يوسف أيت أقديم يكتب: هل تٌنذر إدانة مارين لوبان بنهاية الديمقراطية في فرنسا؟    الجيش الملكي يرفع التحدي أمام بيراميدز المصري في ربع نهائي الأبطال    أكثر من 1500 شخص يستفيدون من عفو ملكي بمناسبة عيد الفطر    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في أكثر من 28 في المائة على وقع ارتفاع الاستهلاك    انخفاض جديد مرتقب في أسعار الغازوال بداية أبريل    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط ويتقبل التهاني بهذه المناسبة السعيدة    مسيرة حاشدة في طنجة تُحيي عيد الفطر تضامناً مع غزة    الرئيسان الفرنسي والجزائري يؤكدان عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها بعد أشهر من التوتر    أكثر من 122 مليون قاصد للحرمين الشريفين في شهر رمضان للعام 1446    العفو الملكي يشمل عبد القادر بلعيرج بعد 17 عامًا من السجن بتهمة الإرهاب    الجيش يختتم الاستعدادات في القاهرة    منتخب الفتيان يستعد لمواجهة زامبيا    أكثر من 122 مليون مسلم اعتمروا بالحرمين الشريفين في شهر رمضان    عامل إقليم بولمان يؤدي صلاة عيد الفطر وسط حشود كبيرة من المصلين بمصلى ميسور    اختتام فعاليات الدورة الرابعة لملتقى تجويد وحفظ القرآن الكريم في اكزناية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    بعد إدانتها.. التجمع الوطني الفرنسي يطلق عريضة لدعم لوبان    الطقس غدا الثلاثاء.. سحب كثيفة وأمطار متفرقة    ارتفاع عدد الحجاج والمعتمرين إلى 18.5 مليون في 2024    الجزائر ترضخ للضغوط الفرنسية وتنهي أزمتها مع باريس    القهوة في خطر.. هل نشرب مشروبًا آخر دون أن ندري؟    حادث خطير في طنجة يوم العيد.. إصابة شابين في اصطدام دراجة نارية بسيارة مركونة    في ظل تراجع الصادرات إلى المغرب.. مربو المواشي الإسبان يطالبون بفتح أسواق جديدة    تعزيزات مشددة ليلة عيد الفطر تحبط محاولات للهجرة السرية إلى سبتة المحتلة    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (الجولة 1/المجموعة 1).. منتخب زامبيا يفوز على تنزانيا (4-1)    "المطارات" ينبه إلى التحقق من رحلات    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    اتفاق ينصف حراس أمن مطرودين    الإمارات تقضي بإعدام قتلة "كوغان"    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز بالقاهرة    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    ترامب يزور السعودية منتصف ماي المقبل    ست حالات اختناق بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون ليلة عيد الفطر    نبيل باها: الانتصار ثمرة عمل طويل    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    عفو ملكي عن عبد القادر بلعيرج بمناسبة عيد الفطر 1446 ه.. من هو؟    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    طواسينُ الخير    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    كأس إفريقيا.. المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يطيح بأوغندا بخماسية نظيفة    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التطرف الإيديولوجي : لماذا يسيء الى مشاعر المغاربة و يهاجم عقيدتهم ؟
نشر في تطوان بلوس يوم 24 - 05 - 2013

