بقلم:حميد الأشقر في سنة 1973 فجّر فجْر أحد أيامها مفاجأته السارة، حينما وزّع البشرى السعيدة بالتساوي على ساكنة مدينة تطوان معلنا ميلاد طفلة يسكن الشعر في لولب جيناتها الداخلية : الحمامة البيضاء تنجب فاطمة الزهراء
لم تكن الطفلة الصغيرة فاطمة الزهراء تعلم وهي تحبو وتنمو كملاك أعارته السماء جمالها، وتلهو بين دواوين الشعراء في رفوف مكتبة أخيها بنيس أنها ستصبح في يوم من الأيام نجما يتسامى بين الأنجم في الأعالي، ويحترق بوقود الشعر
كان لا بد للحمامة البيضاء، مدينة الفنون الجميلة، أن ترضع طفلتها الصغيرة من حلمة هذه الفنون المبثوثة في أرشيفها وأرشيف الكون، وكان لابد لإبنة الحمامة أن تتعلم الهديل والطيران
ما أعنيه بهذا العنوان : حمامة تطوان، ليس حصر الشاعرة التطوانية فاطمة الزهراء بنيس داخل أبواب المدينة السبعة أو لبس شِعرها جلبابا طائفيا، بل أقصد أن قدر الشاعرة أن تعيش ككائن مرفرف يرنو دوما إلى النجوم، وأن الشعر هو الكائن الوحيد الذي يسافر في كل الدنيا فوق أجنحة الحمائم البيض، ويدخل قلوب الناس وبيوتهم بالحب والرضى
رفرفتْ حمامة تطوان وحلقت عاليا في سماء الشعر والجمال، وكم هو جميل أن تطير الحمائم كما تشاء وتغني كما تريد صدر للشاعرة فاطمة الزهراء بنيس أول ديوان شعري : لوعة الهروب عام 2004، ثم ديوان : بين ذراعيْ قمر عام 2008، ديوان : شهوات الروح وديوان : طيف نبي سيران النور قريبا شاركتْ الشاعرة في عدة مهرجانات شعرية وملتقيات أدبية وثقافية وطنية وعربية ودولية مهرجان الشعر العالمي : مقدونيا الملتقى الاسباني للشعر النسائي : اسبانيا مهرجان أصداء الجبل للشعر العربي : سورية حازت على جائزة الشعر من مؤسسة النور للثقافة والابداع في السويد بالقصيدة التالية
مسبحا بنعمة الطيش
حينما اجتررت عكس قدمي اختفيت على جناح آسر تجليت رفرفتُ ... غنيتُ ... رقصتُ عشقتُ ... بكيتُ ... فكتبتُ عن سفري المفاجيء إلى موت يحتمل الحياة عن نعمة الطيش في بلاد الصفر عن لوعتي بالهروب عن هطول القمر عن التفاح الذي كان حلما وصار مصيرا عن انجرافاتي عن ابتهالاتي عن انكساراتي كتبت
الشعر هو الوسيلة الراقية الوحيدة للتعبير عن اللذة والألم والانفعال في مراحل المواجهة مع كل شيء في هذا الوجود وكل شعر في الدنيا انما نجم، وقدر شاعرتنا أن تضع النجوم حيث يجب أن تكون، فتأتينا بقصيدة تشبهها، فيها بضعة منها، فيها حياة منظورة من خلال مرآتها الداخلية، ظللتها بظلالها، صبغتها بأصباغها، فيها من الصدق ما يعبر عن نفسها وإحساسها ويمثل شعورها، فيها كلمات سيرددها الغد بألسن عديدة
بعكس العين
ليس رحيقا ما تنثره الورود إذا قطفتْ هو سؤالها الوجودي بأيّ ذنب وئدتْ ؟
سيدة الرغبات
ليلة كنتِ نصفَكِ تجادلين الغيب عن نصفك الآخر لم تدركي حينئذٍ أن الاكتمال فناءْ . . إني أختنق برغباتي إني أندثر بنفحاتي إني أهيم من صحراء إلى صحراء وفي هيامي احتراقي وفي احتراقي فنائي وفي فنائي تبشير بحياة أخرى
ترتيلة فجر
أنا المحرمة على نفسي تؤنبني نفسي إذا اعتراني قدر العاشقينَ " طوافي حول الممكن سقام وطوافي حول المبتغى جحيم "
ليس في شعر فاطمة الزهراء بنيس ما يشل الحس ويقيد التفكير والخيال، بل يطلق أصدائه تسري بنشوة في عقل الخيال فيحلقان في عالم السمو والجمال، فالشاعرة غير مطالبة بوصف حقائق ثابتة لا يختلف عليها العارفين، إنها تخاطب فينا الوظائف الحسية والملكات الروحية، وتحرك في أعماقنا قوة الوجدان الباطنية المدركة للصور والمعاني، فنراها تطوف حول الحقائق كما تطوف الفراشة حول الزهور، وتتغنى بصورها كما تتلفظ العصفورة قدوم الربيع، ترسم لنا صورا تعنينا، وتصور لحظات لا شأن لنا بغيرها، تحرك طواحين التساؤلات التي لا تنتهي هل هناك عناصر مشتركة بين "علامتيْ " ثقافتيْ " القطف والوءد ؟ إذا كانت الورود لا تدري ما الكلام وما الآلام، كيف ندرك معاناتها ؟ لماذا أُفرغتْ كلمة " الاكتمال" من محتواها الكميائي ؟ لمَ جاء مفهوم " الفناء " هنا سوداوي، وهناك يحمل بشرى سعيدة ؟ هل جحيم الجمال ونعيمه شيء واحد ؟ ما جدوى النعيم وبيننا وبين الكمال غاية ؟
الشاعرة والأديبة والكاتبة التطوانية فاطمة الزهراء بنيس تكتب لكل من يشاركها في الإنسانية، تؤسس لأرضية تنبت فيها كل أنواع الورود والزهور، تكثر فيها الفراشات والعصافير، تتساوى فيها الاناث والذكور تستمد منها الحياة رونقها، تستعيد فيها الانسانية بهاء وجودها، ويعم فيها الحب والأمن والسلام