خلال تقاطيع الوجه وتعبيرات الجسد في شكل مختلف عن الواقع, ويهدف إلى الرمز في خليط من المبالغة مع الحفاظ على الشخصية والشبه في آن واحد. وهذا ما سنجده عند الفنان ناجي العلي الذي استطاع أن ينظر الى العالم من حوله بنظرة نقذية عميقة وخاصة وبرهنة عن موهبة خاصة جداً والتي يعززها نوع من الذكاء والقدرة على تحليل بواطن الأشياء.
وستتجلى هذه النظرة والقدرة على تحليل بواطن الأشياء عند ناجي العلي في مجموعة من الشخصيات التي تطرق من خلالها الى تحليل الدور والمكانة والأهمية التي تلعبها في سيرورة الأحدات في المجتمع بكل مميزاتها وطبائعها الخاصة .
وسنجد شخصية حنظلة شاهد العصر الذي لايموت وهي أشهر الشخصيات التي رسمها ناجي العلي في كاريكاتيراته، ويمثل صبياً في العاشرة من عمره. أدار حنظلة ظهره للقارئ وعقد يديه خلف ظهره. وأصبح بمثابة توقيع ناجي العلي. يقول ناجي العلي أن الصبي حنظلة ذا العشرة أعوام يمثل سنه حين أجبر على ترك فلسطين ولن يزيد عمره حتى يستطيع العودة إلى وطنه.
ملابسه مرقعة وظهوره حافي القدمين يرمزان لبساطته ويحيلنا على معانات المواطن العربي البسيط في حياته اليومية وكذلك انتمائه الى الطبقة الفقيرة.
إدارة الظهر وعقد اليدين يرمزان لرفض الشخصية للواقع والظلم والاستبداد رغم بساطتها وصغر سنها . يقول المثل الانجليزي "البساطة أم الجمال" وجمال هذه الشخصية التي لم نرى قط وجهها يوجد في بساطتها.
أصبح حنظلة إمضاءً لناجي العلي، كما ظل رمزاً للتحدي حتى بعد اغتيال مؤلف الشخصية.
لقد وصف شارلي شابلن كيف ظل لفترة طويلة يتخير ملابس شخصية المواطن الصغير ، وكيف بحث طويلا ليجد تلك السترة الفضفاضة ، والسروال الضيق ، والحذاء بمقدمته العريضة .
ناجي العلي استطاع أن يجد لحنظلة ما يميزه كشخصية فنية لكي تتجاوز تلك الشخصية حدود الطفل الفلسطيني وتصبح رمزا عالميا للطفولة التي تتشرد في الدنيا . خلق ناجي العلي شخصية حنظلة دون وجه ، وأدار ظهره للعالم, وعندما سُئل ناجي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: عندما تصبح كرامة الشعوب العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته ».
اغتيل الفنان ولم يُكتب له أن يرى وجه حنظلة, لكن حنظلة مازال مصرا على التحدي وشاهدا على العصر الذي لا يموت .. يقول ناجي العلي : ان حواسي تصبح أكثر وضوحاً أن أشير إلى نافذة مفتوحة في الأافق يبدو منها خيط من النور وأن أعري أولئك الذين لا يكفون عن الضجيج بأن الظلمة تشمل كل شيء وأن التسول هو لغة استرجاع الحق ، كل هذا أقل ما أستطيع أن أفعل دفاعاً عن كرامة الذين ضحوا دفاعاً عن الحق الحلال في الحلم بالمستقبل).
وأبرز ما نجد في رسوماته شخصية السمين ذي المؤخرة العارية والذي لا أقدام له (سوى مؤخرته) ممثلا به القيادات العربية المستبدة والمرفهة على حساب بؤس ومعاناة شعوبها, وتمثل كذلك الخونة والانتهازيين
لاعقو الأحذية .
كما نجد شخصية الجندي المحتل ,الطويل الأنف كرمز للعنصر الخارجي الذي يحشرأنفه في شؤون المنطقة بما يتماشى ومصالحه الاستغلالية الاستعمارية الخبيثة, والذي في أغلب الحالات يكون مرتبكا أمام حجارة الأطفال, وخبيثا وشريرا أمام القيادات الانتهازية.
كما نجد شخصية فاطمة وهي ترمز الى المرأة الفلسطينية التي أسماها ناجي فاطمة في العديد من رسومه. شخصية فاطمة، هي شخصية لا تهادن، رؤياها شديدة الوضوح فيما يتعلق بالمحتل وبطريقة حلها، بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر أحيانا.
كما جسد لنا شخصية الزوج الأب الكادح والمناضل النحيل ذي الشارب الكثيف، وكبير القدمين واليدين مما يوحي بخشونة عمله وكدحه .
بعد تجسيد كل هذه الاطراف اللاعبة والفاعلة في المعادلة الجديدة القديمة والتي لم نجد لها تجسيدا أقرب من ابداع وسخرية الفنان ناجي العلي.
دعونا نعود الى احلامنا البسيطة من أجل غد مشرق وأفضل.
فمهما كانت نتيجة الاستفتاء على الدستور سواء بنعم أو لا.فالمهم والمؤكد هنا في هذا الربيع الأخضر أنه جاء بالتفاتة مشرقة وأمل في النفوس للاصلاح والتغييرمن أجل غد أفضل وتكسير كل خطوط الاحتكاروالامتيازات المطلقة لبعض الانتهازيين, والملكيين أكثر من الملوك والمتزعمين ووالزاعمين لزعامة الزعماء حتى جعلوا منهم فراعنة الجمهوريات-الوراثية في زمن حققت فيه شعوب الشمال من الرقي الانساني فيما بينها على طاولتها الخاصة ما لم تشهده الانسانية من قبل, اللهم بعض النقاط المضيئة في بحور الظلمات السابقة.
