كانت الساعة تشير إلى منتصف الظهيرة حين دخلت قاعة من قاعات دار الثقافة بمدينة شفشاون، هناك كان يجلس العشرات ينصتون لخمس شخصيات يتحدثون في واحدة من الندوات التي عقدت في إطار "الملتقى السابع للكاريكاتير والإعلام". كانت الشخصيات التي برزت مغربيا في الإعلام أو في الكاريكاتير، تتحدث في مواضيع شتى لكنها أجمعت على أن الكاريكاتير كالإعلام يعاني من قيود على حرية التعبير، ويهدد سلامة المهنيين، ويعرقل مسيرة المغرب في الإبداع، و...و....و...وجلست كالجالسين أنصت للمتحدثين، وفي إنصاتي كنت أتساءل: "هؤلاء المتحدثون في الندوة كلهم رجال، هل معنى هذا أن السخرية سلوك ذكوري بامتياز، وموهبة منحت للرجل دون المرأة؟" أخذت موبايلي أستنجد بمحرك غوغل، وبدأت أبحث عن أسماء نسائية مغربية في مجال الكاريكاتير، لم أجد شيئا يذكر، فاشتد التساؤل في ذهني، فتح منشط الندوة باب الأسئلة، قمت كأي مواطن تبادر إلى ذهنه تساؤل وأراد أن يتشاركه مع أهل الاختصاص لعلهم يروون عطشه ليعرف "هل السخرية بالكاريكاتير سلوك ذكوري؟". وأنا أشارك تساؤلي مع من يصنفون"جهابذة الكاريكاتير والإعلام" في المغرب، كنت كلي ثقة أنه سيجد صدى لدى المتحدثين الذين كانوا منذ قليل "يتباكون" على تقييد "جهات ما" لحريتهم في التعبير والإبداع، وحتى النقد السياسي، لأتفاجأ أن تساؤلي يثير غضبا شديدا من صناع الكاريكاتير، وغضبا أشد من المنظمين للملتقى، وصمتا من الإعلاميين المتحدثين، باستثناء واحد منهم أعلن تضامنه مع شخصي ومع موقفي، ليتحول تساؤلي عن "السخرية في المؤنث" إلى "الغضب من المؤنث"، وهو ما جعلني أتساءل أكثر"هل وعى هؤلاء الذين كانوا منذ قليل يشتكون من قيود على حرية التعبير أنهم تناقضوا في مواقفهم وهم يردون بغضب على تساؤل ورد في ذهني؟". لنتأمل قليلا الإجابات التي تلقيتها على تساؤلي: هل السخرية سلوك ذكوري؟ حتى في فرنسا لا يوجد رسامات كاريكاتير نساء - مديرة دار الثقافة في شفشاون امرأة - -رسم الكاريكاتير مهنة وليس مجرد هواية لقد قمنا بدعوة أربع كاريكاتيريست نساء لكنهن لم يحضرن - أنتم النساء أخبرننا بسبب عدم ولوجكن عالم الكاريكاتير - الملتقى لا يقوم بالإقصاء ولو كان هناك كاريكاتيريست نساء لقمنا بدعوتهن - جبدتي على راسك الصداع- كونوا لبؤات وكولونا....- لو كنا نعلم بحضورك لخصصنا لك مكانا بين المتحدثين- تساؤلي أغضب الكاريكاتوريين ومنظمي الملتقى حتى أنهم"بداو غير كيشايرو في الأجوبة بدون ميزان"، معتقدين أني أتهمهم بإقصاء النساء من عالم الكاريكاتير، ولا عاقل بينهم"وهنا أوجه لومي للإعلاميين المخضرمين اللذين كانا في المنصة، واللذين قاما بالثناء والإشادة بتساؤلي لكن في حديث جانبي بيني وبينهما"، تدخل ليوجه دفة الكاريكاتوريين والمنظمين، ويذكر بما أشرت إليه وهو