قبل أشهر حررنا مقالا حول مدينة المحمدية (مدينة "المحمدية" .. من "الزهور" إلى"الأشواك") نشر في عدد من المواقع والجرائد الإلكترونية، وجهنا من خلاله البوصلة، نحو مدينة فقدت الكثير من البريق واللمعان والجاذبية، في ظل انشغال المجالس المنتخبة المتعاقبة، بالصراعات الخفية والمعلنة والحسابات السياسوية والمصالح الضيقة، مما أفرز أزمة أرخت بضلالها على المدينة التي دخلت في متاهات "الإهمال" الذي ساهم بشكل مقلق في ذبول ملامح وجه مدينة اقترن إسمها خلال سنوات عابرة باسم "الزهور" التي اختفت في صمت، تاركة مدينة استسلمت عنوة لمفردات "الرتابة" و"العشوائية"و"الهشاشة" و"غياب الجاذبية"، وهو واقع مثير للخجل، يسائل مختلف المسؤولين المحليين الذين تعاقبوا على تحمل مسؤولية تدبير الشأن المحلي على امتداد السنوات، ونعود اليوم للكشف مجددا عن سوءة "الإهمال" الذي لا زال يحيط بعنق مدينة في احتضار وساكنة في انتظار .. إهمال متعدد المستويات، من تجلياته، "شوارع كبرى" وصلت إلى درجة لا تطاق من الرتابة والنسيان، خاصة شارعي "المقاومة" و"محمد السادس" (الرياض) وشارع "سبتة (في اتجاه جماعة بني يخلف)، على مستوى ضعف الإنارة العمومية وتقادم أعمدتها و عشوائية الأغراس المتناثرة واهتراء الطرق و تهالك الأرصفة خاصة بشوارع "المقاومة" و"سبتة"و"فلسطين" (المقطع المتواجد بين ملتقى شارع محمد السادس ومستوى القنطرة المؤدية إلى "عين تكي")، وغياب شروط الجاذبية في جل إن لم نقل كل "المدارات الطرقية" التي تكتسحها الأعشاب والحشائش والنباتات الطفيلية (مدارة ملتقى شارع محمد السادس وزنقة تادلا نموذجا)، والملاحظة المثيرة للاستغراب أن كل الشوارع الرئيسية بما فيها شارع "الحسن الثاني" تغيب عنها "النافورات العمومية"، ماعدا واحدة منتصبة منذ سنوات على مشارف "كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية" لا تتحرك مياهها الراكدة إلا في المناسبات الرسمية، مما يجعل منها شوارع فاقدة للحياة مثيرة للاشمئزاز والكآبة .. على مستوى السكن، ورغم المجهودات المبذولة في إطار برنامج "مدن بدون صفيح"، لا زالت "البراريك" حاضرة في مشهد بعض الشوارع الرئيسية (كاريانات "البرادعة"، "الشحاوطة"، دوار شريفة ...)، مما يعمق من الأزمة الحضرية التي تزداد تعقيدا، في ظل حضور ظواهر مشينة من قبيل انتشار ظاهرة الباعة المتجولين وتجارة الرصيف (الفراشة) وأصحاب الأكلات الخفيفة، الذين يحتلون نقطا متفرقة في بعض الشوارع الرئيسية (شارع محمد السادس نموذجا)، بكل ما يتسبب فيه ذلك، من مساس بمورفولوجية المجال الحضري وإزعاج مستدام للساكنة، دون أن تحرك السلطات المحلية ساكنا، والعربات المجرورة بدواب والكلاب الضالة والحيوانات الأليفة من أغنام وأبقار خاصة الحمير والبغال، ولا يتردد بعضها في الاقتيات من الأعشاب والحشائش المتناثرة على مستوى المدارات الطرقية .. يضاف إلى ذلك، ظاهرة الأشخاص المتشردين الذين ساقهم قدرهم إلى المدينة، حيث ساروا جزءا لا يتجزأ من "مورفولوجية" المجال الحضري، بعضهم يقتات من قمامات الأزبال والبعض الآخر يتسول المارة، دون نسيان الحالة المزرية لمنطقة " المصباحيات" حيث يتواجد سوق الجملة، والتي تعيش على وقع الإهمال والنسيان، شأنها في ذلك شأن الغابة المجاورة لها (غابة المصباحيات)، إذ سارت ملاذا للمنحرفين والمتسكعين، مما يفرض توجيه البوصلة نحو المنطقة، التي ستشهد لاحقا، افتتاح "قنطرة" تربط "شارع محمد السادس" بشكل مباشر بمدخل ومخرج الطريق السيار "الدارالبيضاءالرباط"، علما أن واقع الحال، يفرض التساؤل عن السبب أو الأسباب المتحكمة في تأخر هذا المشروع الحيوي الذي من شأنه تخفيف الضغط على وسط المدينة، خاصة على شارعي "الحسن الثاني" و"المقاومة"، والتساؤل عن حقيقة التعثرات التي تعتري بعض المشاريع التنموية الأخرى، التي لامناص من التعجيل بها خدمة للساكنة (مشروع تهيئة الكورنيش، وإصلاح وتأهيل ملعب البشير نموذجا) .. أما على مستوى الحدائق وأماكن الراحة والترفيه، وباستثناء الحديقة المجاورة لمحطة القطار على مستوى شارع الحسن الثاني، والحديقة المعروفة وسط الساكنة المحلية ب"البارك"، تبين المعاينة الميدانية، أن المدينة تفتقر إلى الحدائق العمومية، وحتى ما تواجد منها، فهو يعيش حالة من الإهمال والرتابة (حديقة الوحدة نموذجا)، مما يحرم الساكنة المحلية من فضاءات تستجيب لشروط الراحة والاستجمام، وتمتد معالم الهشاشة إلى ظاهرة البيع بالتجوال التي "استعمرت" بعض الزقاقات بكاملها، خاصة بالسوق الشعبي المعروف لدى الساكنة المحلية ب"الجوطية"، و"سويقة" الكائنة بحي "النصر" و"الراشيدية3"، حيث تحضر العشوائية والتسيب واحتلال الشارع العام، مما يربك حركية السير والجولان، في غياب تام لأية مراقبة من جانب المصالح المعنية، دون إغفال بداية زحف بعض الباعة المتجولين "الفراشة" وبائعي الأكلات الخفيفة على نقط مختلفة من شارع "محمد السادس"، مما يدق ناقوس الخطر بقوة، حول مستقبل هذا الشارع الرئيسي، الذي سيتعزز في قادم الأشهر بالربط المباشر بالطريق السيار الدارالبيضاء-الرباط عبر "قنطرة المصباحيات"، مما يفرض على مدبري الشأن المحلي اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات، قصد استئصال الظاهرة في مهدها قبل استفحالها، لما لذلك من تأثيرات على مستوى رونق وجمالية المدينة. ولم تتوقف عدوى الإهمال عند الشوارع الكبرى، بل امتدت أيضا إلى مداخل ومخارج المدينة، وهي في حاجة ماسة إلى المزيد من التهيئة والاهتمام لأنها تشكل مرآة عاكسة لوجه المدينة بالنسبة للزوار أو العابرين، خاصة مدخل ومخرج الطريق السيار (بني يخلف)، حيث لامناص من إعادة الاعتبار لشارع "سبتة" الذي يعيش وضعية مزرية مثيرة للقلق والخجل، شأنه في ذلك شأن المداخل والمخارج المرتبطة بشارعي "الحسن الثاني" و"محمد السادس"، وهنا لامناص من الإشارة إلى ظاهرة مقلقة آخذة في التنامي والانتشار، ويتعلق الأمر بظاهرة التسول في صفوف بعض المهاجرين المنحدرين من بلدان إفريقية جنوب الصحراء، حيث يتخذون من الشوارع الرئيسية والمدارات الطرقية المرتبطة بها، أمكنة لممارسة التسول وتوسل سائقي السيارات والمارة على حد سواء، مما يعمق أزمة المجال الحضري، دون إغفال الركود الذي يعتري المشهد الرياضي ، والذي يمكن اختزاله في الوضعية المقلقة التي آل إليها " قطبا " كرة القدم بالمدينة (شباب المحمدية، اتحاد المحمدية) والحالة المزرية التي وصل إليها "ملعب البشير"، دون إغفال الخصاص الحاصل على مستوى ملاعب القرب في الكثير من الأحياء .. أما بخصوص المشهد التعليمي، فيتبين من خلال واقع الممارسة، أن مجموعة من التلاميذ بثانويتي"العاليا" و"الجولان" التأهيليتين، ينحدرون من أحياء بعيدة، من قبيل "رياض السلام" و"النهضة" وبعض الأحياء الحديثة المجاورة لهما، وهذا الواقع، يفرض عليهم قطع مسافات طويلة كل يوم، مشيا