بلدان الغضب والقمع والإضهاد مضت تتهاوى أمام أصوات الأمة التي أعياها الإنتظار وأرهقها التشبث بآمال واهية ،لأن من تقلدوا مهام تسير الشعوب العربية لم يكن أبدا في أجندة مهامهم المتمثلة في رعاية الأمة سوى الجشع والطمع والاستيلاء على خيرات البلاد.أتذكر يوما حكاية لها من الحكمة والمغازي الشيء الكثير، وهي تحكي عن مبعوث رومي جاء لزيارة عمر بن الخطاب فلما سأل الرعية عن حاكمهم وأميرهم وعن القصر الذي ينام أو يمكث فيه، دلوه على الرجل وكان نائما تحت ظل شجرة وهو يتوسد صخرة. فحينها تعلم المبعوث الرومي أن "عمرا " الخليفة المسلم وأمير المؤمنين ،رجل وفي لشعبه،لقد عدل بين الناس فنام في هذا المكان العاري ملء عينيه،و بدون خوف ولا خشية من المجهول.وهنا تذكر حاكمه الذي يوجد في قصر محصن ويحيط به الجنود والحرس من كل جانب ومع كل هذا فهو خائف.عمر عدل فنام، فمتى يتذكر حكامنا هذه الحكمة متى يتذكروا حديث رسولنا الأشرف الأمين"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". مرجل الغضب الشعبي ارتفعت درجة الحرارة بداخله ومضت تتاصعد وتحطم أرقاما قياسية والغضب الجماهيري الذي سبق وتناولناه في يوم من الأيام بالحديث، وحذرنا منه أصبح اليوم حقيقة معلنة .لقد سقط حاكم تونس والدائرة تضيق حول عنق الرجل الأول في مصر وخط شعلة الغضب امتد إلى اليمن وموريتانيا وسوريا والجزائر.وعن هذا البلد الأخير يصبح الكلام كبيرا وكثيرا ومتشعبا.لأن الدول العربية السالفة الذكر يصفها الساسة بالثعابين ذات الرأس الواحد، فمتى سقط هذا الرأس تغيرت المفاهيم ،أما الجارة الجزائر فهي ثعبان بمائة رأس، لأن الرئيس لهذا الشعب المغلوب على أمره ما هو إلا مجرد ناب أزرق في فم تمساح مفترس تزاحمت على فكيه الأنياب المتفاوتة في الطول وفي شدة البطش والجبروت. على العموم هكذا تشخص الأمور وهكذا يرى المحللون السياسيون الوضع في الجزائر، ففكرة تغيير النظام في هذا البلد يعني التصدي لمجموعة من الجينيرالات عملاء العهد الكولونيالي الذين ظلوا لزمن يعملون على تفقير الشعب الجزائري، ظلوا لوقت طويل يمتصون دماء الشعب ،مع العلم أن الله قد حبا هذه البلاد بنعمة النفط والغاز ،والتي كان من المفروض أن يعيش المواطنون في ظل هذه الخيرات ملوكا في الأرض، كما هو الشأن بالنسبة للإيمارات والكويت وغيرها من الدول المنتجة للبترول. الغضب في الجزائر مضى يتأجج يوما بعد يوم ففي حصيلة لما يقع وخلال هذا الأسبوع وفي يوم واحد فقط نرصد ما يلي: قام مجموعة من الطلبة فاق عددهم1200 شابا وشابة، ينتمون لمعهد التغذية والتغذي ( إيناتا) التابع لولاية قسنطينة الأربعاء المنصرم انطلاقا من المعهد الكائن مقره بالكيلومتر (7) بمخرج حي بوصوف بمظاهرة سلمية محتجين فيها على الأوضاع المزرية ليجدوا أنفسهم محاصرين من قبل فرق مكافحة الشغب و عناصر من الدرك الوطني بالقرب من المركز الرئيسي للصكوك البريدية بحي البوليقون، لتتحول المسيرة إلى مواجهات عنيفة بين أعوان الأمن بالهراوات و الكلاب المدربة التي مضت تنهش أجسام الشباب وكذلك القنابل المسيلة للدموع وقد خلفت هذه العملية الهمجية حبس واعتقال العديد من المتظاهرين في حين سقط ما يقارب 40 طالبا و طالبة مصابا ،تنوعت حالاتهم بين الإغماءات و الإصابات بالجروح المتفاوتة، بحيث تم نقل المصابين إلى المستشفى في مشهد مفضوح استنكره الكل لأن الطلبة كانوا عزلا لا يحملون في أياديهم سوى مجموعة من اللافتات .