طلبي بأن يقوم الملتقى في نسخته القادمة بتنظيم ندوة حول "السخرية في المؤنث وأسباب ضعف تواجد كاريكاتيرست نساء في المغرب، وهل السخرية عامة سواء عبر الكتابة، أو الرسم سلوك ذكوري تعجز المرأة عن سبر أغواره؟". بعيدا عن هذا القبح، كان هناك أثر جميل لتساؤلي وهو ذاك العصف الذهني الذي استطعت خلقه وأخطا طريقه إلى ذهن أهل الاختصاص من صناع الكاريكاتير، ليصيب ذهن بعض من الحضور والذين بدأوا يتسارعون في تقديم الإجابات عن تساؤل فكري، لكن للأسف القائم على التنظيم وهو "صحفي"، كان همه الأكبر هو "استتباب الأمن" داخل القاعة، وأن هناك "أساتذة" يتحدثون، وما على الحضور إلا طرح السؤال عليهم وانتظار الجواب، وأهم من ذلك التزام الصمت، لأطرح هنا تساؤلا أكبر:"هل يعي هذا المنظم وهو يمارس ديكتاتوريته على المواطن في ندوة تطالب بحرية التعبير والإبداع، أن هذا الملتقى ينظم بدعم من وزارة الاتصال ومن الجماعة المحلية بمعنى أن الأموال التي صرفت عليه هي أموال دافعي الضرائب التي يدفعها هذا المواطن الذي يشارك في هذه الندوة ويطلب منه أن يسأل ويستمع ويصمت؟". انتهت الندوة، لكن ردود الفعل على تساؤلي لم تنته، في الطريق إلى المطعم، على مائدة الغذاء، وفي صالون الفندق كان كل شخص يتحدث إلي يحاول أن يجيب على ما اعتبروه"سؤالا"، وصححت لهم أنه"تساؤل علينا كلنا بدون أي تمييز جندري محاولة التفكير فيه وليس مجرد إيجاد رد عليه". غادرت شفشاون، وأنا أتذكر ذاك اليوم الذي كنت فيه باستوكهولم أحضر كواحدة من "خريجي البرنامج السويدي للقادة الشباب"، ندوة حول"التغيير الإيجابي عبر الإعلام والموسيقى"، وكانت الندوة تبث مباشرة على القناة السويدية، ليأخذ أستاذي السويدي الميكروفون ويقول ما لم أنسه يوما"أنا هنا في منصة المتحدثين أحب أن أخبركم أني أشعر بالعار لمشاركتي فيها، نحن أربع محاضرين ليس بيننا امرأة وأرفض أن يتم إقصاء المشاركة النسائية بهذه الطريقة الفظيعة". في السويد، الدولة التي تصنف من أكثر الدول احتراما للنساء، يقوم رجل ليعبر عن شعوره بالعار للتواجد في ندوة لا نساء فيها، دون أن يقول إنهم سوف يصفوني ب"الخائف من زوجته"، أو"ولد ميمتو"، وفي المغرب، حين تطالب امرأة بحقها في التواجد توصف ب"الفيمينيست"، وفي ملتقى شفشاون للإعلام والكاريكاتير حين شاركت بكل حسن نية تساؤلا مع من كانوا يشتكون من قمع حرياتهم، لم يخجلوا من أنفسهم، وهم يحاولون قمع ليس فقط حقي في التساؤل، بل أيضا حق هذا المواطن الذي كان جالسا يستمع وأراد أن يشارك برأيه لكن تم قمعه، لأنه في المغرب على المواطن أن يدفع من أمواله للضرائب، حتى تقدم بكل استسهتار لهكذا ملتقيات تنظم لمن يصنفون"مبدعين تقيد حريتهم"، وعلى المواطن أن يحضرها، ليستمع إليهم، ويكتفي هو بالإنصات إليهم...في صمت.