يعرف العمل الجمعوي اليوم نهضة قوية, بشكل أصبح معه علماء الاقتصاد والاجتماع يعتبرونه النسق الثالث داخل المجتمعات لما يقوم به من مهام تنموية اقتصادية وإنسانية، خصوصا بعدما أصبح ينافس الأحزاب السياسية في مشاريعها ويشترك مع الدولة أو يتحمل جزءا من أعبائها في مجموعة من المشاريع. حيث عرفت الحركة الجمعوية تطورا ملموسا في العقدين الأخيرين، نتيجة تكاثر الجمعيات وازدياد الحاجة للتجمع والتفكير الجماعي بغية حل مشاكل بشكل تشاركي تفاعلي بين كافة الأطراف التي تمسها هذه المشاكل. هذا التكاثر والتنوع في النسيج الجمعوي أدى إلى تطوير تجربة الاشتغال وتنوع الخدمات المقدمة، حيث بدأت تظهر خدمات جديدة موجهة بشكل مباشر نحو المواطنين ومرتبطة أساسا بقيم الديمقراطية والمواطنة وتسعى إلى محاربة الفقر والأمية في أفق تنمية مستديمة. بهذا أصبح المجتمع المدني شريك أساسي للحكومة في تحمل المسؤولية, خصوصا بعد التحول الذي عرفته الإدارة الحكومية حيث انتقلت من دورها الكلاسيكي إلى وضع جديد تتفاعل وتتكامل فيه مكونات المجتمع الأساسية: القطاعات الحكومية، القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني بمكوناتها المتعددة. ومعنى هذا أن القطاع الحكومي لم يعد المخطط والمنفذ الوحيد للبرامج والأنشطة الاقتصادية والخدماتية، بل أصبح شريكاً لمكونات وقوى مجتمعية أخرى تتعدد وتتشابك مصالحها إلى حد التعارض أحيانا. تعتبر الجمعيات أحد أبرز المكونات الفاعلة في المجتمع المدني لأنها تشكل النمودج الأساسي للمجتمع المدني, مثلما تعتبر إطارا تنظيما لتأطير المواطنين وتوعيتهم, و ذلك من أجل المساهمة في التنمية البشرية عن طريق الاستثمار في العنصر البشري بهدف إدماجه في عملية التنمية البشرية. فالتنمية البشرية كفكرة تقوم على أساس خدمة الإنسان، فكل ما هو موجود في الكون إنما وجد ليستفيد منه الإنسان ويتمتع به, حتى يتطور هذا الإنسان ويحسن أوضاعه وظروف حياته، إلا أنه كمصطلح قد نتفق أنه حديث الظهور بمعنى أن المضمون سبق المصطلح، هذا وقد عرف تعريف التنمية البشرية مدا وجزرا بين تيارات فكرية متعددة حسب خلفية واعتقاد كل مفكر على حدة, إلا أنها تلتقي في نفس الغاية وهي استهداف الإنسان بواسطة الإنسان. فمفهوم التنمية البشرية حسب برنامج الأممالمتحدة الإنمائي يتألف من ثلاثة عناصر رئيسية هي: تنمية الانسان، أي تعزيز القدرات البشرية والصحية لكي يتمكن الناس من المشاركة الكاملة في مختلف نواحي الحياة. والتنمية من أجل الانسان، بمعنى توفير الفرصة لكل الناس للحصول على/ أو اكتساب حصة عادلة من المنافع الناتجة عن النمو الاقتصادي. والتنمية بالانسان، بمعنى توفير الفرصة لجميع أعضاء المجتمع للمشاركة في تنمية مجتمعهم. بنسبة لمدينة مرتيل فعدد الجمعيات في تزايد مستمر, يقارب 150 جمعية إلا أن أغلبها لا تتوفر على مقر, مما يؤثر على عدد الجمعيات النشيطة و العاملة بكيفية مستمرة و التي لا يتعدى عددها 60 جمعية, تنشط في مجالات مختلفة, منها 12 جمعية في المجال الرياضي, 24 جمعية في المجال الإجتماعي, 19 جمعية في المجال الثقافي و 4 جمعيات في المجال البيئي مع ذلك فأنشطتها محدودة و موسمية, ترتبط أساسا بمدى دينامية أعضائها و بدرجة إلتزامهم و كفاءتهم. كما أن الجانب المادي يعد من أهم العوائق التي تواجهها جمعيات مدينة مرتيل, رغم أن الجماعة الحضرية أنفقت خلال سنة 2010 ما يقارب 200 مليون سنتيم من أجل دعم الجمعيات و الأنشطة الجمعوية ( 40 مليون سنتيم كإعانات لمؤسسات اجتماعية, 60 مليون سنتيم كمنح للجمعيات الثقافية, 60 مليون سنتيم مصاريف الأنشطة الثقافية