عندما سألت أحد نشطاء العدالة والتنمية عن السبب الذي جعل الراحل عبد الله باها يذهب ليلا إلى بوزنيقة في يوم أحد ويترجل في الخلاء حتى يصل إلى خطوط السكك الحديدية، أجابني ببلاغة المؤمن المصاب: «لقد ذهب إلى قدره»! ولكن هذه الطمأنينة النابعة من رحم زلزال موت الرجل الثاني في الحكومة وطريقة هذا الموت القاسية والمأساوية لم تكن لتخفي الأسئلة الحارقة التي تروج اليوم داخل عائلة الراحل وزير الدولة عبد الله باها الكبرى ووسط الرأي العام عموما، وهي أسئلة محيرة وملغزة وعصيّة على التجاوز. فما الذي سيقود رجلا من حجم ووزن باها إلى بوزنيقة وحيداً وفي منطقة خلاء ومظلمة؟ وهل يمكن تصديق رواية أنه ذهب ليتفقد المكان الذي غرق فيه الراحل أحمد الزايدي، خصوصا أنه لم تكن هناك مناسبة لذلك وأن الظلام سيكون عائقا أمام رؤية المكان؟ وكيف يترجل باها من سيارته ويذهب راجلا ليقطع خطوط السكة الحديدية دون أن يكون له مرافق أو دليل؟ وفي الظلام كيف لم ينتبه عبد الله باها لا لإنارة القطار التي تكون قوية عادة ولا لصوته المجلجل ولا لتردداته التي يحس بها سكان الدور المجاورة للسكة الحديدية فما بالك برجل كان يوجد فوق هذه السكة؟ وحتى بالنسبة لأولئك الذين بدأوا يطرحون كل الاحتمالات، هناك من فكر في إمكانية إقدام الراحل على الانتحار، ولكن لا شخصية الرجل ولا حياته ولا الدور الذي كان يقوم به بجانب صديق عمره رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، ولا انتماؤه الإيديولوجي يرجح هذه الفرضيّة. فما الذي جرى بالضبط؟ إنه السؤال المنتظر أن يجيب عنه التحقيق الذي أعلنت وزارة الداخلية أنها فتحته فورا، والجواب يجب أن يكون سريعا ودقيقا، لأن القضية تتعلق بوزير دولة وبحادثة غريبة، وقد اعتدنا أن نسمع عن فتح تحقيق في نازلة معينة دون أن تعلن نتائجه للرأي العام، ودرءاً لكل التأويلات لابد أن يعرف الرأي العام ماذا جرى بالضبط في هذه الحادثة الهيتشكوكية حتى تطمئن القلوب، ورحم الله عبد الله باها. نورالدين مفتاح مدير نشر أسبوعية "الأيام".