عيد الشباب ذكرى وطنية مجيدة، ومناسبة عزيزة متجددة، تهل على الشعب المغربي، وتلقي عليه بظلالها الوارفة، فيستقبلها في تاسع يوليوز من كل سنة، وتخلد فيها ذكرى ميلاد أمير المومنين، وحامي حمى الوطن والدين، حضرة صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني، حفظه الله بالقرآن الكريم والسبع المثاني. إنها ذكرى يحييها المغرب من أقصاه إلى أقصاه، ويعيشها بكامل الاعتزاز والفخار، ويرى فيها استمرار أصالته وعراقته، وعنوان تجديد شبابه، ومبعث آماله ومطامحه، ومشار استنهاض، وأسباب الرقي والخلود. وهو لذلك مناسبة جليلة خالدة، ترمز إلى الكثير من المعاني السامية، والمثل العالية، والمقاصد النبيلة، والمرامي البعيدة، التي تأسس على ضوئها ومن أجلها هذا العيد الوطني المجيد في عهد جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه، وفي غمرة الكفاح ومقاومة الاستعمار. فبمناسبة هذه الذكرى الراسخة تنتقل بذاكرة المواطن المغربي، وتعيد إلى تصوره ووعيه ذلك اليوم السعيد الذي أشرقت فيه رحاب القصر الملكي العامر بالرباط بذلك المولود الميمون، وازدانت بطلعته البهية، وابتهج له المغرب عظيم الابتهاج، وعمه الفرح والسرور، والبهجة والحبور، إنه ميلاد صاحب الجلالة الحسن الثاني الذي شاء الله أن يكون العضد الأيمن، والساعد الأقوى، والمؤازر الأول لجلالة والده المنعم، وهو يقود معركة الجهاد والنضال ضد الاستعمار، ويخوضها في ثبات وإيمان، وفي التفاف شعبه الأبي حوله، لتمتيع المغرب بنعمة الحرية والاستقلال. ذكرى عيد الشباب تعود بالإنسان المغربي، وترمز في حياته إلى تلكم النشأة الكريمة الطيبة الصالحة، الصافية المنبع والأرومة، التي نشأها صاحب الذكرى المحتفى بها وتربى عليها في أحضان والده المنعم ورعايته الحازمة، وبين أسرته الملكية المنيفة، وفي المدرسة المولوية الخاصة، وما كان لتلك التنشئة الحسنة من أثر طيب حميد في تكوين شخصية جلالته وتثقيفها، وصقل المواهب والاستعدادات الفطرية التي وهبه الله إياها، فأباتت من فكر متنور، وذهن متفتح، وذكاء متوقد، ونبوغ مبكر لذلكم الفتى الناشئ، والشبل النابغ، وهو يتلقى دراسته الأولى في المواد الإسلامية، والعربية، والأدبية والاجتماعية وغيرها من العلوم الإنسانية والعصرية. عيد الشباب وذكراه الجليلة يرتبط بعيد العرش المجيد وذكراه العزيزة، وينقل ذاكرة المرء وفكر المواطن إلى تلك الجذور الضاربة في أعماق تاريخ المغرب وأصالته الإسلامية العريقة منذ عهد الفتح الإسلامي وتكوين دولته المسلمة المستقلة على يد الدولة الإدريسية وتأسيس العرش المغربي في عهدها على مدى أزيد من إثني عشر قرنا، وارتكازه على دعائم قوية من رعاية الدين، وجمع شمل الأمة وتوحيد صفها وكلمتها، وحماية حدودها، وصيانة هويتها وشخصيتها، والسير بهذا البلد العزيز، وشعبه المسلم عهدا بعد عهد، وجيلا بعد جيل، نحو مدارج الرقي والسؤدد والكمال، ليبقى بلدا عزيزا مكرسا مثاليا. وليظل رفيه الشأن عالي القدر بين شعوب الأمة الإسلامية، وغيرها من شعوب الدنيا. ويشاء الله -وهو العليم الحكيم- بما فيه خير البلاد وصلاح العباد، أن يجعل مؤسسة العرش المغربي ومملكته العريقة ففي يد أمينة قوية، وأن يلقي برسالتها الجسيمة، وأمانتها العظمى إلى أسرة مباركة من آل بيت النبوة الطاهرة، هي أسرة الدولة العلوية الشريفة، التي قبضها الله في سابق أرثه وعلمه لتتولى الخلافة الإسلامية وإمارة المومنين في هذا الجناح المغربي من بلاد المسلمين، ولتحكم