لا شك أن " تصريحات الفتنة " غير المسؤولة التي باتت تنتجها آلة الإيديولوجيا المتطرفة ببلادنا ، تدفع كل مواطن غيور و متبصر حكيم كي يتساءل عن الأهداف الحقيقية الكامنة وراء مثل هذه التصريحات التي يرفضها كل وجدان مغربي أصيل ينأى بنفسه عن الفتنة ، و يحرص بالتالي على الأمن الروحي لبلاده ، و خصوصية المغاربة في القدرة على تحقيق التواصل و العيش المشترك طبقا لحديثه (ص) في شأن تعلم اصول التعايش حيث قال : (( لا تحاسدوا ، و لا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، و لا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، و كونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه و لا يخذله و لا يحقره ، التقوى هاهنا و يشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه )) رواه مسلم . و لا شك ان تصريحات الحقوقي المتعصب " عصيد " في إساءته لمشاعر المغاربة و مهاجمة عقيدتهم و مقدساتهم و رموزهم التاريخية المضيئة التي يخرج بها علينا بين فينة و أخرى ، و التي كان آخرها تصريحه المتعلق بتأويلاته المغرضة التي أفتعلها حول رسائل الرسول (ص) لملوك عصره تمثل نموذجا سيئا للتطرف الايديولوجي غير المبرر الذي يتناقض مع الحقيقة ، فضلا عن كونه يستغل أساليب السفسطة على قياس لغة ((ويل للمصلين)) من اجل تمرير خطابات تتنافى و مبدأ الحكمة و الاتزان الفكري و الثقافي الذي درج عليه المغاربة و نخبهم الفكرية منذ أن حددوا اختياراتهم في هذا الشأن . فتبنوا من منطلق مرجعيتهم المرنة و المتزنة ثلاثية المذهب المالكي و عقيدة الاشعري و وجدانية الجنيد السالك على أساس أنها منظومة فكرية و روحية ترفض التطرف .. و تؤمن بالتالي أقصى ما يمكن من الاعتدال و الانفتاح و الشمولية النابعة عن فهم عميق و متمكن لحقيقة الاسلام في أبعاده المادية و الروحية .
و لكن لماذا يأبى الإيديولوجي " عصيد " بتعصبه إلا أن يتمرد على وجدان المغاربة و يشذ عن هذا الوجدان بالرغم من اتزانه الذي ضمن لهم بشكل استثنائي ما يكفي من الاستمرارية على مستوى الاستقرار الروحي و الأمن الاجتماعي منذ ما يزيد على ألف و أربعمائة سنة ؟
العصيدية " اسلوب مرفوض
في ممارسة التضليل و نشر الكراهية بين المغاربة
إننا أصبحنا نتصور الرجل في تعصبه و تطرفه و استغلاله للحالة الديمقراطية و الحقوقية بالبلاد كأنه تحول بهذا الجناح من الغرب الاسلامي الى زعيم تاريخي لفرقة أخرى من الفرق الضالة التي عرفها تاريخ الفرق المنحلة ، ألا و هي الفرقة العصيدية ، الفرقة الرابعة و السبعين على سلم الشهرستاني و ابن حزم في احصائهما " للفرق و الملل و النحل " بعد ما كنا نعتقد ان تاريخ الفرق و المذاهب الضالة قد انتهى بانتهاء إحصاء الرجلين و حصر الفرق الضالة في ثلاث و سبعين فرقة كما جاء عن نبينا (ص) . إننا فعلا امام تيار عقائدي و ايديولوجي عدائي يمثل خطورة على استمرارية الاستقرار الروحي و صوت الحكمة الذي تأسس مع الاجيال و حقق رصيدا لا يستهان به في ضمان تواصل المغاربة و تعايشهم فيما بينهم مهما اختلفت تنلوناتهم اللغوية و الجغرافية . و بالتالي فإن التيار الذي يحاول عصيد أن يؤسسه تحت يافطة الدفاع عن حقوق الانسان ضدا على عقيدة المغاربة ، أو ما يمكن أن نصفه بالتيار العصيدي المنفلت يقدم في الواقع اسوأ نموذج في الدفاع عن تلك الحقوق ، لان الدفاع عن حقوق الإنسان لا يكون باستهداف هذه الحقوق و هدمها في نفس الوقت ، و نقصد تحديدا الهدم الذي يحدث حينما نتطاول بالاعتداء على حقوق الآخرين الدينية و الاجتماعية التي تأسست من خلال عقيدتهم التي يؤمنون بها و مشاعرهم التي يحتضنونها . و هذا ما حاول عمله عصيد المفتون و يحاول دائما بسبب تطرفه الايديولوجي غير البريء.
