"رمضان كريم" عبارة سيارة هذه الأيام..عابرة لشاشات الفضائيات والحواسيب والهواتف..وكل سنة ومنذ عشرات السنين وهذه العبارة تخرج للتداول في كل استقبال جديد لرمضان..حتى أصبحت من لوازمه !!.."رمضان كريم" نعم..هو شهر القناعة والصيام وترويض "النفس" على الصيام طيلة العام عن قول وفعل كل ما يضر بالآخرين.. لكن..منذ سنين..وأنا مفتون بقضية تشغلني كلما هل علينا رمضان..ما دامت "ملكة التفكير" غير معطلة لدي..ولم تتوقف عن طرح الأسئلة وإعادة طرحها..أرادنا "الصيام" أن نقف أمامه على قدم المساواة.. ونتوقف عن الأكل والشرب من شروق الشمس إلى غروبها..هذا واضح..لكن هذا يتم في "مجتمع" تطبعه الفوارق الطبقية الحادة والمؤلمة..حيث آخر ما يمكن أن تسأل عنه داخل هذا المجتمع ذي الطابع الطبقي الصارخ هو "التوزيع العادل للثروة الوطنية"..الأمر الذي يجعلنا غير متساوين في الاستعداد لصيام رمضان..شتان بين استعدادات الغني واستعدادات الفقير لمواجهة يوم كامل من الصيام..وعلم التغذية يعلمنا أن الطعام يختلف ويتفاضل..هناك الطعام العديم الفائدة.. وهناك الطعام الذي فيه فائض الفائدة..وعلمتنا "البيولوجية" أن الجسم لا يتوقف عن "الأكل"..وعندما لا يجد ما يأكله..يقتات من لحمه الحي..أين يمكن أن يظهر..فعلا.."كرم" شهر رمضان ؟؟..
لا يكفي..طبعاً..أن تظهر عبارة "رمضان كريم" على الشاشات..حتى يغمر "الكرم" فقراء هذا البلد..وهم دون شك أغلبية المواطنين..كما أن "رمضان" مجرد شهر للتعبد لا يصدر عنه "الكرم"..ولن يفيض..بكل تأكيد.. تلقائياً عن تلك "الحفنة" من كبار التجار الشجعين المحتكرين لتسويق المواد الغذائية..الذين يقرأون "رمضان" بالمقلوب..ويستخلصون منه نتائج عكسية..وكلما صاموا وأحسوا بالجوع والعطش زاد جشعهم.. وتنامت رغبتهم في الاحتكار..وأشعلوا النار في الأسعار..وطلبوا الغنى بأي ثمن..وازدادوا احتقاراً للفقر والفقراء.. من حق الناس..طبعا..أن يتبادلوا التهاني..وأن يقوموا بمبادرات "خيرية" في هذا الشهر الاستثنائي..لكن..الذي يثير السخرية والشفقة في آن معاً..هو أن تضحك علينا "الدولة"..بعبارات "رمضان كريم" في وسائل الإعلام..وتنسى أن لها دوراً أكبر من مجرد الدعوات وإرسال التهاني..لها دور ميداني..عليها واجب القيام به..وهو النزول إلى الأسواق والمحلات التجارية لمراقبة الأسعار..والضرب على يد المحتكرين المستغلين لحاجيات الناس في هذا الشهر..وألا تكتفي بمغازلتنا عبر الشاشات بعبارات لا معنى لها..خاصة..وأن الارتفاع الصاروخي للأسعار في رمضان أمر يتكرر كل سنة..ومنذ عشرات السنين..وعليها أن توفر "المواد الغذائية" الكافية لتغطية ارتفاع الطلب عليها..وأن تقدم "أشياءَ" ملموسة تشعر "المواطن" أنه مكرم لديها..ليس فيهذا الشهر فحسب..بل في سائر أيام الله.. سيقول قائل إن الفوارق الطبقية بين الناس أمر طبيعي.." والله فضل بعضكم على بعض في الرزق"..نعم لكن هذا التفضيل له أحكام..أهمها الرزق الحلال..ولا يتجاوزالتفاضل نسبة معينة..حتى لا نكون من " الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ"..إن الفوارق يجب أن تكون حسب الجهد المبذول في العمل..وليس حسب الموقع الاجتماعي والسلطوي.. ورمضان شهر للصيام والتعبد..لكنه أيضا شهر لإعادة النظر في هذه الفوارق الطبقية المهولة.. والعمل على تكريم "الإنسان" من خلال التفكير في تطوير مجتمعنا نحو بناء مجتمع قادر عن انتشال "الناس" من البؤس والفقر والحاجة..انتشالهم من "واقع" يحط من كرامتهم وإنسانيتهم..حتى إذا ما أقدم "رمضان" وقلنا "رمضان كريم"..كان رمضاناً كريما قولا وفعلاً..