و الفنية, 25 مليون سنتيم إعانات للجمعيات الرياضية ... ), و تبقى هذه المبالغ ضعيفة بالمقارنة مع ميزانية الجماعة و عدد الجمعيات المتواجدة, حيث أن عدد قليل من الجمعيات تستطيع الإستفادة من هذا الدعم, و الذي من المفروض يجب أن يراعى في توزيعه عدد من الشروط و المقاييس المضبوطة والشفافة, كما أنه يتوجب تحديد أجل زمني من أجل قبول الملفات و أي تأخير في تقديم الطلب قد يؤدي إلى رفضه, وعادة ملفات طلب المنحة تتضمن عدد من الوثائق منها:طلب باسم السيد رئيس الجماعة الحضرية, استبيان مدقق للأنشطة ( عبارة عن استمارة يتم سحبها من قسم العمل الجمعوي و التنشيط الثقافي و الرياضي), التقريران الأدبي و المالي برسم السنة الماضية, شيك ملغى باسم الجمعية يتضمن رقم الحساب. بالإضافة إلى ملف القانوني يضم عدد من النسخ لكل من وصل الإيداع النهائي المسلم من طرف السلطات المحلية مصادق عليه, محضر الجمع العام الأخير, لائحة أعضاء المكتب والقانون الأساسي للجمعية. حيث يتم إيداع هذه الملفات بمكتب الضبط . ما يمكن استخلاصه من النسيج الجمعوي المرتيلي أن هنالك تكثلات جمعوية متباينة شكلا ومضمونا منها من يعنى بقضايا المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان ومنها من هو منخرط في الحقل التنموي يحاول تأطير الشباب والمرأة والطفل, كما أن هناك جمعيات ذات المرجعية الإسلامية تركز على التربية كهدف عام لها وتعتنى بالقضايا الاجتماعية كمحو الأمية وتعليم المرأة العديد من المهارات, بالإضافة إلى عدد من الجمعيات الثقافية تهتم بالسينما و المسرح و بعض الجمعيات الرياضية, و لكن نجد أن عدد كبير من ساكنة مدينة مرتيل لايستفيد من خدمات هذه الجمعيات للأسباب عدة, نذكر منها: سيادة البيروقراطية داخل بعض الجمعيات و تدبير الشأن داخل مكاتب الجمعيات بطريقة غير ديمقراطية, سجن العمل الجمعوي ضمن استراتيجيات الضيقة, عدم احترام ضوابط العمل ومحدداته, كثرة الجمعيات ذات التوجه السياسوي و استغلال الشباب لهذا الغرض بسبب الخلط بين العمل الجمعوي و العمل السياسي مما يطرح لبس لدى الشباب, تحويل الجمعيات إلى إطارات ونوادي مغلقة نخبوية في انعزالية شبه تامة عن الشباب وهمومه, مما يؤدي إلى إقصاء عدد كبير من شباب المدينة كما أنه يتم التغاضي عن دعم الجمعيات ذات المؤسسين الشباب. و لهذا و لكي يتم الرقي بالعمل الجمعوي بصفة عامة لابد من العمل على تعبئة و تحفيز الشباب للمشاركة في العمل الجمعوي و خلق قنوات التواصل فيما بينهم من أجل تقاسم القضايا و المشاكل , إعادة النظر في هيكلة الجمعيات المغربية و تشبيبها ,عدم استغلال الجمعيات في الانتخابات السياسية و استعمالها للحملات الانتخابية لحزب ما و العمل على نبذ الأفكار السياسوية داخل الجمعيات و شحن الشباب بها ,بناء الجمعيات على أسس ديموقراطية دون إقصاء, عدم احتكار المناصب داخل مكاتب الجمعيات مع التأكيد على أحقية المؤسسين, توفير الحماية القانونية لتجديد النخب بطريقة ديمقراطية , التحلي بالثقة الكاملة في قدرات الشباب لتسيير الجمعيات ,محاولة التغلب على الاكراهات المادية و تمويل الجمعيات من قبل الدولة بطرق موضوعية مع اعطاء أهمية للجمعيات الشابة, ضرورة استعادة دور الشباب لمكانتها و مصداقيتها ,ضرورة النضال داخل الجمعيات حتى لا تهدر حقوقها, دعم مبادرات الشباب الجمعوي, المرور إلى الاحترافية في العمل الجمعوي ضمانة لدينامية الشباب, خلق مزيد من الشراكات مع القطاعين العام و الخاص لتفعيل مشاريع الشباب و وضع برنامج عمل لتكوين شباب جمعيات الأحياء للعمل عن قرب. *مستشارة جماعية بجماعة مرتيل الحضرية