في ليلة من شهر شباط القارس، ذهبت أفكاري أن استأجر قارب فالليل طويلٌ في شهر شباط ولا بد بأن أعبر نهر الليل، إلى الضفة الأخرى، صعدتُ على متنِ القاربِ، لا أفقهُ مما يحدثُ شيئاً، لا أملكُ أي تعاليمٍ لم يُرسَم لي دربٌ كنت على متن القارب وحدي، أُمسِكُ مجدافين.. وأجدِّفُ نحو الضفة الأخرى ولا شيء سوى ذلك، حين وصلت.. كان الفجر بتلك الضفة يتوظأ ليصلي يتعوذ من همزات الشيطان ولمزاته كان عليّ أيضاً إعادة ذاك القارب من حيث أتيت به، في الضفة الأولى لليل حيث غروب الشمس، وظن ثم كان عليّ أن أتركه وأغادر..!! هنا حيث الضفة قالت لي نورسةٌ ليس لها وطنٌ، لا يمكن تركُ القاربِ عليك بأن تجد الشخص الآخِر ليبحر معك إلى الضفة ثم تسلمه المجدافين وتمضي في حال سبيلك ثم ستصبح حراً، من ذاك اليوم ومن تلك اللحظة وأنا أعمل في نقل الناس كبضائع تاجر يتهرب من مصلحة الجمرك من الضفة وإلى الضفة، من ذاك اليوم وأنا أسألهم من هو آخِر شخص في الرحلة؟ هل أنتَ أم أنتِ؟ ويجيبون جميعاً لسنا آخِر شخصٍ في الرحلة.. بعد سنين قابلت النورس مرة أخرى، وقد صار عجوزا، أخبرني: "لعنة هذا القارب صنعت قدرك!". وصار الحلم أكثرُ وعياً في هذي المرة.. صار بأن أتحرر، أن أجد الشخص الآخِر في الرحلة.. لابد لأتحرر من لعنة هذا القارب أن أجد الرقم المتناهي.. آخِر رقمٍ في الرحلة.. يا ربّ متى أتحرر من هذي اللعنة، وأغادر هذا القارب..؟! يارب متى يأتي، من يعتق كفاي من المجدافين.. ويعتق قلبي من ربق اللعنة..!! فكرت مليّاً.. فكرت طويلاً.. فكرت سنيناً.. لم يبق أحد غيري.. أيكون أنا هو آخِر شخصٍ في الرحلة؟! ذلك ما قالته نوارس نهر الليل في آخر لحظة..!!.