لقد حاول عصيد مرارا بأفكاره المنفلتة مهاجمة عقيدة المغاربة و مشاعرهم الانسانية النبيلة .. ضاربا بعرض الحائط كل هذا الضمير الجمعي المتمدن و الرفيع الذي راكمته جملة القيم النبيلة التي تجذرت على ارض المغرب بفعل التأثيرات الايجابية للفكر و الحضارة الاسلامية .. ثم جاء أخيرا فخرج علينا بهذيان مريض فاتهم مراسلات خاتم النبيئين محمد (ص) إلى "هرقل" و غيره من ملوك عصره من خلال قوله «أَسْلِمْ، تَسْلَمْ» بأنّها «تهديدٌ إرهابيٌّ» وبأنّ تدريسها للتلاميذ في مقررات الجذع المشترك من التعليم الثانوي و التأهيلي يَتنافى مع قيم «حُقوق الإنسان» و الدّعوة إلى التّسامُح وحوار الأديان ، و هو بهذا يمارس تحريفا خطيرا ، و أسلوبا مرفوضا في التمويه و التدليس ، بل و يمارس تضليلا فاحشا لا يليق بإنسان مثقف و حقوقي يحمل رسالة سامية الى مجتمعه ، و يبادر من اجل نشر قيم الكرامة الإنسانية و الدفاع عن الإنصاف و الحقوق التي تكرس هذه الكرامة و تحميها .. بل إن ما اقدم عليه عصيد فيه دعوة إلى إثارة الفتنة و التحريض على الكراهية بين المغاربة و أبناء الوطن الواحد و ذلك لسبب بسيط هو أن ما يحاول عصيد نقله الى الرأي العام سواء في الخارج أو الداخل يعتبر تجنيا على الحقيقة الدينية و التاريخية معا و للروح العامة التي بنيت عليها مجمل خطابات الدين الإسلامي و شريعته، حيث إن القاعدة العامة التي بني عليها الإسلام هو نصوص القرآن المنزهة كما في قوله تعالى : (( لا إكراه في الدين )) البقرة/الآية 256 ، و قوله : (( أ فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) يونس/الآية 99 ، و قوله أيضا : (( لست عليهم بمسيطر )) الغاشية/الآية 22، فالنبي (ص) بصريح العبارة القرآنية لم يأتي مكرها للناس و لا بمسيطر عليهم و لا مصادرا لحرياتهم بل جاء ليحررهم من رق جحيم الشهوات و عبادة الهوى و الشيطان الى فضاءات ينعمون فيها بحرية الإيمان و سمو القيم و الأخلاق الإنسانية الفاضلة ، و في النصوص المتقدمة ما يكفي للتدليل على روح الإسلام السمحة و ما يمكن ان تكرسه من إمكانيات تتعلق بتوفير فرص الحوار الديني و الحضاري بين المسلمين و غيرهم من الأمم و أصحاب الديانات و المعتقدات الأخرى ، و كل ذلك خلافا لادعاءات أنصار التطرف الايديولوجي الحاقدين على رسالة الاسلام .
