الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيئين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. مما لا شك فيه أن المسلمين قاطبة يتحرقون شوقا لحلول شهر رمضان المبارك، وينتظرونه بشغف كبير، ويدعون الله سبحانه وتعالى أن يبلغهم هذا الشهر، شهر الخير والإحسان، شهر التوبة والغفران، شهر الدعاء والقرآن، شهر الصبر وإصلاح النفس. قال تعالى:﴿يٰأَيُّهَا0لَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ 0لصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى 0لَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة:183] «إن الصيام يُعِد نفس الصائم لتقوى الله تعالى بترك شهواته الطبيعية المباحة الميسورة امتثالا لأمره واحتساباللأجر عنده ، فتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة والصبر عنها فيكون اجتنابها أيسر عليه ، وتقوى على النهوض بالطاعات والمصالح والاصطبار عليها فيكون الثبات عليها أهون عليه»[تفسير المنار/محمد رضا/ص:117/موقع المكتبة الاسلامية] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا،غفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ)[البخاري ومسلم/ موقع الدرر السنية] قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري": «قوله: "إيمانا" أي تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه، "واحتساباً" أي طلباً للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه» فكيف نستعد لهذا الشهر العظيم استعدادا يناسب مقامه؟ وكيف نستقبل هذاالزائر الكريم استقبالا يليق بمكانته؟ هل نستعد له بالمبالغة في اقتناء أنواع الحلويات، والإسراف في شراء مختلف المأكولات والمشروبات؟ وكأن رمضان مناسبة للتمتع بما لذ وطاب من الشهوات، وليس للإحساس بما يشعر به الفقراء والمساكين من جوع طوال السنةᴉ هل نستعد له بالحرص على معرفة أوقات المسلسلات التافهة، والأفلام الهابطة، والسهرات الفاضحة؟وكأن رمضان فرصة للاستمتاع بمشاهدة القنوات المختلفة إلى ساعات متأخرة من الليل، وليس في قراءة القرآن وحفظه وتدبرهᴉ هل نستعد له بالتفكير في الجلوس طوال الليل في المقاهي، والتسكع في الطرقات والشوارع؟ وكأن رمضان وسيلة لاستغلال الليل في اللهو والأحاديث الفارغة، وليس في قيام الليل في الصلاة والذكر. حري بنا أن نستعد لهذا الشهر ذهنيا وبدنيا ونفسيا. نستعد له بالتفقه في أحكام الصيام ومعرفة شروطه وآدابه وسننه وكل ما يتعلق به. نشمر عن ساعد الجد لنجتهد في أنواع العبادات من صيام، وصدقة، وصلاة، وبر، وصلة رحم، وتلاوة.. فالثواب في هذا الشهر المباركمضاعف، والأجر عظيم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:«كلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ لَه إلَّا الصَّومَ ، فإنَّهُ لي وأَنا أجزي بِه ، ولَخُلوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عندَ اللَّهِ من ريحِ المسكِ»[صحيح البخاري/الدرر السنية] جدير بنا أن نفكر في تحسين مظهرنا أمام الناس، بأن تظهر الابتسامة دائما على وجوهنا، والقوة والصلابة في تحركاتنا وأفعالنا، والفرح والسرور في تعاملاتنا وتصرفاتنا. حقيق علينا أن نفكر في تغيير سلوكنا فلا يكون صومنا مقصورا على ترك الطعام والشراب، بل تصوم أعيننا عن النظر إلى المحرمات والمنكرات ، وتصوم ألسنتنا عن الكذب والغيبة والنميمة والسب واللعن..،وتصومآذاننا عن سماع كل قبيح وفاحش من الكلام، وتصوم أنفسنا عن الغضب والتهور والاندفاع. فعن أبي هريرة قال:قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : »الصِّيامُ جُنَّةٌ إذا كانَ أحدُكُم صائمًا فلا يرفُثْ ، ولا يجهلْ ، فإن امرؤٌ قاتلَهُ ، أو شاتمَهُ ، فليقُلْ : إنِّي صائمٌ ، إنِّي صائمٌ»[صحيح أبي داود/الدرر السنية]
قال الشاعر: يا ذاالذيماكفاهالذنبفي رجب ... حتى عصى ربه في شهرشعبان لقد أظلك شهر الصوم بعدهما ... فلاتصيره أيضا شهر عصيان واتل القرءان ورتلفيه مجتهدا ... فإنه شهر تسبيحوقرآن وعلى الذين ابتلوا ببعض العادات السيئة (كالتدخين مثلا) نسأل الله لنا ولهم العافية أن يستعدوا لتركها والإقلاع عنها، فهذا الشهر المبارك هو شهر الصبر، وما دام أن المؤمن سيصبر إن شاء الله على هذه العادات في هذا الشهر المبارك اليوم كله لأنه صائم امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى، فلمَ لا يصبر عليها خلال الليل أيضا، ويعزم على تركها إلى الأبدᴉ ويكثر من الدعاء، لأن دعاء الصائم مستجاب كما قال صلى الله عليه وسلم.فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(ثلاث دَعَواتٍ مُستجاباتٍ : دعوةُ الصائِمِ ، ودعوةُ المظلُومِ ، ودعوةُ المسافِرِ) [صحيح الجامع/الدرر السنية] اللهم بلغنا شهر رمضان،وأعنا فيه على الصيام والقيام، واجعلَنا ممَّن صامه إيمانًا واحتسابًا، واجعلنا فيه ووالدينا من عتقائك من النار. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.