من كل حدب وصوب أوروبي تجمع عشرات الآلاف من المغاربة عند جبل طارق ينتظرون بلهفة وشوق عبور المضيق الفاصل بينهم وبين أهلهم على الضفة الأخرى لقضاء عيد الأضحى المبارك في وطنهم الأصلي. ومع تزامن عيد الأضحى هذا العام مع عطلات رأس السنة الميلادية وجد آلاف المغاربة فرصة لقضاء العيد في المغرب، وفضل غالبيتهم العظمى توفيرا للنفقات العودة لبلادهم عن طريق البر وتحديدا عبر مضيق جبل طارق. ويقول مراسل إسلام أون لاين.نت إن ميناء الجزيرة الخضراء أكبر مواني الجنوب الأسباني الواقع على مضيق جبل طارق، والذي يحمل اسم القائد العربي فاتح الأندلس طارق بن زياد، تحول هذه الأيام إلى ما يشبه المستعمرة المغربية في ضوء تدفق آلاف المغاربة عليه وتكدسهم بسياراتهم انتظارا للعبور بالباخرة صوب ميناء طنجة بالشمال المغربي. وفي وسط الميناء، وقف عبد الواحد سعيدي، وهو عامل مطعم في كاتالونيا معربا عن ضيقه وسعادته في آن واحد؛ فالازدحام الشديد في الميناء جعله يخشى ضياع فرصته في العبور، إلا أن بهجته بإمكانية قضاء العيد مع أسرته وفي بلده الأصلي تمحو هذا الضيق. وبابتسامة واضحة يقول سعيدي لإسلام أون لاين.نت "سأقضي عيد الأضحى لأول مرة منذ سبع سنوات مع عائلتي، واصطحبت معي صاحب المطعم الأسباني الذي تمنى طويلا أن يحضر أحد الأعياد الإسلامية في بلد إسلامي". وخلافا لرب عمل سعيدي فقد استغل كثير من الأسبان عطلة أعياد الميلاد لكي يتوجهوا إلى المغرب رغبة في الاستمتاع بجو الشرق وعاداته في المناسبات الإسلامية. الأسباني المقيم في أشبيلية "مانويل غونزالو" لبى على الفور دعوة صديقة المغربي الذي يعمل معه في مركز لبيع السيارات المستعملة لقضاء عطلة الأعياد معه في المغرب قائلا "إنها المرة الأولى التي أزور فيها المغرب، أعتقد أنني سأستمتع كثيرا بجو الود الموجود في أعياد المسلمين.. سمعت كثيرا عن عيد الأضحى، وهذه فرصة ذهبية لكي أعايش عن قرب تقاليد الناس في هذا العيد". وتزور الأسبانية خوسيفينا، وهي فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها، المغرب لثالث مرة، لكنها هذه المرة ستقضي عطلتها في ضيافة أسرة صديقتها المغربية نجاة، التي تعمل في جمعية إسبانية لرعاية الأطفال البكم في مدينة أليكانتي (جنوب شرق إسبانيا). من مختلف دول أوروبا ولم يقتصر الأمر على إسبان تحمسوا لقضاء عطلة الأعياد في المغرب رفقة مضيفيهم المغاربة بل تعدى لدول أوربية أخرى؛ فعبد القادر التمسماني المهاجر المغربي المقيم في هولندا، أصر على اصطحاب صديقه الهولندي وأسرته لقضاء العيد في مدينة طنجة بالمغرب. وقال التمسماني، الذي هاجر إلى هولندا منذ 27 عاما "العيد مناسبة رائعة لتقريب الأوروبيين من الدين الإسلامي، خصوصا في ظل تصاعد موجة العداء للمسلمين في أوروبا، وفي هولندا خصوصا، التي ازداد فيها العداء ضد المسلمين بعد مقتل المخرج الهولندي سيو فان جوخ الذي عرف بعدائه للإسلام على يد شاب مغربي". الرغبة في قضاء عيد الأضحى في الوطن الأصلي شمل أيضا قادة الأقلية المسلمة في أسبانيا ومنهم فليكس هيريرو، رئيس الهيئة الإسلامية في إسبانيا، وهي الهيئة الممثلة لمسلمي البلاد أمام الحكومة. وفي الباخرة التي كانت تربط بين ميناء الجزيرة الخضراء بإسبانيا وميناء طنجة بأقصى شمال المغرب، أخذ أطفال مغاربة وأسبان يلعبون حتى ينتهي آباؤهم من إجراءات عبور مضيق جبل طارق. وقال طفل مغربي لآخر إسباني "سترى أبي وهو يذبح الخروف يوم العيد"، ثم صمت قليلا وأضاف وكأنه يجبر خاطر صديقه "والدك سيساعد طبعا أبي في ذبح الخروف". 70 ألف مغربي يعبرون وعبر أزيد من 70 ألف مغربي ميناء الجزيرة الخضراء متوجهين إلى المغرب في الأيام التي سبقت عيد الأضحى، بالإضافة إلى حوالي 20 ألف سيارة، مما سبب مفاجأة حقيقية لسلطات ميناء الجزيرة الخضراء التي لم تتوقع هذا الزحام الذي لا يحدث إلا في مواسم عبور المهاجرين خلال عطلة الصيف. وألقت وزارة التجهيز المغربية اللوم على سلطات ميناء الجزيرة الخضراء التي أبدت تعجبها لعدم توقع هذا العدد الهائل من المسافرين. غير أن الكثير من المسافرين استقصت إسلام أون لاين.نت آراءهم عابوا على السلطات المغربية عدم استعدادها لتجنب هذه المفاجأة، وقال عبد السلام الدريسي، وهو مهاجر مغربي في مدريد "السفارات والقنصليات المغربية في أوروبا كان عليها أن تتوقع هذه العودة المكثفة للمهاجرين المغاربة إلى بلدهم خلال عطلة رأس السنة؛ لأنها تتزامن مع عطلة الأضحى الذي يبدأ الأحد في المغرب، وكان من الممكن أن تنسق مع نظيرتها الإسبانية لتجنب الاضطراب الذي حدث في حركة السفر من إسبانيا إلى المغرب". وارتفع عدد السفن التي نقلت المهاجرين المغاربة المتوجهين إلى المغرب في الأيام القليلة الماضية إلى 11 سفينة، حيث كانت تعمل طوال اليوم، وهو نفس عدد السفن التي تعمل خلال موسم عبور المهاجرين المغاربة صيفا؛ حيث يعبر أزيد من مليوني مغربي مضيق جبل طارق. وأرجع القنصل المغربي في مدينة الجزيرة الخضراء، فؤاد العوفي، حالة الاضطراب التي عرفها الميناء إلى عدم كفاية الموظفين في ميناء الجزيرة الخضراء الذين ذهبوا في عطلة أعياد الميلاد المسيحية.