ضدا على نرفزة نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد،و التي لم تجد أسلوبا أرقى لإبداء احتجاجها على قطبية ألقت بها خارج حسابات المشهد السياسي سوى الاستخفاف بالمدرسة العمومية. ضدا على زلات اللسان و التعبيرات غير اللائقة لمن يُفترض فيهم أنهم واجهة المشهد المجتمعي،و أنهم الأبلغ حرصا على ترويج خطاب راق و حداثي يرفع من مؤشرات الوعي. وضدا على جر المدرس من ياقة وزرته،وسحله في الشوارع كلما تعكر مزاج الساسة. ضدا على هؤلاء لا يسعني إلا الانحناء إجلالا لمدرسة " احفظ واعرض " التي حفظت عقولنا و أعرضت عن حداثة هامشية مولعة بالطلاء الخارجي دون هز البنى العميقة و تحديث الفكر والرؤى و القناعات . ما تلفظت به نبيلة منيب شاهد على أن لغة الانتخابات الأقرب للرومانسية منها للبرامج الواقعية،تنقشع كسحابة صيف،وتتبدد في الهواء كعطر رخيص إذا ما جاءت الحصيلة مخيبة لانتظارات السياسي.وبدل أن يمارس هذا الأخير نقدا ذاتيا،ويبحث عن منافذ إغاثة تسحب الهواء الملوث إلى الخارج،نراه يفضل عنترية "باسلة" ضد طبقات الشعب التي صدئت حواسها الخمس بفعل الوعود و أحلام اليقظة المتبلة بخلاصة السين و سوف و كلام النواعم . ما تلفظت به نبيلة منيب يكشف أن الإساءة للمدرسة العمومية ونصب المشانق لها كلما "طاحت" صومعة حزب،أو تراجعت مصداقيته لدى من يمثلهم غداة كل اقتراع، أمسى تقليدا سياسيا مرعيا في كل لقاء إعلامي،كأن المدرسة العمومية ليست سوى مشتل لمحدودي الذكاء،والعاجزين عن تبين الخط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ! وما تلفظت به نبيلة منيب يكشف أن زمرة من السياسيين المغاربة لا زالت تختزل الفعل السياسي في لعبة تتجدد كل يضع سنين، وتبيح كل أشكال المناورة و المراوغة و الضرب تحت الحزام لحصد المقاعد وإرواء شغف الاستوزار. أما إن رجحت خلالها كفة الإرادة الشعبية تأييدا لهذا وتأديبا لذاك فلا مناص من إثارة غبار المعارك،بدل تجديد الإنصات لنبض الشارع وتصحيح المسار . إن الشباب الذي قابل عزوف الأمس بمتابعة آنية حملت بعض السياسيين إلى مصاف النجوم،وألقت بآخرين في قبو الأرشيف، يملك من الذكاء و الغيرة و الحماس ما يفرض على كل الساسة إعادة ترتيب أوراقهم،و الكف عن تسويغ الفشل،و الهروب إلى الأمام. فالمشهد السياسي اليوم بصدد التشكل وفق رغبة أجيال تؤمن بالمستقبل، وبإخراج البلد من متاهة المؤشرات الصادمة، و الاختلالات العميقة التي تغلي بسببها "مراجل" التواصل الاجتماعي ! أما الوضع المتأزم الذي تشهده المدرسة العمومية اليوم فليس وليد عوامل ذاتية بقدر ما هو تجل صارخ للسياسات الحكومية المرتبكة و المتعجلة ،التي تتهيب الإصلاح العميق والجاد،وتراهن بدلا عنه على جرعات مهدئة.في حين أن الرفع من جودة أدائها وكفاءة مخرجاتها حتى تملك الحس النقدي الذي تراهن عليه سيدة اليسار ينبغي أن يتحقق أولا داخل أروقة الحكومة و المصالح الوزارية،قبل أن يصبح واقعا داخل الفصول الدراسية. إنه لمن دواعي فخري أن أكون خريجا ثم عاملا بمدرسة "احفظ واعرض " ..هذا المشتل النبيل الذي صان حتى الأمس القريب،ومؤكد أنه يبذل وسعه اليوم ،قيم المغاربة وولاءهم لوطنهم. هذا المشتل الذي وإن تفرقت أهواء وأمزجة المنتسبين إليه، إلا أني على يقين أن في خلجات نفوسهم حنينا دائما إلى مدرستهم "الحلوة" التي أمدتهم بقدر غير يسير من المعرفة و الأخلاق و السلوك القويم، ووهبتهم مفاتيح حس نقدي ينشأ لاحقا من ارتطامهم بصخرة الواقع.لذا فإن تأخر ظهوره يُنسب صدقا وواقعا لباعة الوهم في مشهدنا السياسي وليس لمدرسين ارتخت مفاصلهم في حجرات الدرس إيمانا بالرسالة و الواجب . يُحكى أن حاتما الطائي مر يوما بقبيلة عنزة فلمح أسيرا موثقا إلى جانب خيمة، فسأل عنه حاله فقيل له : إنه أسير عليه دين ولن نفك وثاقه حتى يسدد ما عليه.فالتمس حاتم أن يسدد عنه دينه،وأن يجعلوه مكانه إلى أن يرجع الأسير بمبلغ الدين فوافقوا . وبينما حاتم كذلك إذ مرت خادمة بجواره، فنظرت إليه شزرا ثم لطمته على وجهه. وكان من عادة القبيلة أن النساء الحرائر هن فقط من يلبسن الأساور، فلما لم ير في معصمها سوارا قال قولته التي سارت مثلا : " لو ذات سوار لطمتني "، أي لو كانت الصفعة من كف امرأة حرة لهان الأمر على سيد الجود في بلاد العرب. و ذاك قدر المدرسة العمومية اليوم.. على ما يبدو !