عصيد .. و أطروحته المتهافتة
أمام توجهات الإسلام نحو نشر السلم و مكارم الأخلاق
على أن خطابات عصيد و تصريحاته المقززة و المثيرة للفتنة لا يمكن بحال تمريرها إلى الوجدان الشعبي المسلم مهما حاول ، و ذلك لشيء واحد : و هو ما تمثله هذه التصريحات من أطروحة متهافتة لا تقوى على الثبات أمام المضامين السامية و التوجهات الحقيقية للإسلام و مجمل تعاليمه الداعية إلى توطين مكارم القيم و نشر السلم و السلام بين الخليقة كما يؤخذ من قوله (ص) : (( انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) رواه أحمد . و لقوله : (( يَا أيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلام)) رواه الترمذي و ابن ماجة و غيرهما . و أيضا للمنطق العام لهذا الدين الذي يتجلى من خلال اسمه الذي حمله منذ أول ظهور له، و نقصد به اسم " الإسلام ذاته " المشتق من السلم و السلام ، فالعلاقة بين الإسلام و السلام علاقة تداخل و تلازم اطرادي بمعنى انه كلما اسلم الإنسان وجهه لله خالق السموات و الأرض كلما نعم بالسلام و الأمن ، و بالذات سلم من كل العاهات التي تعتري الإنسان فتنحرف بفطرته عن الصلاح و المثل العليا ، و هذا ما قصده (ص) بقوله لملوك عصره حينما خاطبهم بكلامه الحق : " اسلم تسلم يؤتيك الله أجرك مرتين " إنها دعوة نبوية رحيمة و حالمة الى البشرية عبر قادة العالم من أجل النأي بالنفس عن أسباب الطغيان في الأرض، تلك الأسباب التي تزداد مع الإعراض .. و مع عدم إسلام الإنسان نفسه لخالقه خالق الكون و المولى الحق ، و هو إسلام يتحقق من خلال تدبير شامل لقوى النفس و ما يملك هذا الانسان من مقدرات مادية و معنوية وفق منهج الهي يقوم على رؤية شمولية تحرم كل معتقد فاسد ، و كل ممارسة من شانها أن تؤدي الى الفساد و العدوان و إهدار للحقوق ، تلك الحقوق التي يحاول عصيد أن يتاجر بها من أجل اجندات لا يعلمها إلا الله تعالى، و بذلك يتحقق قوله تعالى : (( الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولائك لهم الأمن و هم مهتدون )) الأنعام/ 82 .
تلك إذن هي الحقيقة التي قصدها النبي (ص) في مراسلاته و عمي عنها عصيد .. و هو بالذات ما فهمه قادة العالم من الملوك الذين خاطبهم النبي (ص) برسائله مثل هرقل امبراطور الروم و المقوس ملك مصر و المنذر بن ساوى ملك البحرين حيث إنهم كما تثبت المصادر التاريخية فهموا جيدا خطاب النبي (ص) و تأدبوا معه غاية الأدب لما أدركوا من مقاصده السامية ، سوى كسرى حاكم الفرس فقد كان الوحيد الذي اساء الفهم و التأويل كما يفعل اليوم انصار التطرف الإيديولوجي حيث دفعته مشاعره الحاقدة المتغطرسة الى تمزيق كتاب الرسول (ص) فكانت عاقبته أن مزق الله ملكه و هد أركان دولته ليكون عبرة للعالمين . فأين إذن الدلالة على الترهيب و الإرهاب كما يحاول عصيد بفكره المتعصب و المغالط أن يلصقه بكلام النبوة .
ان نظرة واحدة الى طبيعة القيم و مكارم الأخلاق التي تؤسس للمشروع الإسلامي في دعوته الناس بغض النظر عن التأويلات التحريفية التي يسعى أصحاب الفتنة الايديولوجية إلصاقها بالإسلام لتأكد كيف ان العقيدة الاسلامية لم تكن في يوم من الايام و لن تكون عقيدة اكراه او ارهاب و ترهيب و إنما هي عقيدة قامت على مبدأي العدل و الاحسان و اعطاء الناس حريتهم من غير مفسدة و من ثمة قال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) النحل/اللآية 90، كما أن نظرة واحدة الى تمجيد هذه العقيدة لقيم مثل البر بالوالدين و صلة الرحم و الاحسان الى الجار و العفو عمن ظلم ، و صلة من قطع ، و الصدق و الأمانة مع من خان، و كل دعوة الى اجتناب الموبقات بكافة اشكالها .. لهي أقوى براهين الإسلام على قوة سموه و حلمه .. و ان كانت هناك حروب خاضها الاسلام ضد انصار الفساد في الارض و المصادرين لحقوق الله و عباده من أهل البغي و الطغيان فإنما جاءت في سياق الدفاع عن مشروع الفضيلة و رفع الظلم عن المستضعفين . إنها حروب باللغة التي يفهمها عصيد من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان التي استمرت مهضومة و مهدرة قبل مجيء النبي البشرية و خاتمها محمد بن عبد الله عليه أزكى الصلوات و التسليم .