على الأقدام من مقرات سكناهم إلى مؤسساتهم التعليمية، مما يجعلهم معرضين إلى خطر الطريق، وحتى من يستعمل النقل الحضري (على قلته وهشاسته)، فهو مرغم على التعايش مع مشاكل النقل لقلة الحافلات وتأخراتها وحالة الازدحام التي تكون عليها، وهي ظروف تنعكس سلبا على مستوى العطاء والمردودية، فضلا عن التأخرات والغيابات عن الحصص الدراسية، وقد أصبحت الحاجة ماسة لبناء "ثانوية تأهيلية" تستوعب تلاميذ أحياء النهضة ورياض السلام والأحياء الحديثة المجاورة لهما، تفعيلا وتكريسا لمبدأ "تعليم القرب" على أرض الواقع، وإذا كانت الحالة الصحية لمدينة "المحمدية" بهذا الشكل، فيمكن تخيل كيف ستكون وضعية بعض الجماعات والتجمعات السكانية المجاورة لها (بني يخلف، عين حرودة، الشلالات، عين تكي ...).. مفردات الرتابة والإهمال، تكاد تكتسح كل المجال الحضري للمدينة، ويكفي القيام بجولات تفقدية راجلة على مستوى الساحل الممتد من شاطئ المركز إلى شاطئ "السابليط"، ليتبين بالواضح أنه لم يسلم بدوره من مظاهر التسيب والعشوائية، بعدما زحفت عليه مجموعة من المباني (فيلات، إقامات سكنية، مساكن ثانوية "كابانو"...)، إلى درجة أن بعضها تفصله أمثار قليلة عن الشاطئ، وهذا يسمح بإثارة ملف مختلف المباني المتواجدة على امتداد شواطئ المدينة بين شاطئي "المركز" و"السابليط" والتي يشكل بعضها مسا صارخا بالملك البحري وتطاولا على حق المواطن في التمتع بشواطئ جميلة ونظيفة تستجيب لشروط النظافة والنظام والراحة واحترام البيئة، من حيث مدى قانونية البناء بمحاداة الشواطئ ومدى احترام قوانين وضوابط التعمير، وفي جميع الحالات، فزحف "الإسمنت" على السواحل لا يمكن قبوله أو التطبيع معه، لما له من آثار وتداعيات على المنظومة البيئية ذات الصلة بالساحل. وعلى بعد أيام من انطلاق الموسم الصيفي، هي فرصة لإثارة ما تعرفه شواطئ المدينة من فوضى وعشوائية وتسيب خاصة خلال مواسم الاصطياف، سواء فيما يتعلق باكتساح الشواطئ ب "المظلات الشمسية" المعروضة للكراء، وانتشار حراس السيارات كالفطريات، وبعضهم يفرض أثمنة مبالغ فيها، دون إغفال الحالة المزرية التي تكون عليها بعض الشواطئ (شاطئ "مانيسمان" نموذجا)، مما يفرض تبني مقاربة شمولية للنهوض والارتقاء بشواطئ المدينة على المستوى النظافة وجودة الخدمات والأمن والسلامة والترفيه، بما فيها ذلك إعادة الاعتبار للكورنيش الذي نال حصته من الإهمال ...إلخ.. مجموعة من السكان المحليين، تراودهم آمال عريضة في أن تسترجع "المحمدية" مجدها الراحل كمدينة للزهور، وهذا المطلب المشروع لايمكن أن يتحقق على أرض الواقع، إلا بتذويب جليد الخلاف والشنآن بين مكونات المجلس الجماعي (الأغلبية والمعارضة) وتجاوز الحسابات "السياسوية" الضيقة واستحضار المصلحة العليا للمدينة وساكنتها، ثم نفض غبار الرتابة والإهمال المعششة كخيوط العناكب في شوارع المدينة خاصة الرئيسيية منها (الحسن الثاني، المقاومة، محمد السادس، سبتة ) من خلال إعادة النظر في الإنارة العمومية وتبليط الأرصفة المتهالكة وتعبيد الطرق والاهتمام بالأغراس وتهيئة المدارات الطرقية والحدائق العمومية وتعزيز قطاع النظافة، والاهتمام بملاعب القرب وغيرها، والساكنة المحلية ممثلة في النسيج الجمعوي المحلي، لا بد لها أن تشكل "قوة ضاغطة" أمام المجالس المنتخبة، وأن تبلور مشاريع وبرامج تستجيب لحاجياتها وتطلعاتها، وتدافع عنها أمام من يتحملون مسؤولية تدبير