هذا البلد الكريم بشرع الإسلام وتسوسه بهديه المبين، وتواصل المسير أو حمل مشعل الإسلام، ونوره المشرق المستبين، وتؤسس له على مختلف عهود ملوكها الأبرار عزا منبعا وتبني مجدا طريفا أثيلا، وصرحا شامخا من الحضارة الإسلامية الزاهية في كل مناحي الحياة المغربية، الثقافية والعلمية، والعمرانية والاجتماعية، وفي سائر مرافقها الحيوية الفسيحة التي تعود بالخير والازدهار على الأمة المغربية. عيد الشباب يعود بالمرء وذاكرته الواعية إلى استحضار ما قام به أمير المومنين في شبابه، ويقوم به منذ ولاء الله مقاليد أمور الشعب المغربي - من جهاد أكبر، وعمل متواصل مشكور في مختلف الواجهات والميادين، جعلت حياة جلالته عامرة بجلائل الأعمال، حافلة بما قدمه ويقدمه باستمرار من خدمات جل، وحققه ويحققه في كل سنة من عهده الحسني المبارك، من منشآت جليلة، ومنجزات عطية في كافة المجالات لخير شعبة وإسعاده، ولصالح هذا البلد المغرب العزيز، وغنية بما يبادر إليه من تحديث لمرافق الدولة، وتطوير لمؤسساتها العامة، وإقامتها على دعائم قوية، وإرسالها على ركائز متينة من الديمقراطية الحق، المتمثلة في الشورى الإسلامية، والعدالة الاجتماعية، والحرية والكرامة الإنسانية، التي تحققت في ظل الملكية الدستورية التي تصون تلك المؤسسات والحقوق وترعاها، وتنطلق من كون المغرب بلدا مسلما، متشبثا بدينه الإسلامي الحنيف، ومتمسكا بشرعه الحكيم، وسائرا على نهجه القويم، معتزا بعروبته ومرتبطا بها في كل حين، جاهدا في ترسيخ دولة الحق والقانون، وتحقيق المزيد من الاستقرار والرخاء والاطمئنان، مما زاد من الرصيد المعنوي للمغرب، ورفع من سمعته الطيبة، وأكسبه الزيد من التقدير والاعتبار داخل المغرب وخارجه، وجعله يواكب مستجدات الحياة المعاصرة ومتطلباتها اليومية وبالسرعة والإتقان المطلوب في إنجاز الأعمال المنوطة بها، بفضل السياسة الرشيدة، والريادة الحكيمة لصاحب الذكرى جلالة الحسن الثاني حفظه الله. عيد الشباب يذكر بالمسؤولية الملقاة على عاتق المغربي وكاهله واستشعاره لها، ووعيه بها في كل بلد وأمة، وبما ينبغي أن يكون عليه من إيمان بدينه وقيمه، واعتزاز بوطنيته وبلاده، وثقة في حاضره وتفاؤل في مستقبله، وإدراك لرسالته النبيلة، ولما يعلقه عليه بلده من آمال في التكوين والتثقيف، والإسهام بكل نصح وإخلاص وتفان في العمل، والبناء الحضاري والاجتماعي للمغرب الحديث، وتشييد نهضته الحسنية المعاصرة الموفقة. وإذا كانت المعاني السامية، والمقاصد النبيلة، والأهداف والمرامي البعيدة التي تحملها وتنطق بها هذه الذكرى المجيدة وفيرة غزيرة، لا يمكن استقصاؤها واستيعابها في افتتاحية أو مقالة مهما أوجزت أو أطنبت في العرض والتحليل فإن أحسن ما يفصح عنها، ويعبر عن جوانب منها في إيجاز بديع وبلاغة متناهية هو الكلمات الذهبية والعبارات الحكيمة التي ترد في الخطابات الملكية السامية، التي يلقيها حضرة صاحب الجلالة في مثل هذه المناسبة، وغيرها من المناسبات الوطنية المجيدة، وتفصح عن استشراف المستقبل بآماله ومطامحه ومتطلباته، وتحفل بالإشراقات والتوجيهات النبرة الملهمة والتي حين يعود إليها المرء ويستحضرها بتأمل وإمعان يجدها، وكأنها قيلت في ذكراها الحالية، ولحظتها الحاضرة، ومناسبتها الآتية. فمن ذلك ما جاء في خطاب جلالته بمناسبة عيد الشباب المجيد لسنة 1988، وهو يتحدث ببيانه البليغ الرائع المعهود، ويذكر أن عيد الشباب هو عيد المغرب كله، وأنه عيد ربط الماضي بالحاضر، والتطلع