إحالة: في إسهام سابق *تناولنا بالبحث بعض الجوانب المتعلقة بالممارسة الجمعوية من حيث النشأة و السيرورة و الامتداد،و كان الهدف الأساس هو نفض الغبارعن تلك الأسئلة المحايثة للعمل الجمعوي ضمن متغيرات المرحلة،طبيعته ،موقعه،رهاناته و تحدياته.و اليوم و إذ نعود من جديد لمساءلة العمل الجمعوي فإنما نعود لتخصيص القول في هذه الممارسة من حيث حصر الأسئلة الجوهرية،أي تلك التي قد تصلح كمداخل لتأسيس مقاربات جديدة لهذا الحقل الإشكالي العام. 1-في تحديد العناصر المؤسسة للأسئلة الجوهرية: يتحدد العمل الجمعوي باعتباره مشتركا لفظيا و دلاليا تتقاطع فيه مجموعة من الحقول ذات الارتباط بمنطلقات و اهتمامات و ممارسات و غايات إطارات المجتمع المدني -الآخذ في التشكل-و نعني تحديدا تلك الإحالة المشتركة على شعار التوحيد و التكتل و الاختلاف و الديموقراطية و الفعل الجماعي من أجل مواجهة ذلك الوعي المتأخر الذي ينتصر للمطلق و الجوهر،أي ذلك الجرح النرجسي القئل بامتلاك الحقيقة و ذلك الانجراح الطبقي السائد و المتهاوي ،و هو المشهد الذي لا زلنا نعيش مخاضاته و تجلياته و تحولاته و انكساراته و كذا حالات اليأس و الإحباط التي ينتجها. من هنا اعتبرنا العمل الجمعوي حقلا إشكاليا لأن في صلبه تكمن الأسئلة الجوهرية نفسها التي نواجهها عند اقترابنا من ذلك النقاش السياسي و النقابي و الثقافي من حيث الأداء و المردودية،و هو أيضا حقل إشكالي من حيث تعدد أسئلته و ذلك الترابط البنيوي -على مستوى العمق-الذي يحدد طبيعة و صيغة اقتراح هذه الأسئلة. هكذا لن تتحدد هذه الأسئلة خارج حقلها العام و خارج سياقاتها و شروطها الذاتية و الموضوعية،و من حيث هي كذلك فسوف تصب في عمق رهانات و تحديات كل القوى التغييرية المكافحة من أجل تسييد الديموقراطية و تجذيرو تحقيق المطالب المؤجلة أو المشوهة أو المعاقة.و إذا كانت هذه الأسئلة تحمل عناصر الانتماء و التشكيك في هذا الانتماء فإننا سنجدها تحمل أيضا حرقة الإخفاق في تحقيق عمق هذا النتماء.و من هنا ستصبح هذه الأسئلة المتقدمة /المتأخرة عبارة عن نقد ذاتي لتجربة الإخفاق التي لا تنتهي ، شبيهة بروح ذلك البطل الإشكالي في بحثه الذي لا ينتهي. هكذا نخلص إلى تخصيص الاسئلة بالوصف..فما أحوجنا إلى نظرية للوصف،ترفع الفكر و الممارسة إلى مستوى الوضوح و الشفافية الضروريين على الأقل بدل اللبس و الغموض و الالتواء.من نحن؟ماذا نريد؟من نخاطب؟كيف نخاطب؟و ما هو هذا الخطاب؟ تلك هي الاسئلة الجوهرية في الممارسة الجمعوية. 2-في تجديل الأسئلة الجوهرية: يمكن طرح السؤال:كيف يمكن الانفلات من السابق قوله و السابق التفكير فيه؟إذ ليس هناك أكثر تبدلا من القول بفكرة ثابتة كما يقال..و تأسيسا عليه يصبح طرح هذه الأسئلة و إعادة طرحها عملية فضح تجد شروطها في تلك الانحرافات القبلية و المحايثة للممارسة،و نعني بتلك الانحرافات ذلك الاتفاف السلبي عما يمكنه أن يشكل الضمانات الحقيقية لإنجاح الممارسة الديموقراطية الجذرية و من ضمنها إنجاح الممارسة الجمعوية تنظيميا و معرفيا أداء و مردودية. هكذا لا نرى إلى هذه الأسئلة إلا من حيث زاوية التداخل و التفاعل و في نسقية و تكامل ،ما دامت تهم ذلك -المشترك الحي- و ما دامت تحيل إلى العناصر الأساسية الكفيلة بترجيح كفة الديموقراطية الجذرية المنغرسة في منبتها الطبيعي. إن العمل الجمعوي هو نسق من أنساق التواصل الجماهري و هو بذلك يتخذ نفس النظام من حيث ضرورة وجود مخاطب و مخاطب و قنوات الاتصال و خطاب،و هي دورة لا تتم إلا بورود هذه العناصر نفسها،و لا يمكن لهذه الدورة أن تأخذ فاعليتها الإجرائية و الوظيفية إذا لم يكن هذا المخاطب واضحا و متجانسا ،و نقصد بذلك ضرورة إنتاج خطاب له صداه لدى المخاطب ، غير ملتبس أو مفكك،و هذا لن ينفي بالطبع تناقضات منتج الخطاب على مستوى العمق. إن الخطاب في الممارسة الجمعوية لن يتحدد بمعزل عن حدي المخاطب و المخاطب و هو بذلك يفترض رفع اللبس عن الذات المخاطبة و حل التناقضات الحاصلة بين الانتصار للولاءات و الدفاع عن عمومية المرجع و المشترك العام، و ذلك من أجل إنتاج خطاب قادر على توسيع و اختراق دائرة المخاطب بل و جعل هذا المخاطب فاعلا أساسيا في عملية الإنتاج. تأسيسا على ما سبق كيف يمكن النظر إلى أدوات الخطاب؟ نستحضر هنا بالتأكيد علاقة الذات بالموضوع و العلاقة الطبيعية المفترضة هي التي تقترح أدوات الاشتغال بحيث تجد هذه الأدوات ما يدعمها و يقوي احتمالات اختيارها و يدحض في الآن نفسه كل ما ينفيها.نخلص إذن إلى كون أدوات الخطاب لا تتبنين خرج النسق بل و عليها أن تنغرس في صلب النظام و عناصره لضمان تحقق مادي إيجابي .هكذا يمكن القول بضرورة بناء تصور للتواصل و تصور للخطاب محايثين إن لم يكونا سابقين للممارسة الجمعوية. 3-في تخصيص القول:الأسئلة الجوهرية و الطبيعة الجمعوية. إن العمل الجمعوي هو احتفال، احتفال بعمومية المرجع و المشترك العام،تجسيد للانتماء إلى جغرافية تخترق الحدود المألوفة و تعبر إلى المقتطع و المنسي و المهمش و من حيث هو كذلك فهو إعلان عن رفض جمعي للمشوه و المدبر و المستنزف،إنه تلك الأداة الكفاحية التغييرية الضاربة في العمق و لا يمكن فهمه إلاعلى هذا الأساس و هو ما يفرض تحرير العمل الجمعوي من تلك النظرة التقليدية و ذلك التوظيف المشبوه.و لنعترف أن ما يعرفه العمل الجمعوي في كثير من الأحيان إنما هو عقدة تتم من وراء ظهره و ضد مجراه . هكذا سيخوض العمل الجمعوي مسلسله و لن تكون أبدا الطريق معبدة أو مفروشة بالورود ، إنه سباق آخرضد الزمن و ضد ذلك الإرث الثقيل من النعرات و الانحرافات ..ذلك هو الخيار الصعب.