إن عالمية أي نص مسرحي تكمن في قدرته على التماهي مع مختلف المتغيرات المجتمعية على مدى سنوات ، و قد تمكن الكاتب الأمريكي إدوارد ألبي من تمثل هذه الخاصية في العديد من أعماله المسرحية الرائدة كقصة حديقة الحيوان مثلا. و إن كانت أغلب كتابات فترة الطليعة أو ما عرف بمسرح اللامعقول شكلت ثورة ضد كل أعراف المجتمع الأوربي و الأمريكي خلال فترة ما بعد الحربين العالميتن الأولى والثانية و مخلفاتهما النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية، برزت في جل الكتابات التي انتصرت لفكرة عبثية الحياة ، و ميل الفرد نحو الإنعزال و انعدام الثقة في الاخر ، خصائص وحدت كتابا مثل صامويل بيكيت و يوجين يونسكو و هارولد بينتر و البرت كامو و اداموف و فرناندو أرابال .. النص المسرحي " قصة حديقة الحيوان " يعد من النصوص الأولى التي كتبها ادوارد البي سنة 1958 ، تبدأ أحداث المسرحية في التصاعد بين شخصيتي جيري و بطرس ، يعرفنا كل واحد منهما على رؤيته، و نزعاته و اضطراباته الشخصية خاصة لدى جيري، و تتوالى الأحداث عبر حوار ثنائي ينتهي بطريقة مفجعة تراجيدية. إن من يقرأ النص المسرحي لكاتبه إدوارد ألبي و يشاهد العرض المسرحي لفرقة محترف الفدان للمسرح بتطوان يستنبط قدرة المخرج طارق الشاط على تحويل شخصية جيري إلى متعدد الاضطرابات و الحالات الشعورية، ثم ان تكثيف الحركة عبر اللوحات الكوليغرافية و التشكيل السينوغرافي منح مساحات أخرى للنص، كما أن التشخيص المتقن لممثلين كمحسن حمود و محسن البودرار وعبد الله الطالب و رضا الدغمومي اسهم في هذا التكامل بين مختلف مكونات العرض المسرحي، نص يأخذنا و إن كان قد كتب منذ حوالي ستين سنة إلى عوالم يتداخل فيها الواقع المعاش مع عبثية الحياة، و يبقي السؤال مفتوحا على كل الاحتمالات ، نقبل هذه الحياة كما هي أم نرفضها ؟