وصف التقرير السنوي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وضعية التعليم المغربي ب"المزرية"، مذكّرا بأن البلد عرف احتجاجات مستمرة في سنة 2017 ضد المخطّطات والسياسات الهادفة إلى ضرب المدرسة العمومية، وتفويت العديد منها للخواص؛ وهو ما يشكّل، حسب التقرير نفسه، ضربا لمبادئ عدم التمييز والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية التي تأسّس عليها نظام حقوق الإنسان. وعدّد التقرير مجموعة من التحديات، التي تواجه الحق في التعليم، من بينها انتشار الأمية، وحرمان مئات الآلاف من الأطفال من الولوج إلى التعليم، خصوصا الأطفال المنتمين إلى شرائح اجتماعية فقيرة وقروية، والإناث والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو الأطفال في وضعيات صعبة. ومن بين تحديات الدراسة بالمغرب جودة النظام التعليمي، الذي يعرف ارتفاعا في نسب التكرار، والانقطاع عن الدراسة، والاكتظاظ في السنة الدراسية 2016-2017، الذي بلغ مستويات توضّح معطيات التقرير أنها "غير مسبوقة" في تاريخ المدرسة المغربية، إلى جانب "الخصاص المهول" في الأطر التربوية والإدارية، والنقص في البنيات التحتية المدرسية، واللجوء إلى التعاقد مع أطر دون تأهيلها للتدريس، والإبقاء على المناهج والبرامج الدراسية نفسها التي لا تتلاءم مع قيم حقوق الإنسان. حالة التعليم وحسب تقرير الجمعية، لا يزال التعليم المغربي يعاني ضعف الولوج، مع تفاقم مختلف أشكال التمييز، وتفشي الأمية بين الكبار، وتزايد معدلات الهدر المدرسي، إلى جانب تدني نوعية هذا التعليم وجودته. ورغم تزايد نسبة تمدرس الأطفال بالسلك الابتدائي، التي وصلت إلى 99.1 بالمائة، فإن هذه النسبة تبقى ضعيفة في السلكين الإعدادي والثانوي، حيث لا تتجاوز 66.6 في المائة في الثانوي التأهيلي؛ وهو ما دفع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى التصريح بأن الحق في التعليم يعاني التمييز وانعدام المساواة، وأنه ليس في متناول جميع المغاربة. كما عبرت الجمعية عن قلقها من كون هذا التمييز يمس أساسا أطفال المناطق القروية وشبه الحضرية، خصوصا الفتيات، والفئات الاجتماعية الفقيرة أو ذات الدخل المحدود، والأطفال في وضعية إعاقة أو في وضعيات صعبة مثل أطفال المهاجرين. وتظهر المعطيات التي جاءت في التقرير وجود فوارق مجالية بين الوسطين الحضري والقروي، فنسبَة تمدرس الفئة العمرية التي تتراوح بين 15 و17 سنة تصل إلى أزيد من 86 بالمائة في الوسط الحضري، بينما لا تتجاوز 40.6 في المائة في الوسط القروي؛ وهو ما يخفي فوارق مهمة بين الجهات والأقاليم وداخلها، التي تعرف نسب تمدرس ضعيفة، خصوصا في المناطق النائية. ويمثّل الأطفال في وضعية إعاقة الفئة الأكثر عرضة للتمييز في مجال الوصول إلى التعليم. واستشهد التقرير في هذا السياق بقلق اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من انتشار نظام تعليم خاص منفصل عن الدولة، وتدني عدد الطلاب ذوي الإعاقة في نظام التعليم العادي وفصوله الدراسية، والحواجز التي يواجهها الطلاب ذوو الإعاقة في الوصول إلى المدارس العادية؛ مثل طول المسافات، ونقص المعلمين المدرَّبين في مجال التعليم الجامع، ونقص المناهج الدراسية ميسرة الاستعمال، وضعف الإلمام بلغة الإشارة، والمواقف السلبية المجتمعية المناهضة لالتحاق الأطفال ذوي الإعاقة بالمدارس العادية، وعدم وجود آلية للإبلاغ يلجأ إليها الآباء والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يحرمون من إمكانية الحصول على التعليم أو من الترتيبات التيسيرية المعقولة. تفشّي الأمية والهدر المدرسي يعتبر التقرير أن الدولة المغربية فشلت في الحد من الأمية، التي تقدّر نسبتها بين السكان، الذين يبلغون 25 سنة أو أكثر، ب44 في المائة، وتبلغ نسبتها 57.9 في المائة في صفوف النساء، بينما لا تمس إلا 28.2 في المائة من الرجال، فيما تصل نسبتها إلى 32 في المائة في صفوف من تتجاوز أعمارهم 10 سنوات، حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط. ولا يكفي عدد المؤسسات التعليمية في استقبال العدد المتزايد من الأطفال في سن التمدرس، خصوصا في المناطق القروية والبعيدة والمعزولة والمناطق شبه الحضرية. وتعرف هذه المؤسسات التي بلغ عددها 10911 مؤسسة تفاقما في نسبة الاكتظاظ، مع عدم استجابة الفرعيات، التي يوجد جلّها بالعالم القروي، للمعايير المعمول بها في بناء المؤسسات التعليمية. وتستمر معاناة النظام التعليمي المغربي مع آفة الهدر المدرسي، يضيف التقرير نفسه، من حيث تزايد معدلات التكرار، والانقطاع عن الدراسة، وضعف استكمالها، وهو ما تترتّب عنه نتائج اجتماعية كارثية