الشأن المحلي، في إطار احترام المؤسسات وما تتيحه القوانين ذات الصلة، والساكنة بدورها مطالبة بالتعبئة الجماعية، وإطلاق العنان للمبادرات المواطنة، التي من شأنها تأهيل الأحياء والارتقاء بها خاصة على مستوى النظافة والأغراس. هكذا إذن، تبدو مدينة "المحمدية" اليوم، مدينة لقبت ذات يوم بلقب "الزهور"، وهو لقب حامل لمفردات "الماء" و"الخضرة" و"الوجه الحسن" ... مفردات استسلمت عنوة لجبروت "الإهمال" و"الرتابة" و"الفوضى" و"التسيب"، محولة وجه "فضالة" المشرق، إلى وجه "شاحب" فعل فيه الزمن فعلته، فحوله إلى "تجاعيد" تحكي قصة "مدينة غرقت في "عبث" السياسة والمال والإسمنت المسلح .. مدينة لم تتبق من "زهورها" إلا "الإسم" ومن "مجدها" الراحل، إلا "الأزمة" و"الركود" و"الانحطاط" ... فعسى أن تتحرك "المياه الراكدة" وتتحرك معها "السواعد المواطنة" القادرة على إعادة الحياة لمدينة في "احتضار" والأمل لساكنة في "انتظار" .. وبالقدر ما تمتد جسور الإهمال وتتعمق بؤر الرتابة والعشوائية، بالقدر ما تعقد الآمال على الزيارات الملكية للمدينة، القادرة وحدها دون غيرها، على تحريك مشاعر المسؤولين على تدبير الشأن المحلي، ودفعهم إلى القيام بما يفترض القيام به على امتداد السنة، من أجل الحرص المستدام على نظافة المدينة وتزيين صورتها، وفي هكذا مناسبات رسمية، تتم التعبئة الجماعية ويتم تسخير الطاقات والوسائل واستنفار عمال الإنعاش الوطني، من أجل مطاردة كل أشكال الهشاشة المتناثرة، بإعادة النظر إلى الشوارع الكئيبة والمدارات الحزينة، على مستوى الإنارة العمومية والأغراس والتشجير والنظافة وتكثيف الحملات الأمنية، وهي التحركات التي تمت معاينتها في عدد من المحاور الطرقية، كما هو الحال بالنسبة للمقطع الطرقي المزدوج المحاذي للحي الصناعي، المفضي إلى الطريق السيار الدارالبيضاء-الرباط، حيث تمت إعادة الاعتبار لمدارته الطرقية بالأغراس والتشجير، وتجري حاليا الأشغال على قدم وساق، من أجل غرس الأشجار على امتداد المقطع الطرقي المذكور، وهي تحركات "استثنائية" يتحكم فيها هاجس تجميل المدينة وتلميع صورتها، ليس من أجل سواد عيون المدينة وساكنتها، ولكن تحسبا لزيارة مرتقبة للملك محمد السادس لكل من المحمدية وبني يخلف، والشوارع المحظوظة، هي التي يرتقب أن يمر عبرها الموكب الملكي أثناء الزيارة المرتقبة، أما باقي الشوارع والأحياء، فلامناص أمامها سوى تحمل الحرارة القاسية للحرمان والنسيان، إلى أجل غير مسمى .. ما قيل عن المحمدية، يكاد ينطبق على جميع المدن المغربية التي تعاني أشكالا مختلفة من الهشاشة واللامبالاة من قبل المسؤولين عن الشأن المحلي من رجال سلطة ومنتخبين، ولا تتم الالتفاتة إلى حالها وأحوالها، إلا بمناسبة الزيارات الملكية، التي تضعهم "تحت الضغط" وتفرض عليهم، التعبئة وتسخير الطاقات والوسائل والإمكانيات من أجل تأهيل الشوارع والمدارات الطرقية والارتقاء بها على مستوى الإنارة العمومية والصباغة والأغراس والتشجير والنظافة، تخوفا من أية غضبة ملكية محتملة، ولما تنتهي الزيارات الملكية، تعود حليمة إلى عادتها القديمة، ويعود معها مسلسل الإهمال والرتابة وعدم الاكتراث، وهذه التصرفات غير المسؤولة والمثيرة للخجل في نفس الآن، لابد من القطع معها، من منطلق أن المسؤوليات تعد "تكليفا" وليس "تشريفا، وهذا "التكليف" يفرض التحلي بما تقتضيه واجبات المواطنة، من تضحية ونكران للذات والتفاني