أصبح لنا أمل في قضاء مستقل وعادل لا يفرق بين أحد ولا يرفع أحدا على احد في ميزان المساواة والعدالة عندما يكون القانون فوق الجميع.
أصبح لنا أمل في تعليم متطورلجميع أبناء الوطن,تعليم يساهم في تقليص الفوارق بين فئات الشعب وطبقاته, لا ذلك التعليم الذي يكرس الفوارق بين مختلف فئات وطبقات الشعب.
أصبح لنا أمل في تعليم يحارب البلطجة لا يساهم في انتاجها من خلال الهدر المدرسي الاجباري حيث تضيع حقوق الاطفال بين تهميش الدولة واهمال الأسرة !
وأمام هذا المشهد بين الشد و الجذب أقف كما وقف حنظلة وأغيب بين الماضي القريب والحاضر الغامض وكلي أمل في مستقبل مشرق, فأنا كمواطن بسيط أحسّ بأن العالم من حولي مغمور بالكذب والنفاق وكواليسه ضرب من الطبيخ حيث يُدَسُّ السم في العسل ويقدم الحنظل على أنه سكر للمقهورين والضعفاء, وما يسعني في هذه الظروف الا أن أترحم على روح شهيد كشف المستور في عالمنا المقهور شهيد الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية محمد البوعزيزي, وأن أطلب له الرحمة الإلهية من الرحمان الرحيم, ذلك الشهيد الذي قهره ظلم الطغاة الذين تركوا الأنذال يعيثون في المجتمع فسادا ولم ترحمه قساوتهم ولا ذلهم فأبى الا أن يغسل ذلهم بالنار !!
أقف هنا وأدعو كل صوت وجد أذانا صاغية بعد أن بحت حنجرته لسنوات من الصِّياح: الى كل عاطل حامل لشهادة عليا أُدمج في وضيفة عمومية, الى كل موظف بسيط استفاد من زيادة في أجرته الشهرية, والى كل أرملة استفادت من زيادة في معاش زوجها,والى كل بائع متجول لم تعد السلطات المحلية تسلب منه سلعته وتجبره على اعطاء رشوة يومية, والى كل معتقل تمتع بمحاكمة عادلة,والى كل مواطن بات يستطيع أن يحصل على حقوقه دون أداء رشوة ودون خوف أو قمع, والى كل مياوم بسيط بات يجد حافلة كوسيلة نقل تليق به كانسان لتنقله الى مقرعمله وليست كحافلة لا تليق بدولة تحترم شعبها, والى كل طالب يفكر بعقل مبهم في حاجياته اليومية منمصاريف النسخ و كتب والتنقل..استفاد من منحة دراسية...
اليكم أنتم جميعا أدعوكم الى الترحم على روح شهيد كشف المستور في عالمنا المقهور, الى شهيد التهميش والانسانية "محمد البوعزيزي" تماما كما ترحم الفرنسيون كثيرا على جان دارك..."عذراءُ أورليانز".
وفي الختام أستطيع أن أؤكد أن الأمس ليس كاليوم وأن الغد سيكون مختلفا تماما عن اليوم والأمس..بعد سنوات من الرصاص الطويلة وأخرى من الضباب وعدم وضوح الرؤية أحلم الآن بغد مشرق..
حلمنا بسيط وسَنكْتُبُه بِعِطْرِالياسمين.. سيقول البعض أننا نحلم أن تَنْبُتَ فِي صَحْرَاءِ الأَحْزَانِ أَشْجَار الْمُسْتَحِيلِ!؟
لكني أستطيع أن أُؤكد بكل ثقة بعد اليوم لن تستطيع خفافيش الظلام سرقة أحلامنا, بكل بساطة لأننا لم نعد نخشى الكوابيس بعدما سرقوا كل الماضي وكل الأحلام والأموال.
أحلامنا فسحة الأمل وجرعة الحياة! تماما كما قال شاعر المأساة وشاعر الحياة أبو القاسم الشابي في خاتمة قصيدته المشهورة :
وأُعْلِنَ في الكون: أنّ الطموحَ** لهيبُ الحياةِ ورُوحُ الظفَرْ
إذا طمحتْ للحياةِ النفوسُ **فلا بدّ أنْ يستجيبَ القدر
فكان ردا وجوابا لمقولة الرضوخ و الاستكانة أنذاك ,التي أوهمت الناس بتنظير من "فقهاء-الكهنوت" أن الاستعمار قدر على الشعوب وما عليها الا قبول أمر الواقع والاستسلام. فأجابهم شاعرنا وترك هذه الكلمات ورحل :
إذا الشعبُ يومًا أراد الحياة**فلا بدّ أن يستجيب القدرْ
وقد وفافته المنية دون أن يكتب له أن يرى اندحار الاستعمار وتحقق نبوءته بانكسار القيد واستجابة القدر أمام إرادة الشعوب وإرادة الحياة.
بكل بساطة لأن ارادة الحرية والحياة تبقى أقوى الغرائز عند الانسان وبها ترقى الانسانية جمعاء.
صدق من قال "قد يغتالون كل طيور السنونو لكن ذلك لن يمنع الربيع من القدوم "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.