إلى عصيد : الحرية في الإسلام
اختيار بين خير و خير و ليس بين خير و شر
و حيث إن عصيدأ يضيق صدره دائما بوجود الإسلام على ارض المغرب راسخا متمكنا مناصرا للفضيلة ، ضامنا لوحدة الامة ، ناهيا عن الفساد و محذرا منه ، و حيث إنه يبيح لفكره المتطرف لهذا السبب مهاجمة عقيدة المغاربة و كافة المسلمين البالغ عددهم المليار و نصف مسلم تحت يافطة حقوق الإنسان و الدعوة إلى احترام حريته و حقه في الاختيار .. متهما دين الإسلام بمصادرته لهذا الحق، فإننا نقول له إن الإسلام يتحداك أن تثبت و لو مرة واحدة انتهاكه لهذا الحق المقدس و الطبيعي ، إذ كيف يمكن لدين يتصف بكونه دينا للفطرة ان يناقض مقتضيات هذه الفطرة التواقة دائما نحو الحرية و الانعتاق .. إلا أن يكون هناك حالات استثنائية تقتضيها ظروف قاهرة توجب المصلحة مراعاتها كما في حالة المخالفات و ارتكاب الجرائم .. ان ما لا يعلمه عصيد هو أن الإسلام في تقديره لحرية الإنسان ينطلق من فطرة هذا الإنسان و طبيعته و مختلف الشروط و القوانين التي تتحكم في وجوده ، و لا ينطلق من مفهوم الحرية المبتذل الذي يحاول عصيد ان يسوقه بالرغم من شذوذ هذا المفهوم عن الطبيعة الانسانية الحتمية ، و مادامت الشروط و القوانين المتحكمة في الوجود الانساني تفرض على الإنسان وضعا يتسم بالنسبية ، و يقيد وجوده في الزمن و المكان ، و في كل ما يملك من إمكانيات و مقدرات عقلية و نفسية و بدنية فلذلك جعل الإسلام الذي يهاجمه عصيد حدودا و نسبية لهذه الحرية التي يجب ان يتمتع بها الإنسان . لان وجود حرية بلا حدود تمنح للجنس البشري يعتبر أمرا يتنافى مع طبيعته النسبية ، كما أنه أمر ليس من المصلحة الباتة أو ملائما في المحصلة لهذه الطبيعة ، إنه من خلال تأمل بسيط ندرك أنه لا يمكننا أن نمنح لهذا الانسان حق الاختيار بين تناول ما هو سام و غير السام ؟ لأننا نعلم مسبقا أننا لو منحناه هذا الحق ، فانه سيودي بحياته حتما ، كما انه لا يمكننا ان نمنحه حرية الاختيار بين الضار و النافع ؟ أو بين الخبيث و الطيب ؟ لعلمنا القطعي بالمآلات المفجعة لمثل هذا النمط من الحرية في الاختيار . و إذا كان هذا يصح على مستوى القيم المادية ، فإن نفس الامر يصح أيضا على مستوى المعتقدات و الافكار ، و مجمل القيم المعنوية التي تعتبر في الشرع حارسة للقيم المادية و حامية لها .. و إذا فقد وجب أن تكون حرية الانسان نسبية و مقيدة في إطار ما يحفظ توازن حياة الانسان و يضمن سلامتها و استمرارها .
نعم ، يا عصيد ، إن هاهنا اسبابا تؤدي الى حفظ الحياة و سلامة الانسان و تلك أمور قد اباحها الاسلام و جعلها الله مجالا للحرية و الاختيار ، كما أن هاهنا اسبابا أخرى مؤذية ضارة تؤدي الى دمار الحياة و المس بسلامة هذا الانسان .. و لذلك حرمها الله تعالى من خلال احكام شريعته و جعلها خطوطا حمراء محظور الاقتراب منها ، و لأجل ذلك أخرجها عن دائر الحرية و حق الاختيار . إن المعيار في الحرية وضبط مجالها هي الضروريات الخمس ، التي حصرها عقلانيو الاسلام في حفظ الدين و النفس و العقل و المال و النسل .. و هكذا فالحرية في الإسلام هي اختيار بين خير و خير مثله و في نطاق ما يحفظ الضروريات الخمس ، اما ان نبيح للناس الاختيار بين الخير و الشر و ما يهدم تلك الضروريات كما يدعو الى ذلك عصيد و أمثاله باسم حقوق الانسان و مبادئ الديمقراطية فتلك مغالطة و خداع و جناية على البشرية .
