في صمت و اخلاص يليقان بالأدباء الصادقين ، يواصل الشاعر و المترجم نور الدين الدامون مشروعه الابداعي باصرار وتفان كبيرين، سواء تعلق الامر باستكشاف مناطق جديدة في الكتابة الشعرية او بترجمة اعمال شعرية لشعراء كانوا ولازالوا يتربعون على قمم الشعر العالمي فبعد اصداره لعدة دواوين شعرية، احتفى من خلالها نور الدين الدامون بإشكاليات العيش في المغرب، على صعيد السياسة و الوجدان المشروخ بقوة المعاناة و الرياء الدائم، وكذلك على صعيد الحياة البسيطة بين عامة الناس، والتماهي مع اسئلتهم الخفيفة لكن العميقة حول المعاني التي قد تحملها ظواهر الحياة وتقلباتها، انتقل نور الدين الدامون الى مرحلة جديدة، دشن من خلالها مشروعه الطموح و الجبار بترجمته لكبريات القصائد الانسانية و تقديمها للقارئ العربي، حتى يتسنى لهذا الاخير ولوج الفضاءات الجمالية المدهشة لشعراء كبار امثال الاسباني لويس سرنودا في ديوانه " الواقع و الرغبة "، و كوكبة اخرى من الشعراء المجايلين لسرنودا من " جيل 27 " و غيرهم و اليوم، و في صمت لوزارة الثقافة و لامبالاة مطلقة للمؤسسات الثقافية و الاعلامية يصر الشاعر نور الدين الدامون على مواصلة مسيرته لمحو الصمت المريب بإقدامه على ترجمة كتابه " انطولوجيا الشعر الفرنسي للقرن العشرين"، الصادرة ببيروت عن دار "الناية" للنشر و التوزيع، و تحوي مائة و تسعة و ثلاثين قصيدة، متفاوتة الطول و النفس، لكنها توفر للقرائ العربي منجماً فريداً يمكنه التنقيب بين كنوزه و تشكيل صورة واضحة عن الذات الفرنسية، و كيفية استبطانها لما حولها من كائنات و مجتمعات و طبيعة، لِتَنْتَصِبَ كمرآة يرى فيها العريبي حدود الذات و إمكاناتها المتناهية، في السياسة و الشِّعرْ و طرق العيش، مساهما على هذا النحو في تجسير المسافة التي تفصل الحضارات والثقافات بعضها عن بعض وبالإضافة الى الأسماء الكبرى لكل من بول الوار و هنري ميشو و جان كوكتو و اندرية بروتون و غيوم ابولينير و لويس أراغون وغرهم، يجد القارئُ المستكشف العربي نفسه في حضرة شعراء غير معروفين، لكنهم لايقلون عن سابقيهم في حساسيتهم المفرطة و دفقهم الروحي و وعدهم و حدوسهم الذاتية لاكتناه لغز صيرورة الحياة و معمياتها، وتجديد شباب الادراك العقلي و الروحي لدى النسانية. وفي تقديم قصير بعنوان " شعر حاضر" يقول جان شاربترو، صاحب هذه الأنطولوجيا، "هذا هو حال شعر هذا القرن شعر ابولينير و السرياليين، و المقاومة و الحرية، انتهى هذا القرن و بزغ قرن آخر، و الشعر يواصل مسيرته، الشِّعْرُ دائماً حاضر." ثم يضيف: "القراء الشباب هم القوة الأخوية... وعليه يمكن القول أن الشعر هو الربيع الخالد للعالم"