برنامج خاص تقاسمته سلسلة أنشطة على قدر عال من جهد واجتهاد وتواصل وتحسيس ورمزية وطنية على امتداد شهر يناير الجاري، هو ورش احتفاء المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير من خلال النيابة الجهوية للمندوبية السامية بفاس، والذي شمل جملة جوانب توزعت على أمكنة وفضاءات متباينة بمدينة فاس مهد عريضة المطالبة بالاستقلال التاريخية 11 يناير 1944. وبقدر ما كانت عليه فاس من برنامج عمل دؤوب ومسترسل ومن فقرات احتفاء بهذا الحدث الوطني، بقدر ما استحضرت فاس باحتفائها هذا قيم كفاح وصمود واخلاص وتضحيات وفداء للوطن، كذا التعريف بمحطات البلاد وأحداثها التاريخية وملاحمها البطولية إذكاءً لروح الوطنية لدى الناشئة وإنماء للمواطنة الإيجابية خدمة لحاضر البلاد ومستقبلها. على هذا الايقاع خلدت أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بفاس، الذكرى السابعة والسبعين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، المعركة التي خاضها الشعب المغربي بقيادة بطل التحرير المغفور له محمد الخامس رحمه الله من أجل الحرية والاستقلال. ولعل ما كان عليه احتفاء فاس من تميز طبع هذه السنة بمناسبة الذكرى 77 لوثيقة المطالبة الاستقلال، هو ثمرة جهد واجتهاد أطر النيابة الجهوية للمندوبية السامية بفاس وثمرة اتفاقية تعاون وشراكة مبرمة بين المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وجامعة سيدي محمد بن عبد الله وكليتها للآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس. هكذا تظافرت جهود أطر المندوبية السامية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير على مستوى فاس ورئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله وعمادة كلية الآداب سايس فاس فضلاً عن جهود عدد من الباحثين والمثقفين والمبدعين .. ما جعل سبل الاحتفاء رؤية وإعدادً وتنزيلاً في مستوى الحدث. في هذا الاطار وضمن نفس برنامج الاحتفاء الفكري العلمي والوطني وتخليداً للذكرى 77 للانتفاضة الشعبية ليوم 31 يناير 1944 بفاس، رتبت النيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بفاس ندوة علمية في موضوع "من مطالب الإصلاحات إلى مطلب الاستقلال: نضالات ومواقف وتضحيات" عبر تقنية التناظر المرئي (Google meet). موعد احتفائي علمي بالمناسبة اجتمع لتأطيره كل من الدكتور بدر الصيلي النائب الجهوي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بفاس؛ والدكتور سمير بوزويتة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، والدكتور عبد المالك اعويش عميد كلية الشريعة بفاس، والدكتور عبد السلام انويكَة أستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، فاس- مكناس، والدكتور فؤاد قشاشي أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية مكناس، ثم الدكتور جواد الفرخ إطار بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، فاس. الندوة ستبث يوم الأحد 31 يناير الجاري الساعة الرابعة مساء على الصفحة الرسمية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير (فيسبوك) كذا على صفحة فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بفاس (فيسبوك). يذكر أن ندوة فاس العلمية التاريخية هذه، تأتي في اطار تخليد الشعب المغربي في طليعته نساء ورجال الحركة الوطنية وأسرة المقاومة وجيش التحرير، للذكرى السابعة والسبعين للانتفاضة الشعبية 31 يناير 1944 التي تشكل محطة مشرقة في ذاكرة البلاد الوطنية وتاريخها، بالنظر لما كانت عليه من صور بطولة وإقدام ونبل ووفاء وتضحية تعد بحق ملحمة وضاءة في