التطرف الأيديولوجي
يسعى لفرض نفسه وصيا على المنظومة التربوية الوطنية
من ناحية أخرى، فإنه لا يسعنا إلا أن نتساءل بعد فحص دقيق لمجمل تلك الأساليب العصيدية الموغلة في التهريج و فن التمويه و الخداع الكلامي ابتغاء التأويل و الفتنة : كيف أن الرجل سمح لنفسه ان يتجرأ على الاسس الاعتقادية التي تستند اليها المنظومة التربوية الوطنية في بعض جوانبها ليضعها موضع المحاكمة منطلقا من تأويلاته الباطلة و أدلته المزورة . و هو الشيء الذي يعتبر مرفوضا رفضا باتا لأن ما بني على باطل فهو باطل حتما ، خاصة بعدما علمنا أن الرجل إنما يمارس فن التهريج و لغة ويل للمصلين بامتياز و أن مشاعر من الحقد و الرغبة في إثارة الفتنة و الشغب هي التي تحركه ، كما أن الأطروحات التي ينطلق منها في النقد و إثارة الشبهات كلها متهافتة لا تثبت أمام الدراسة العلمية و طبيعة توجهات الاسلام الملائمة للفطرة و الحياة و معطيات التاريخ الحقة ..
نعم .. إن عصيدا و ما يمثله من تطرف ايديولوجي و شذوذ فكري لم يتورع عن نقد الإيديولوجية المؤطرة للمنظومة التربوية، و بالتالي نصب نفسه وصيا على نظام المغاربة في التربية و التكوين من غير أن يفوض له أحد بذلك، داعيا إلى ضرورة إعادة النظر في المرتكزات العقدية التي تستند إليها منظومتنا التربوية و التي سماها ب "الإيديولوجية المؤطرة" بحجة أن : " التلاميذ [حسب] المقررات الدراسية الموجودة حاليا يدرسون أمورا تتعارض كليا مع ما نتحدث عنه من قيم حقوق الإنسان،[ و يضيف قائلا ] : عندما تدرس لتلميذ الجذع المشترك في المقرر رسالة النبي محمد والتي هي رسالة تهديدية "أسلم تسلم" ثم تأتي فيما بعد وتتحدث عن حوار الأديان وعن الحريات وعن كذا، هذا الشيء متناقض، الرسالة التي تدرس في المقرر لتلامذتنا وهم في سن السادسة عشر هي في الحقيقة رسالة إرهابية لأنها ترتبط بسياق كان فيه الدين ينشر بالسيف و بالعنف، اليوم المعتقد اختيار شخصي حر للأفراد، لا يمكن أن تدرس التلميذ رسالة تقول إما أن تسلم وإما أنك ستموت، وتدرس على أنها من القيم العليا للإسلام، انظروا كيف أن النبي في ذلك الزمان هدد وكذا، هذا شيء غير مشرف وهو موجود في المنظومة التربوية.." الخ.
تلك هي تصريحات عصيد المقززة و المموهة التي أطلقها في الندوة الحقوقية التي نظمتها "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان"خلال انعقاد مؤتمرها العاشر أيام 19 و 21 أبريل بالرباط حيث دعا فيها الى ضرورة إعادة النظر في المرتكزات العقدية التي تستند اليها منظومتنا التربوية . و الواقع أن المتتبع لهذه التصريحات الفجة ، يلاحظ ما يلي :
أولا أن الرجل نصب نفسه وصيا على المنظومة التربوية يحاكمها بأدلة مزورة كما يشاء ، و يقوم فيها ما يشاء ثم يترك و يغض الطرف عما يشاء في انتقائية غريبة تطرح أكثر من تساؤل ، و تؤكد أنه تماما ينطلق من خلفيات محددة و من أجل خدمة أجندة مرسومة بعناية لكنها معادية بحدة لعقيدة المغاربة، و مستهدفة إثارة الفتنة و البلبلة ، و زعزعة الاستقرار الروحي العام .
