رحل عنا إلى الأبد الإعلامي الكبير "خالد مشبال"..بعد مشوار إعلامي طويل عريض.. توزع بين الإعلام الشفوي والمكتوب وإنتاج البرامج وإدارة محطة إذاعية..وهو بالمناسبة ابن حي "الطالعة" بتطوان..عندما رحلت أسرتي إلى هذا الحي الشهير في سنة 1936..لم يكن هناك.. كان قد رحل عن الحي..لكن أسرته بقيت هناك لزمن طويل..وهناك في حي الطالعة يوجد "درب مشبال" حيث كانت تقطن أسرته منزلا فسيحا..وهناك أيضا "فران مشبال" ..عرفت جل إخوته خاصة أخيه الفنان الزجال الصديق "فريد مشبال" الذي هو في مثل سني تقريبا.. لقد كان الراحل "خالد مشبال" رجلا طيبا حسن المعشر متمرسا في مهنته..أذكر أنني قبل أن ألتقيه بزمن طويل.. وبالضبط إبان حرب الخليج الثانية سنة 1990..كان الأستاذ "خالد مشبال" يطلق برنامجا حول الحرب الدائرة هناك..وقد كانت في حقيقتها عدوانا أمريكيا سافرا على العراق..كان يطلق البرنامج في منتصف كل ليلة من ليالي العدوان..على مدى تلك الحرب الغاشمة على العراق التي استمرت أكثر من 3 أشهر من القصف المدمر على بغداد..لقد كان الراحل "خالد مشبال" بارعا في وصف ذلك العدوان الدامي على أهل العراق..خاصة قصف بغداد عاصمة العرب على مدى التاريخ وعنوان مجدهم التاريخي..كان وصف "خالد" يدمع العين ويدمي القلب.. أذكر في ليلة من تلك الليالي الدامية والقصف على أشده على بغداد..توقف الراحل "خالد" عن الكلام..وأطلق صوت "وردة الجزائرية" في أغنية شهيرة : "مقاديييييير...مقادييير..مقادير يا قلبي العنا..مقادير..وش ذنبي أنا..مقادير...."...لم أسمع تلك الأغنية مثلما سمعتها في تلك الليلة مرتبطة بذلك القصف الدامي الوحشي على بغداد..كان صوت وردة مختلفا..وكان اللحن مختلفا وكذلك الكلمات..كانت أغنية جارحة وموجعة..اختارها الراحل "خالد" بعناية احترافية بالغة.. عندما بدأ يصدر جريدة "الشمال" نشرت معه أولى مقالاتي..واستمررت أرسل له المقالات زهاء ثلاث سنوات دون أن يتعرف علي مباشرة..ذات يوم..التقيته وهو جالس بمقهى "الزهرة" بتطوان رفقة صديق لي كان يتعاون معه في إصدار الجريدة..سلمت عليهما وجلست.. استمر الحديث بيننا أكثر من نصف ساعة..فجأة..قال صديقي لخالد مشبال :"أتعرف من هو هذا الشخص الجالس معنا ؟؟"..أجاب خالد : "لا..لا أعرفه "..رد صديقي :"بلى..تعرفه جيدا..إنه فلان الذي يكتب معك في الجريدة"..حينئذ.. وقف خالد وأعاد السلام علي بحرارة وقوة..وأشاد كثيرا بمضامين كتاباتي وعبر عن إعجابه بأسلوبي في الكتابة..لكنه اتهمني بالتقتير والتقصير في الكتابة..ونصحني أن أكتب أكثر باستمرار..دون انقطاع أو توقف.. بررت ذلك بظروف العمل..زادت دهشته أكثر..عندما شرحت له أنني ابن حيه "الطالعة".. وبدأت أصف له الحي والدرب الذي يوجد فيه منزل الأسرة..وذكرت له أسماء إخوته.. فرح بذلك كثيرا..وطلب مني أن أرسل له صورتي.. حتى يطبع لي بطاقة صُحُفي بجريدة الشمال.. وداعا أستاذ "خالد" ولترقد روحك بسلام..رحلت عنا..لكنك تركت بصمات في تاريخنا الإعلامي..بصمات عصية على الانمحاء والنسيان..