وفي نفس اليوم انطلقت كذلك احتجاجات غاضبة و واسعة في القطاع الصحي قادتها نقابة شبه الطبي، و وحسب ما نشرته إحدى الجرائد الإلكنرونية الجزائرية فقد تفيد الأرقام أن عمال القطاع استجابوا لهذا النداء الغاضب بنسبة جاوزت 90 بالمائة ، وقرر المنظمون إطلاق مسيرة معلنة سوف تكون مفتوحة ابتداء من الثامن فبراير الجاري. وفي نفس السياق دعا موظفو وعمال بنك التنمية المحلية العمومي في العاصمة وعدد من الولايات ،هم الآخرون إلى الدخول في إضراب مفتوح عن العمل إلى غاية ما أسموه إنهاء نظام الرئيس المدير العام بشطرزي أرسلان ونقابة المؤسسة المتواطئة معه، حيث لم تنته القبضة الحديدية بعد ،رغم وساطة وزارة المالية.كما عرفت جامعة مولود معمري بتيزي وزو في نفس يوم الأربعاء 2/2/2011 مسيرة حاشدة تطالب بتحسين الأوضاع البيداغوجية والسياسية للبلاد، وكان قبلها ولاية بجاية من خلال مسيرة سياسية أيضا، قادها التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية· كما عادت وسط هذا الحراك ظاهرة قديمة وهي الهجوم على السكنات الشاغرة الغير الموزعة ومختلف الممتلكات من قبل المواطنين تعبيرا منهم عن سخطهم في تسيير أزمة السكن، مثلما عرفته ولايات العاصمة والشلف والمسيلةوقسنطينة التي اعتصمت فيها عائلات مستها أزمة السكن أيضا، وفي باب آخر توصلنا بمحاولة انتحار جماعي تهز مقر بلدية سيدي عمار.و وبه وفي عمق هذه الاحداث التي مضت تتسع دائرتها كذلك ،إذ في نفس اليوم الذي اعتبر بالأربعاء الأسود في الجزائر، أقدم تسعة من الشباب اليائسين على عملية الانتحار الجماعي من أعلى مقر بلدية سيدي عمار بالحجار ولاية عنابة تنديدا بوضعيتهم الاجتماعية وافتقارهم لمناصب شغل . بينما قام مجموعة من الشباب الآخرين باقتحام مقر البلدية المذكور طالبين رئيسها بفتح باب الحوار وإيجاد حلول استعجالية لما آلت إليه أوضاعهم الاجتماعية ،مما دفع البعض منهم إلى الصعود إلى أعلى المقر والتهديد بالالتحاق باللفيف العازم على الانتحار و رمي أنفسهم والانتحار الجماعي ، وقد استدعى الأمر تدخل مصالح الشرطة القضائية وكذا رجال الحماية المدنية الذين حاولوا الحيلولة دون وقوع كارثة حقيقية غير أن الشباب المحتجين أبوا النزول إلا في حالة استقبالهم من طرف السلطات الأمر الذي اضطر كلا من رئيس دائرة الحجار ورئيس البلدية ورئيس وكالة التشغيل بالحجار وعدد من المنتخبين المحليين إلى عقد اجتماع طارئ جمعهم وعشرات الشباب المحتجين وكان من بينهم التسعة السالفين الذكر، الذين هددوا بالانتحار حيث طالب هؤلاء بالتغيير البلدي خاصة المنتخبين المحليين الذين اكتفوا بوعودهم شفويا وإيهامهم بمناصب خيالية من أجل اعتلائهم الكراسي الانتخابية مؤكدين على ضرورة تسوية وضعيتهم العملية في أقرب الآجال. على العموم الجزائر كلها تغلي ودرجة الإحتقان مضت تكبر يوما بعد يوم،و حكام هذا البلد المتجبرين لم يريدوا الإستفادة من الدروس في الجوار ولهذا فإن القادم من الأيام قد يعرف تطروات خطيرة وربما رياح تغيير المنكر قادمة لينعتق هذا الشعب الأبي المناضل من الذل والهوان الذي فرض عليه.