ثانيا أن كل هذا الهراء الذي يصدر عن رجل يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان و حرية المعتقد كنا سنعتبره هراء متوازنا لو أنه قدم لنا نقدا شاملا لكل الاختلالات التي تستهدف حقوق الإنسان بالمنظومة التربوية ، و خاصة في المجالات التي تتعلق بالعنف المدرسي ، و الانحراف و تعاطي المخدرات ، و الغش في الامتحانات ، و الهدر المدرسي... الخ و لكنه للأسف زاغت بوصلته و غض الطرف عن كل ذلك فلم يرى إلا مهاجمة عقيدة المسلمين و إلصاق التهم بهم و بالتالي تحولت تصريحاته الى آلة لممارسة العدوان ضد مشاعر الملايين من المغاربة و غير المغاربة حينما يتهجم زورا و بهتانا على نبيهم عليه أفضل الصلاة و السلام .. و يتهمه بالإرهاب و أن دين الاسلام قد انتشر بقوة السيف و العنف محرفا الحقيقة الدينية و مبادئها السامية ، ثم الحقيقة التاريخية التي دلت على أن الاسلام إنما دخل أغلب بقاع العالم عن طريق مبادئه الداعية الى الرحمة و السلم و مكارم الأخلاق و التي لا يعلم عصيد أن أعظمها البر بالوالدين بعد عبادة الواحد رب العالمين ، و أن ما وقع من عنف و حروب إنما يعود الى مقاومة أهل الظلم و الفساد و المستكبرين في الأرض .
ثالثا أن الرجل و دائما باسم حقوق الإنسان و حرية المعتقد لم يحز في نفسه إلا هذه الباقية الباقية من المضامين النيرة ذات المرجعية الاسلامية التي تمثل في الواقع عمق الوجدان الشعبي ، و تسهم بالتالي في تحسيس الناشئة بسيرة رسول البشرية محمد بن عبد الله العربي الذي ما بعث إلا رحمة ليعلم الإنسانية مبادئ التعايش على قاعدة الأخوة الإنسانية و قيم السلم و العدالة و الفضيلة.. و لكن في مقابل هذا ، و ما دام عصيد قد نصب نفسه وصيا على التربية ، أليس من حقنا أن نسأله عن موقفه الحقوقي و أين غابت تصريحاته بخصوص المضامين الخليعة باسم الإبداع الأدبي المنبثة في بعض المواد التعليمية و التي تهدف الى نشر الميوعة و الانحلال بين الشباب و المراهقين، أليس هذا أيها الحقوقي المتمرس اعتداء سافر و مس بحق الناشئة في تعليم متوازن يربي لديهم العفاف و الالتزام بالأخلاق و المواطنة ، و يحفظ قيم العيش المشترك و يصون الفضيلة داخل المجتمع؟ . فلماذا إذن لا تركز انتقاداتك الحقوقية و مقارباتك الفلسفية على الجانب من الايديولوجية المؤطرة للمنظومة التربوية التي تبيح استعمال المضامين الخليعة، و المحتويات ذات الطابع التحريضي و الإيحائي في المقررات الدراسية مما يجعلها تسهم حتما في نشر الميوعة و الانحلال بين التلاميذ ..؟؟
إن أخطر ما يجب أن ننبه عليه الحقوقي عصيد ، هو أن التطرف الايديولوجي لا يصلح أرضية لمحاكمة عقائد الناس و مشاعرهم .. كما أن الدفاع عن حقوق الانسان هو ليس ألعوبة للمتاجرة و المزايدة و إثارة الفتنة .. و إنما لأجل احترام مشاعر الآخرين و معتقداتهم .. و البعد عن ممارسة التدجيل و التمويه و المغالطة !!؟؟
ذ/ السعيد ريان ابو خير الدين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.