مثل انتشار الأمية، وتعزيز صفوف الشباب العاطلين، والانحراف، وهو هدر مدرسي يرافقه هدرٌ في الموارد المالية يقدّر ب7.42 مليارات سنويا. ويتجلى فشل الإصلاحات التي تهدف إلى تعميم التعليم الأولي في حرمان 50.5 في المائة من الأطفال من التعليم الأولي خلال الموسم الدراسي 2016 – 2017. وتزداد هذه الفوارق عندما يتعلق الأمر بالنوع، حيث وصلت نسبة تمدرس الفتيات إلى 43 بالمائة فقط؛ وتكرّسُ هذه الفوارق هيمنةَ القطاع الخاص الذي يطغى عليه هاجس الربح، مع تسجيل التقرير تفاوتا خطيرا في رسوم التسجيل والدراسة بين مختلف المؤسسات. انتقادات بالجملة ونبّه التقرير إلى تجاوز المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حدوده كهيئة استشارية ليصبح الهيئة الحقيقية التي تقرّر في السياسة التربوية بالمغرب؛ وهو ما يبدو في عرض الحكومة، من جديد، مشروع القانون الإطار لتنفيذ الرؤية الاستراتيجية على المجلس من أجل إبداء رأيه فيه. وتحدّث التقرير عن اعتبار "الرؤية الاستراتيجية 2015 - 2030 حول التربية والتكوين" الميثاقَ الوطني للتربية والتكوين إطارا مرجعيا رغم فشله، خصوصا في القضايا المرتبطة بتنويع الموارد المالية لنظام التربية والتكوين؛ من خلال تنويع الموارد المالية لنظام التربية والتكوين عبر إسهام القطاع الخاص عن طريق مختلف الصيغ، والجماعات الترابية، والأسر الميسورة. كما ورد في التقرير حديث عن عدم مصادقة المغرب بعد على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، الذي دخل حيّز النّفاذ في شهر ماي من سنة 2013، والذي يتيح إمكانية التقاضي في مجال الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، بما في ذلك الحق في التعليم. وذكّر المصدر نفسه بالاحتجاجات والانتقادات، التي تلت تقديم الصيغة الأولية للقانون الإطار عندما كان مشروعا، لكونه "مخطّطا تراجعيّا يهدف إلى القضاء التام على المدرسة، والجامعة العموميتين، تحت ضغط النيوليبرالية المدعومة من طرف الدوائر المالية العالمية، وعلى رأسها البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الإفريقي للتنمية"، بسبب ضرب مجانية التعليم عبر إقرار رسوم للتسجيل على "الأسر الميسورة"، دون تحديد حدود المفهوم بمؤسسات التعليم العالي في مرحلة أولى، والثانوي التأهيلي في مرحلة ثانية، رغم أن "الأسر الميسورة غادرت التعليم العمومي وترسل أبناءها إلى التعليم الخصوصي". ومن بين الانتقادات كذلك عدم إشراك الفاعلين المعنيين في بلورة القانون، وعدم استحضار المقاربة الحقوقية الكونية عند صياغته بعدم النّص على أن التعليم حق من حقوق الإنسان الأساسية، وتتحمّل الدولة مسؤولية احترامه، وإعماله، وحمايته بالنظر إلى التزاماتها الدولية، إضافة إلى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التعليم، مع منحه تحفيزات جبائية دون دراسة آثار اللجوء المتزايد إلى خدمات القطاع الخاص الهادف إلى الربح من الحق في التعليم. وأحال التقرير في هذا السياق على دراسات وتقارير وتعاليق تظهر الآثار السلبية للخوصصة على الحق في التعليم، ومساهمتها في ضرب مبادئ المساواة وعدم التمييز وجودة التعليم، وفي تراجع الاستثمار العمومي في التعليم. ديون التعليم عرفت ميزانية التعليم، حسب تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، انخفاضا مهما بين سنة 2009 وسنة 2017 بنسبة تصل إلى 8.2 بالمائة، رغم تزايد عدد التلاميذ في المرحلة نفسها. ويتمّ تحويل جزء كبير من هذه الميزانية لفائدة مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، التي تدبّر مبالغ كبيرة وصلت سنة 2017 إلى 730 مليون درهم، دون تقديم أي حساب للجهة المانحة. واستشهد المصدر بتقرير للمجلس الأعلى للحسابات ذكر بأن أزيد من 8.9 مليارات درهم لم تُحوَّل إلى الأكاديميات خلال مرحلة تنفيذ البرنامج الاستعجالي؛ وهو ما أثّر ويستمر في التّأثير على تنفيذ برامج العمل بسبب الغرق في ديون لم يُسدّد منها جزء كبير إلى حدود اليوم، مضيفا أن التعاقد الذي سيصبح هو القاعدة يفتح الباب أمام عدم الاستقرار والهشاشة. وركّز التقرير على ضرورة توفر إرادة سياسية حقيقية في تعبئة الموارد الكافية للتعليم، من خلال وضع نظام ضريبي عادل، وتوجيه جزء من النفقات الضريبية نحو التعليم، وفرض ضريبة على الثروات، واستهداف المقاولات الكبرى والأبناك عوض الأسر التي تنفق على التعليم على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، مثيرا الانتباه في هذا السياق إلى ما أسماه أوجه الفساد، وسوء التدبير، وغياب ترشيد النفقات والتخطيط والبرمجة، وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة.