إن الوضع الحالي الذي تمر به الجارة الجزائر يحتاج إلى فهم وتحليل سليمين حتى نكون على بصيرة ، ولهذا يجب التحليل بمنطق تام ودون تحيز أو عاطفة . أول شيء يجب الإقرار به هو أن هيجان الشارع لم يأتي من فراغ وكذلك ليس وليد الأيادي الأجنبية كما يروج من قبل النظام الحاكم للبلاد والعباد وحتى إن بدا له تدخل لرفع وتيرة التأليب والتحريض وإذكاء نيران الفتنة، إلا أن الحقيقة المطلة هي وجود حالة إحتقان إجتماعي جراء تراكمات كثيرة ناتجة عن سياسات لاشعبية مشؤومة... هذا يفرض علينا بسط السؤال التالي ألا وهو ماذا يريده الشارع؟ ما الذي يرضي الحشود ويحتوي مطلب حراك الشعب؟ ما الذي سيحافظ على مكتسبات البلاد ويقيها تبعات الإنزلاق والإنفلات لا قدر الله ؟ ثاني أمر هو شعور الكثير من الجزائريين بعدم الرضا خاصة بعد إقرار الرئيس بوتفليقة إعلان ترشحه للعهدة الخامسة، في الانتخابات الرئاسية التي ستعقد في أبريل المقبل، على الرغم من عدم قدرته على تقديم أوراق ترشحه بنفسه يوم الأحد الماضي. هذا الإعلان نتج عنه نوع من الغليان و غضب الشارع ، إذ خرج طلاب وأساتذة ومحامون وصحفيون في مظاهرات إحتجاجية حاشدة معبرين عن عدم قبولهم للوضع السياسي الحالي الذي يقوده هذا الزعيم "الصوري" والحاكم الإفتراضي الذي لا وجود له على أرض الواقع. مما يثير نوع من الفضول حول من يدبر الأمور في الجزائر؟ قد يصعب الجواب على هذا السؤال الملح لأن السلطة الجزائرية مبهمة ومقسمة وغامضة، أذ هناك تجادبات وصراعات داخل مؤسسات النظام السياسي ، بين جناح المؤسسة العسكرية الممثلة في شخص قايد صالح والرئاسة الممثلة في مستشار الرئيس بوتفليقة. داخل المؤسسة العسكرية هناك ثلاث جماعات متنافسة: الأولى التي تعتبر الأكثر نفوذا في الوقت الحالي وتخضع لسلطة رئيس الأركان ونائب وزير الدفاع قايد صالح. المجموعة الثانية تابعة للجنرال بشير طرطاقالذي عين رئيسا لدائرة الإستعلام والأمن من قبل الرئاسة الجزائرية فضلا عن كونه مكلفا بالإهتمام بجميع أعمال شقيق الرئيس بوتفليقة. أما المجموعة الثالثة التي لا تعتبر أقل نفوذا فتتمثل في الشبكات الموالية للجنرال محمد الأمين مدين المعروف بإسم الجنرال توفيق والذي شغل منصب رئيس دائرة الإستعلام والأمن، ولعب دور الرئيس الفعلي للجزائر طيلة ربع قرن. قد يعتبر الجزائريون محظوظين لرؤية بوتفليقة مرات معدودة على شاشات التلفزيون لأنه ليس سوى دمية في يد النظام السياسي الجزائري الذي تقوده ثلاث جهات: السلطة التنفيدية ،المخابرات والجيش. هذا النظام يسيطر على السياسة ويبقي الفساد والمحسوبية، والمستفيدون منه هم فقط من يديرونه وهؤلاء لا مصلحة لديهم في التغيير.