تتطلع كل نساء العالم إلى الثامن من مارس، اليوم العالمي للمرأة، هذا اليوم الذي يسيل فيه مداد الأقلام لإثارة كل ما يهم قضايا المرأة و ما تحقق لها من مكتسبات، وكذا ما تطمح إليه من تعزيز و حماية لحقوقها على جميع الأصعدة. بيد أنه و رغم كل المجهودات، إلا أن الدرب لا زال طويلا أمام المرأة في مسيرتها، ففي زمن لم يعد فيه للفقر عتبات نجد نساء يعشن وضعية هشة يتم تجاهلهن بشكل تام، حيث أنه، و رغم ظروفهن المزرية، إلا أنه ليس لهن و لا لقضيتهن ذكر في أي برنامج تنموي أو مطلب من مطالب النهوض بوضعية المرأة، فكأنهن نساء أشباح!! و بما أن الحاجة أم الاختراع، فإن الظروف الاجتماعية المزرية و قلة ذات اليد، ناهيك عن انعدام أي مستوى تعليمي قد يعطيهن الأمل فيما هو أفضل، دفعت بهؤلاء النسوة الأشباح إلى النحت في الصخر من أجل كسب لقمة عيش لا تسد رمقا و العمل في إطار مهن قبلت بهن و ليس مهن قبلن بها. رغم مرارة صبر هؤلاء النسوة و كدهن المجهد طول الوقت، إلا أنهن لم يبخلن علينا بمشاركتنا قصصهن الإنسانية وشريط معاناتهن مع لقمة العيش أملا في التنفيس و لو للحظات عما يثقل كاهلهن و رغبة في أن يطلع الناس على جوانب من حياتهن المضنية التي أفقدت وجوههن نضارة الحياة فلم تترك لهن إلا تجاعيدا استبقت وقتها و انطبعت على جباههن التي تتوجه إلى رب العالمين في كل صلاة بالدعاء و الفرج القريب و القوة على الصبر عما كتب لهن من الأقدار. للسيدة (ع.ب) التي تطوف اليوم بطوله على أبواب المساكن و العمارات كي تجمع ما تجود به الساكنة من خبز يابس تعيد بيعه كعلف للبهائم مقابل مبلغ مالي زهيد قصة تطول فصولها مع رحلة تحصيل القوت اليومي، تبدأ فصول الحكاية بعدما ضاقت سبل العيش بالزوج العليل الذي يعمل في خياطة الجلاليب التقليدية بأساليب قديمة لا تستطيع مسايرة خطوط الإبداع الجديدة التي تطلبها كل النساء، فأصبح الطلب على أعماله مقتصرا على من هن من فئته الفقيرة فقط و اللواتي لا يتوفر لهن في أحيان كثيرة ما يسددن به بدل عمله، وهو ما اضطر الزوجة إلى التجوال طيلة اليوم من أجل جمع ما استطاعت من الخبز اليابس، ثم تضطر بعدها إلى وضع أكياس الخبز الثقيلة على ظهرها المقصوم المتعب و المشي حاملة إياها لمسافات طويلة، أما أيام الجمعة، فإنها تفترش الأرض بباب أحد الجوامع في انتظار أن يجود المصلون بما شاء لهم الله أن يتصدقوا به. امرأة أخرى فتحت لنا أبواب قلبها وشاركتنا حكاية يومياتها مع لقمة الخبز، إنها بائعة البقدونس التي تحب أن نناديها ب "مولات الربيع" . "مولات الربيع" امرأة تتقاسم مع أخريات حكايات مختلفة لظروف الحياة القاسية التي اضطرتها، بعد عجز الزوج عن العمل إثر تضرر ساقيه نتيجة حادث تعرض له أثناء عمله في أوراش البناء، إلى البحث عن سبيل يساعدها في كسب العيش ويغنيها عن ذل السؤال، فكان أن قسم لها أن تمتهن بيع البقدونس، مهنة قد يبدو أنها سهلة إلا أنها لا تخلو من منغصات. تعيش هاته السيدة كابوسا يوميا حين تضطر إلى مغادرة بيتها قبل بزوغ الفجر مخاطرة أن يهاجمها أحد المعربدين أو قطاع الطرق قصد سلبها رأسمال تجارتها البسيط من أجل استعماله في اقتناء الخمور و المخدرات، خوف يلازمها عند خروجها صباحا و أثناء عودتها ليلا. معاناة تستمر بعد توجه هاته المرأة إلى مكانها المعتاد بمدخل أحد الأسواق حيث تفترش الأرض رفقة أخريات لعرض ما لديهن من سلع بسيطة، لتبدأ رحلتهن اليومية مع السيول الجارفة و البرد القارس شتاء، و لفح هجير الشمس الحامي صيفا. تختم "مولات الربيع" قولها بأنه و رغم مجهودها الدؤوب، إلا أن ما تجنيه من مدخول يبقى بسيطا جدا لا يكفي لسد أبسط متطلبات الحياة، مما يحتم على أطفالها التوجه إلى البحث في حاويات القمامة عن أي شيء يمكن بيعه من خردوات و قناني و غيرها مما قد يعود ولو بالنزر المادي اليسير. هؤلاء النسوة هن في غالبيتهن العظمى نساء أميات لا يعلمن بالتالي شيئا عن برامج التنمية الداعمة للمرأة و لا حتى عن الجمعيات الناشطة في هذا المجال، فحدود معارفهن لا تتعدى الهم اليومي في الحصول على لقمة الخبز ضمن إطار مهن قد يصطلح على إطلاق صفة "البطالة المقنعة" عليها. من هنا، و نظرا لكون مثل هذه الحالات ليست حالات فردية، و إنما تمس شريحة واسعة من النساء اللواتي يعانين من الفقر المدقع و التهميش و انعدام الفرص، و لوجود كم هائل من الأمثلة المختلفة عن أشباه مهن تلجا إليها هؤلاء النسوة لضمان كسرة خبز،فإنه من واجب المسؤولين و كذا فعاليات المجتمع المدني العاملة في مجال النهوض بأوضاع المرأة الالتفات إليهن والعمل بجد من أجل المساعدة في تحسين أوضاعهن المزرية و ضمان إشراكهن في برامج التنمية و محاربة الفقر و التمييز، و العمل على خلق فرص شغل لهن و تشجيع الأنشطة التي تتيح لهن الحصول على دخل قار يحفظ كرامتهن و يساهم في انتشالهن من الأوضاع القاتمة التي فرضها عليهن الفقر المدقع. و كل عيد امرأة والنساء الأشباح و كل نساء العالم بألف خير.