أصبح مصير فئة من النساء المغربيات المتعاطيات لمهنة حمل السلع المهربة من سبتة هو الموت رفسا أو اختناقا من أجل كسب لقمة عيش شريفة لكنها مطبوعة بنكهة من الذل والإهانة والاحتقار. ولم يكن ضحايا يوم أمس، واليوم يعتقدن أن مصيرهن سيكون الموت بعدما قررن الخروج للعمل في المعبر الحدودي باب سبتة لضمان قوت عائلتهن بشرف، فالضحايا الثلاث فضلن تحمل الإهانات اليومية التي تلقاها على يد الشرطة الإسبانية أو المغربية فجر كل يوم أثناء دخولهن إلى معبر "لبيوت" والذي يأوي أكبر مخازن السلع الإسبانية لتمريرها إلى المغرب مقابل 50 درهما للرزمة، يفوق وزنها 50 كيلوغراما، قبل أن يلقين حتفهن على السلالم وهن حاملات رزمة ثقيلة كثقل ظروف حياتهن. فقد كان الضحايا يتوجهن في الرابعة صباحا من كل يوم من الفنيدق إلى سبتة لحمل رزم الألبسة من ممر"البيوت" إلى سوق الفنيدق، حيث تسلمها لأصحابها، لتعود مجددا إلى المنطقة مكررة العملية مرتين أو ثلاث مرات يوميا. أغلب النساء الحاملات للسلع . "رجال الأمن سواء المغاربة أو الإسبان ينهلن عليهن بالضرب بالأحزمة والهراوات دون مبرر، الأمر الذي يؤدي بأغلبهن إلى الفرار جريا حاملين رزم السلع، مما يسفر عن حالات التدافع الكبيرة. فرجال الأمن الإسبان والمغاربة من الذي تم تقديم عدد من الشكايات ضد ممارساتهم من طرف أصحاب مخازن السلع، لايتوانون في ممارسة العنف في حق النساء والشبان "وسط صمت أغلب الجمعيات الحقوقية. الصور التي تتداولها وسائل الإعلام الإسباني تكشف عن حجم المعانات التي يتعرض لها هؤلاء النسوة يد طرف الشرطة. تدر تجارة تهريب السلع من سبتة إلى الفنيدق أكثر من 500 مليون أورو سنويا، أغلبها تنشط في منطقة "البيوت" التي تعرف ازدحاما كبيرا نتيجة العدد الهائل من المواطنين المغاربة، أغلبهم من النساء، من الذين اضطرتهم ظروف العيش القاسية إلى العمل في حمل السلع والتعاطي للتهريب المعيشي، نتيجة ارتفاع نسبة البطالة في المنطقة. "عوض مكافأتنا على تهريب سلعتهن وإنقاذ اقتصادهم من الاختناق فإنهم يكافئوننا بالضرب والإهانات اليومية"، تقول عائشة. عدد النساء اللواتي يتعرضن للعنف والتنكيل والحط من كرامتهن باب سبتة يوميا لا يعد ولا يحصى، حيث تصل في بعض الحالات إلى الوفاة مثل حالة الضحية حكيمة بيحة. ففي سابقة من نوعها في تاريخ المغرب، توجه قبل سنوات أكثر 3000 من ساكنة الفنيدق في مسيرة شعبية إلى حدود باب سبتة وهم يحملون نعش الضحية "حكيمة بيحة" التي لقيت حتفها يوم 25 يناير من سنة 2010 بالنقطة الحدودية باب سبتة "جراء الاعتداء عليها بالضرب من طرف أربعة عناصر جمركي"، حسب شكاية ابنها أحمد حينها. فبسبب وفاة حكيمة بيحة، عمت حالة من الغضب العارم سكان مدينة الفنيدق بعدما رفض المسؤولون بالمقبرة السماح لهم بدفنها، كما رفضت جماعة الفنيدق تسليمهم رخصة الدفن بسبب عدم ورود أسباب وفاتها في تقرير الوفاة المسلم لهم والذي يشخصها "بحادثة دماغية". فقد أصر مشيعو الجنازة وعائلة الضحية التي تصفها أسرتها ب "شهيدة الخبز" على تسليم نعشها للمسؤولين عن وفاتها بالنقطة الحدودية، بعدما توجهوا إلى بلدية الفنيدق، حيث وضعوا نعش الضحية أمام باب البلدية محتجين على المسؤولين الذي أصروا على عدم إكرامها بدفنها، بعد موتها تحت التعذيب. جنازة شهيدة الخبز التي تحولت إلى جنازة لإدانة الإهانة، والظلم، والاعتداءات التي يتعرض لها الآلاف من ممتهني حمل البضائع المهربة من سبتة إلى المغرب لم تعرف حضور أية جمعية نسوية في الوقت قطع فيه المحتجون المشيعون لجنازة الضحية حكيمة، أكثر 4 كيلومترات مشيا على الأقدام، انطلاقا من شقتها بحي "البرارك" كوندسية، بالفنيدق، إلى غاية الحدود، حيث بقيت السلطات الأمنية عاجزة عن احتواء الأمر نظرا لحجم المشاركين في الجنازة والذي قدر عددهم بالآلاف، إذ كانت تكتفي بتصوير جنازة الغضب الشعبية" بكاميرات الفيديو. جنازة "شهيدة الخبز" بباب سبتة كشفت أن الوضع قابل للانفجار في أي وقت نتيجة الإهانة التي تلحق المتعاطين للتهريب القوتي أو لحمل البضائع المهربة، حيث أصبحت باب سبتة رمزا للرشوة والتحرش الجنسي، والإهانة لتصل إلى غاية الضرب المفضي على الموت، في الوقت الذي تنعدم فيه فرص الشغل الكريم لآلاف الأسر من ساكنة تطوان، أو من مدن المضيقوالفنيدق وسط غياب المدافعين عن حقوق النسوة وهو الصمت الذي لا يتم خرقة سوى هذا اليوم مدعين الدفاع عن حقوق المرأة وضد كل أشكال العنف الذي تتعرضه له، متناسين أن أكثر من 15 امرأة يتعرضن للعنف والإهانة كل يوم في معبر باب سبتة من أجل توفير لقمة عيش شريفة.