في العمل خدمة للمواطنين وإسهاما في رقي الوطن وانتشاله من مخالب الهشاشة .. والمسؤول المواطن، ليس من لا يبارح مكتبه المكيف وكرسيه الدافئ، أو يتحرك "تحت الضغط"، هو من يستحضر جسامة المسؤولية الملقاة عليه أمام "الله" وأمام "الوطن" وأمام "من حمله الأمانة"، ويدرك تمام الإدراك، أن "مهمته" أو"مسؤوليته" تتأسس في شموليتها على خدمة الصالح العام بنزاهة ووفاء وإخلاص، هو من يفتح قنوات التواصل والتشارك ويستجيب لحاجيات وانتظارات الساكنة ويرتقي بمستوى معيشتها، ويتعقب الفاسدين والعابثين والمتراخين، ويشجع المبادرات المواطنة القادرة على إضافة لمسة أو بصمة من شأنها التأثير الإيجابي في حياة المواطن، وهي صفات يمكن إدراكها بتطبيق أمثل لمبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، وهو مبدأ يمكن الرهان عليه، لكسب رهانات محاربة الفساد والعبث والريع .. ومن باب الموضوعية، فلا يمكن تحميل المسؤولية دائما للمسؤولين، بل حتى المواطن، يتحمل جانبا من المسؤولية فيما آلت إليه المدن من إهمال، من خلال تصرفاته غير المواطنة، من عبث وفوضى وإهمال ، ويكفي في هذا الصدد، استحضار ما تعيشه المدن من احتلال للملك العمومي سواء من قبل الباعة المتجولين ومن يمتهن تجارة الرصيف أو من قبل أرباب المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية، أو من خلال "احتلال" شوارع بعينها من طرف تجار الخضر والفواكه والأسماك، دون أن تحرك السلطات المعنية ساكنا .. هذا هو واقع حال المحمدية اليوم، وهي وضعية مشاعة بين عدد من المدن المغربية التي تتقاسم صالون الهشاشة والإهمال من قبل مسؤوليها ومنتخبيها، مدن في "احتضار" وساكنة محلية في "انتظار"، عسى أن ننام ونصحو على "مدن" جميلة ونظيفة، آمنة ومطمئنة، ليس فيها أزبال ولا ركامات أتربة، ولا "فراشة" يحتلون الشوارع عنوة، ولا كلاب ضالة تتسكع بين ظهرانينا، ولا متشردين ولا متسولين ولا قطاع طرق، ولا دواب ولا عربات مجرورة، مدن تنبض بالحياة، فيها عدالة مجالية تحت مظلة سلطة القانون، يتحرك مسؤولوها ومنتخبوها تحت ضغط "المسؤولية " و"الأمانة" و"حب الوطن، وتتوحد قدراتهم وطاقاتهم من أجل المصلحة العامة، عوض استنزاف الزمن والقدرات في الصراعات السياسوية والهواجس الانتخابوية، مدن "مواطنة" لايمكن بناء صرحها أو الحلم بفضاءاتها، إلا بمواطنين صالحين يحملون "هم الوطن" في الحل والترحال ..
وإذا عدنا مجددا لفتح "ملف المحمدية"، فليس من باب الانتقاد الهدام أو القصف المجاني أو الضرب تحت الحزام أو توجيه رسائل "مشفرة"، ولكن حركتنا الرغبة في أن تستعيد "مدينة الزهور" رونقها وجمالها، من أجل ساكنتها وزوارها وعابريها ومحبيها .. وهي فرصة سانحة، لتحية نزهاء وأشراف الوطن، الذين يكدون ويجتهدون ويتبرعون ويتميزون ويتألقون ويبادرون ويحترقون كالشموع، من أجل الوطن والإسهام في رقيه وازدهاره .. فنحن نؤمن بثقافة "البناء" ولا "نبخس الناس أشياءها"، لكن في نفس الآن، لن نتردد في "إدانة " العبث والتهور والإهمال، من أجل "الوطن" ولو كان ذلك بقلم حر، لا تتحكم فيه هواجس أو انتماءات، إلا هواجس وانتماءات "الوطن".. وما كتبنا من سطور، هو نابع من "قلب" مواطن، يحلم بالعيش في "مدينة مواطنة" .. وهو"حلم" صعب المنال، لكنه غير مستحيل وبالإمكان إدراكه، بالإرادة والإصرار والتضحية والوفاء ونكران الذات، و "ما نيل المطالب بالتمني * ولكن تؤخذ الدنيا غلابا "..