إلى المستقبل في أمل وتفاؤل، حيث قال فيه أعزه الله : «إن عيد الشباب هو عيد المغرب، وهو العيد والمناسبة، المناسبة التي تمكننا -من خلال تاريخنا المجيد، وخلال القرون البيضاء الغراء التي عرفها ماضينا- أن نرجع بالذكرى والآثار والمكاتب والمشهد إلى سالف عصرنا وأساس دولتنا وأمتنا. كما أن هذا العيد يتيح لنا الفرصة لأن نشرئب نحو المستقبل، وأن نطل على الغد، وأن طمح في المستقبل، لأن المغرب هو قبل كل شيء رضيع لماضيه، وسيبني مستقبله. وإذا نحن تصفحنا صفحات التاريخ، نجد أنه قلما حبا الله شعوبا وأمما بهذه النعمة المتجددة، نعمة العيش بين ماض ومستقبل في آن واحد، وأن نرى حاضرنا جديرا بماضينا، ونؤكد العزم ليبقى مستقبلنا جديرا بحاضرنا». ومن ذلك ما جاء في خطاب جلالته بمناسبة عيد الشباب المجيد لسنة 1987، وهو يحث الشباب على استثمار عبقريته وموهبته واستعداده، والاستفادة من مزايا التقدم المتاحة للإنسان المعاصر، والجمع بين متطلبات المادة والروح، والأخذ بمبدأ الاعتدال والوسطية الإسلامية في كل الأمور، فقال فيه حفظه الله: «إن عبقرية شبابنا يجب أن تظهر في حسن الاستفادة من فضائل التقدم، المادية والمعنوية. وفي قدرته على خلق توازن بين متطلبات المادة والروح، مما يجعلها تعيش في هذا القرن دون أن يطغى تفكيرها المادي الصرف على روحها، فيمسخ كل المعاني التي تصبح الحضارة بدونها لا يستهدفها التقدم والتطور". وفقرة أخرى لجلالته من خطابه في مثل هذه المناسبة سنة 1962م وهي تتحدث عن مسؤولية الشباب تجاه بلده، ووطنه، وتشعره بها وبرسالته الاجتماعية والحضارية، وتحضره إلى تحملها، والقيام بها في ثقة وجدارة وأمانة، وعلى أحسن وجه وأكمله، حيث يقول فيها حفظه الله : «إن على الشباب مطالب بالعمل لمصلحة وطنه الكبير، وتحقيق الأهداف الصغيرة والقريبة، إذ من مجموع الأعمال المحلية والإقليمية يتكون البناء الكبير، ويتحقق الانسجام في الأمة، وتقل الفروق أو تختفي بالمرة». إنها الكلمات الذهبية المشرقة، والتوجيهات النبرة الحكيمة المنبثقة من النظرة الفاحصة المستقبلية المتفائلة المتفتحة التي ينبغي أن يعيها المرء والشباب ويستحضرها في مثل هذه المناسبة ويجعلها نصب عينه، للعمل على ضوئها، والدفع به قدما إلى البناء والتشييد في مجال العلم والعمل وخدمة الصالح العام، والتي تبرز من خلالها بعض المعاني، والمقاصد السامية لهذه الذكرى العزيزة، والاحتفاء بمناسبتها الغالية المتجددة، الراسخة في نفس كل مواطن ومواطنة من أبناء هذا البلد المغربي العزيز والداعية إلى التوفيق بين الأصالة والمعاصرة. فبارك الله في حياة أمير المومنين جلالة الحسن الثاني، رمز السيادة المغربية، وضامن وحدتها واستقرارها، مبدع المسيرة الخضراء المظفرة، ومحرر الصحراء المغربية، وأمد في عمره، وأمتعه بموفور الصحة والعافية، وأجرى على يديه المزيد من الخير لوطنه وللعروبة وللإسلام والأمة الإسلامية جمعاء، وأبقاه ملاذا وذخرا للبلاد والعباد، وحقق على يديه وعلى يد إخوانه ملوك ورؤساء البلاد الإسلامية تحرير المسجد الأقصى والقدس الشريف، وإعادته إلى يد الإسلام والمسلمين، ومكن لهم من النصر والفتح المبين، وأعاد الله على جلالته أمثال هذه الذكرى وهو يرفل في حلل السعادة والهناء. وأقر عين جلالته -بولي العهد المبجل صاحب السمو الملكي الأمير الجليل سيدي محمد، وصنوه صاحب السمو الملكي الأمير المجيد مولاي رشيد، وحفظه في كافة أسرته الملكية الشريفة.إنه سبحانه سميع مجيب.. عمر بنعباد