مسار كفاح المغاربة الوطني من أجل الحرية والاستقلال. وغير خاف أن انتفاضة فاس الشعبية أواخر يناير 1944 ، جاءت أولا تأييداً لمضامين وثيقة المطالبة بالاستقلال وتفاعلاً مع ما كانت عليه من صدى كبير غير مسبوق، وثانياً استنكاراً لحملات تقتيل وتنكيل واعتقالات واسعة أقدمت عليها سلطات الحماية الفرنسية بالمغرب، مستهدفة رجال الحركة الوطنية وكافة أبناء الشعب المغربي إثر تقديم هذه الوثيقة التاريخية التي جسدت ارادة العرش والشعب من أجل حرية البلاد واستقلالها. ولعل مدينة فاس بتخليدها لهذا الحدث الوطني من خلال ندوة "انتفاضة 31 يناير 1944″، تستحضر ذكرى وطنية مجيدة بدلالات رمزية عدة تجمع بين ما هو حمولة وطنية وقيمة تاريخية وبين ما تحتويه الذاكرة الوطنية من ملاحم كفاح وتضحيات في سبيل تحقيق حرية البلاد واستقلالها ووحدتها الترابية. مع أهمية الاشارة الى أنه في مثل هذا اليوم من أواخر يناير 1944، خرجت حشود من جماهير فاسالمدينة القديمة منددة بما أقدمت عليه الاقامة العامة بالمغرب من اعتقالات في صفوف زعماء الحركة الوطنية. ومن هنا فإن وثيقة 11 يناير للمطالبة بالاستقلال لم تكن فقط بصدى وأثر وطني واسع، بل أيضاً وراء هيجان شعبي شمل عدد من مدن البلاد منها فاس بحكم رمزيتها التاريخية والروحية وطبيعة مؤسساتها العلمية والثقافية كذا نخبها السياسية والعلمية. هكذا جعلت وثيقة مطلب الاستقلال 11 يناير 1944، السلطان محمد بن يوسف رحمه الله بموقع ووقع أكثر قوة. فرغم ما عقدته معه سلطات الحماية من لقاءات استهدفت تحديد موقفه ورغم ما تعرض له من ضغوط واستفزاز، اتسعت انتفاضة المغاربة وارتفعت اصواتهم في فاس وغيرها من المدن مرددة "تسقط فرنسا" "عاش الملك" "عاش الاستقلال" "لتخرج فرنسا"، خاصة بعدما تطورت الأمور إثر اعتقال كل من أحمد بلافريج وعبد العزيز بن ادريس ومحمد لن الهاشمي وعبد الرحيم بوعبيد بتهمة الإعداد لتنظيم كفاح مسلح بتعاون مع الألمان. كلها تطورات ومضايقات أقلقت سلطان البلاد وكانت بأثر كبير في تدهور علاقته بالاقامة العامة في المغرب. في هذا الاطار وعلى مستوى فاس كان من المعتقلين "محمد الفاسي نائب رئيس جامعة القرويين، ومحمد الزغادي رئيس جمعة قدماء تلاميذ المدارس الاسلامية بالمدينة، لتدخل فاس اثر ما شهدته من تطورات في عصيان وردود فعل أواخر يناير 1944 أسفرت عن أربعين قتيلاً ومائة جريح. فقد تدخلت القوات الفرنسية بشكل عنيف بفاس القديمة، وتم القاء القبض على مآت من الشباب بعد خروجهم من مسجد كانوا يتجمعون فيه. هكذا كانت مدينة فاس بدور وإسهام بارز متميز من خلال انتفاضتها ضد غطرسة سلطات الحماية، وهكذا كانت فاس بتأييد واسع جماهيري لوثيقة المطالبة بالاستقلال دفاعا عن مقدسات البلاد الدينية وثوابتها الوطنية. من أجل كل هذا وذلك من مساحة ذاكرة وطن، كانت ندوة "انتفاضة 31 يناير 1944 بفاس" احتفاء بالحدث وتحسيساً بما يحتويه من دلالات تاريخية وطنية. هكذا اجتمع ثلة من الباحثين عن كل من كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس وكلية الشريعة بفاس والمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بفاس وكلية الآداب والعلوم الانسانية بمكناس والنيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بفاس، في موعد علمي استهدف رمزية حدث وطني بقراءة زمنه وأمكنته وسياقاته وتجلياته وآثاره، كذا ابراز ما هي عليه فاس الحاضرة التاريخية العريقة من ذاكرة غنية ومحطات وطنية وملاحم سَلف على قدر عال من رمزية تستحق كل تأمل واعتزاز وإجلال وإكبار من خَلف. مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث