توطئة: مع بداية ما سمي بالربيع العربي، اعتقد العديد من المحللين السياسيين و العسكريين بأن العالم العربي سيعرف انهيار كل أنظمته القائمة وفقا لما يسمى بEffet domino . خمس سنوات بعد ذلك، تبين أنه لا يمكن الحديث عن ربيع عربي بل عن 21 سيناريوهات وطنية مختلفة تتأرجح جلها بين دكتاتورية الدولة و جهادية المجتمعات كرد فعل عنيف لعنف أنظمة تريد العيش خارج العصر بالاستمرار في الجمع بين مؤسسات الدولة و مصادر الثروة. نعم،هذا ما يحدث حين تصير الدولة مرادفا للتفاوتات الاجتماعية و الرشوة و باقي الظواهر التي توفر الشروط الملائمة لتطرف المجتمعات و تأكل الدول حين يتداعى عليها الداخل و الخارج. كل هذا ليستمر مشروع داعش، هذه الشركة العالمية المنتجة للعنف العابر للقارات، في قضم الجغرافيا و شرب التاريخ و استهلاك موارد بشرية مستديمة لن ينضب معينها طالما فقدت إيمانها بإمكانية حدوث تحولات ديمقراطية في الدول العربية. إن العالم العربي يعيش اليوم على شفير الانهيار بفعل التمزقات الداخلية الناجمة عن اختلالات بنيوية مستفحلة لم تترك للمواطنين في أغلب الأحيان سوى الحق في الاختيار بين الطاعون و الكوليرا، بين الخوف من قوة الدولة باسم النظام أو مقاتلة الدولة باسم الجهاد بعد أن بح صوتهم في الساحات و لا من مجيب: أعطاب شديدة تنم عن فشل أنظمة ديكتاتورية لم تعتمد إلا على "قوة الدولة" بدل "عقل الدولة" الذي من المفروض أن يستجيب لاحتياجات المجتمع. و الحال أننا اليوم إزاء دول تعاني اليوم بمعية مجتمعاتها من نزيف حاد لا يمكن إيقافه إلا بعناية مركزة و شحنات كبيرة من الديمقراطية و ليس عبر تحالفات إقليمية و دولية تتجه نحو القبول بالسيئ لتجنب الأسوء. اليوم، نحن أمام تحولات عميقة تطال علاقات المواطن بالسلطة في العالم العربي بفعل تحول المجال الرمزي، مجال القيم التي تؤطر عملية الإدماج الاجتماعي. أكيد أن التغيير لا يعني و لا يفضي حتما للقطيعة لأن هذه الأخيرة مرتبطة بأحداث عرضية de contingence، أي هناك احتمال أن تحدث أم لا، لكن الأكيد هو أن مثل هذا النوع من الأحداث تفرز حتما تحولات عميقة تسرع إيقاع التغيير temporalité. من هذه التحولات المفصلية التي تهمنا كباحثين في مجال السلم ما يصطلح عليه ب"الاستقواء السلمي" للحركات الاجتماعية و الذي أضحى ماركة مسجلة في العالم العربي من لبنان إلى المغرب حيث يتظاهر المواطنون بشكل سلمي في الفضاءات العمومية من أجل المطالبة بالمزيد من الدمقرطة. عدم الإنصات الجدي لهذه المطالب التي ترفع بأشكال سلمية يعني المزيد من الإحباطات عند الشباب و دفعهم لطرق باب الجهاد لرفع الظلم و استعمال العنف للنكاية، حطب جديد إذن لمرجل داعش. لقد سبق أن أنجزنا بحثا في معهد السلم و النزاعات بجامعة غرناطة حول بعض مؤشرات ثقافة السلم في المغرب خلال الفترة الممتدة بين 1999 و 2009، و استخلصنا نتائج مستقبلية Prospective مبنية على التحول الإبستيمولوجي الحاصل عند الفاعلين السياسيين و الاجتماعيين على مستوى تمثل السلطة و النزاعات المرتبطة بها، كما قمنا بتعداد و تجميع الآليات التي تمت مأسستها في مجال الوساطة للتدبير السلمي لمختلف أنواع النزاعات، و بوسعنا اليوم، أن نؤكد بأنه إذا كان لقاعدة الهرم دور كبير في الاستمرار في حالة اليقظة التي أعقبت الربيع العربي فإن منهجية "البحث حول السلم" تعلمنا بأن السلطة أيضا وسيلة للتغيير الإيجابي إذا ما استطاعت التجاوب مع مطالب مكونات السلطة المضادة و هو ما يحصل في المغرب منذ حوالي عقدين و ليس فقط من 5 سنوات. إنه الطريق الثالث الذي اختاره المغرب، مقاربة ترفض الدكتاتورية لأنها عنف نظام كما ترفض الثورة لأنها عنف مجتمع. لعلنا أمام صمامات الأمان أو الآليات التي مكنت المغرب من تدبير الحركات الاحتجاجية للربيع العربي بشكل سلمي و تجنب السيناريوهات العنيفة التي عرفتها جل البلدان العربية. من هذه الآليات نخص بالذكر تلك التي تعتبر مداخل أو مؤشرات لثقافة السلم بمفهومها الأممي و التي سنعمل على تحليل عدد منها في هذه المداخلة: 1-تطوير المشاركة الديمقراطية: كيف نفهم الديمقراطية في المغرب و لماذا؟ من الجلي أن الواقع السوسيوسياسي المغربي يتوفر على بعض الخصوصيات نذكر منها: أ-تواصل مستمر بين رأس الهرم و قاعدته: في علاقات السلطة، هناك ما يسميه علماء الأنثروبولوجيا بالقبول أو الرضاconsentement ، و لعله يفسر ما يعرفه المغرب من دينامية متواصلة بين قمة الهرم و قاعدته، تفاوض مستمر بين السلطة و المجتمع و بحث متواصل على التوازنات حسب موازين القوى. بعد الاستقلال، ما فتئت الملكية تستأثر بالسلطة الرمزية التي تنهل من رموز مقتسمة بين مختلف مكونات المجتمع و نعني بها الدين، التراث أو الطقوس التي ما زال المجتمع متشبثا بها ويعيد إنتاجها في المؤسسات الميكرواجتماعية الحميمية. نعطي مثالين على هذا: أولا: حين نطلق اسم "مولاي السلطان" على العريس الجديد و ثانيا حين نستعمل لفظة "المخزن" magasin almacén للتدليل على السلطة أو الدولة و التي تعني ذلك الوعاء الذي يجمع و يخزن الحقل الرمزي المقتسم من أجل إعادة توزيعه. لعل هذا ما يجعل من السلطة في المغرب شيئا أو مفهوما مرادفا للاستمرارية رغم كل صنوف التوترات. إنها مسألة بنيوية و لا نملك إلا أن نجزم بأن المغرب السياسي لا يستطيع أن يشتغل إلا من خلال البحث عن التوافقات. و لعل الاختيار الثوري لبن بركة هو ذلك الاستثناء الذي يؤكد القاعدة التي لا تستوي إلا عبر أنصاف الحلول و التدابير... ب-مسار الدمقرطة الذي قد بدأ منذ مدة و هي دينامية وجب إدراجها في سياق متعدد الأبعاد paramètres( تاريخي، ثقافي، سوسوسياسي(، أي وضع كل عناصر Puzzle على الطاولة( الدولة، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني و القيم)، و ننظر كيف تتفاعل كل هذه العناصر مع بعضها البعض. من هنا وجب التركيز على بوصلة الداخل و ليس على بندول الخارج أي على الأهمية و ليس على الاستعجال و الأخذ بعين الاعتبار أربعة أبعاد: - أولا: البعد التاريخي: إذ أن تاريخ المغرب يعلمنا بأن مجال السياسة في المغرب لم يطل إلا دوائر محدودة.ليس بفعل عدم اهتمام العامة بالسياسة و إنما بعدم الرغبة في إشراكها و بالتالي لا مجال لمقارنة المغرب بمجتمعات عاشت ثورات، حروبا أهلية و مخاضات مؤسساتية طويلة. -ثانيا: التوتر الذي تعاني منه الدول الوطنية عموما (المغرب في هذه الحالة) بين الثقافة التقليدية التي تبني عليها سيادتها و الثقافة المعولمة التي تجسد مدى انفتاحها على العالم و قدرتها على ضخ الاستثمارات الأجنبية. هل يعد هذا انفصاما؟ العلوم الاجتماعية الهندية (و اليابانية) حسمت هذه الإشكالية معتبرة بأن الأمر لا يتعلق بصراع وحشي بين قطبين متناقضين بل بواقع جديد ينصهر فيه المكونان الاثنان ليعطيان نظاما جديدا لا يقل انسجاما و عقلانية. نحن إذن مرة أخرى إزاء "طريق ثالث" لأن التحولات التي تحدث في المجتمعات تذهب في اتجاه خلق نظام مخضرم hybride. للتدليل على ذلك، يكفي ولوج أي منزل مغربي للتأكد من تعايش القديم و الجديد حيث كل عنصر يأخذ دوره و مكانه. من هنا، يمكن التأكيد على أن الانتقال من مجتمع تقليدي أخلاقي Moraliste إلى مجتمع قانوني Légaliste لا يمكن أن يتم إلا عبر تعايش قيم متنازعة. اليوم، لا يمكن لأحد أن ينكر بأنه ثمة توتر حول القيم بالمغرب لكنه لا يحدث بين القيم التقليدية و الحداثية بل بين تلك التي تشجع على ثقافة السلم و العيش المشترك -الموجودة في القديم كما في الجديد- و تلك التي تؤسس للاتسامح intolérance و المس بالحقوق و ترسيخ اللامساواة بين النساء و الرجال، إلخ و هي أيضا موجودة في الأصيل كما في المعاصر. -ثالثا: التحولات الكبرى التي يشهدها العالم و التي جعلت من العالم الافتراضي مجال الإدماج الاجتماعيSocialisation بامتياز و بفضله أضحت العامة و خاصة الشباب منهم تمتلك هامشا حرية أكبر في التعبير و الانتقال من هذا العالم الافتراضي إلى الواقع، إلى الشارع. -رابعا: الفراغ الموجود على مستوى جهاز الوساطة بين رأس الهرم و قاعدته و نعني به الأحزاب السياسية الذي تشبه وضعيتها اليوم ذلك البطن الرخو ventre mou على حد تعبير ذة. رحمة بورقية. و هو معطى يزيد في تعقيد المشهد السياسي بدليل أن السياسة أضحت تمارس اليوم بشكل آخر و في فضاءات غير تلك المخصصة لها و نقصد بها فضاء المجتمع المدني، الشبكات الاجتماعية، الشارع، الحركية السياسية التلقائيةActivisme spontané .. لعلها مداخل تيسر فهمنا للثقافة السياسية في المغرب و كيف أن اشتغالنا على الديموقراطية يسير وفق مبدئي Imperfection وperpétuelle Perfectibilité كما جاء عند طوكفيل، أي عدم اكتمالها من جهة كمفهوم و إجراء و السعي المستمر إلى تطعيمها و تحسين أداءها من جهة أخرى. لماذا؟ لأنه إذا كانت الديموقراطية معايير و ضوابط قانونية مؤسساتية، تدابير و قيم تقيد في نصوص و في دساتير، فإن واقع اشتغالها يفرض عملا مستديما لتطويرها مادامت تحمل في طياتها عدم الاكتمال و هو ما يقع حتى في أعرق الديمقراطيات. أما في مجتمع يتم الحديث فيه عن الدمقرطة كالمجتمع المغربي، فإن العمل على Perfectibilité يصيح أكثر إلحاحا لأننا إزاء مسار أو عملية تعرف مدا و جزرا، تقدما و نكوصا و لعلها طبيعة الديمقراطية، مسار لا ينتهي ، مثلها مثل السلم، لا يمكن أن يكون مطلقا، بل غير مكتمل و في الحاجة لبناء مستديم ... 2-تعزيز الحوار بين المرأة و الرجل أو المساواة بين الجنسين: في مقطع من حوار مع ذة. فاطمة المرنيسي، رحمها الله و أكرم مثواها، تقول هذه الأخيرة: "هناك أسطورة رائجة في المدن تقول بأن روح المساواة تسود أكثر عند الطبقات الميسورة و البرجوازية، لكني لما سمعت سنة 2012 كلام الخبراء الذين ساهموا في كتاب "صحفيون مغاربة: جيل الحوار"، أدركت عدم صحة هذا الزعم لأنني اكتشفت من خلال هذا الكتاب بأن المساواة بين الجنسين تطورت أكثر عند الطبقات الوسطى خلال العقدين الأخيرين و هو أحد المداخل الأساسية لتفسير الدمقرطة السلمية التي يعرفها المغرب". 3-التنمية الاقتصادية و الاجتماعية: -مشاريع مهيكلة (طرق سيارة، موانئ و أقطاب لوجيستية و سياحية، ...) -قررات صائبة ملائمة للهولدينغ الملكي لفك الارتباط التدريجي بين مصادر الدخل و مؤسسات الدولة -عقد و نصف ذو مسحة اجتماعية كبيرة (مشروع التنمية البشرية و إحداث صندوق التكافل الاجتماعي، التغطية الصحية الإجبارية، دعم الأرامل،...) -تسوية أوضاع المهاجرين الأفارقة مع منحهم حق التغطية الصحية
4-تطوير حقوق الإنسان: -هيئة الإنصاف و المصالحة و دسترة حقوق الإنسان (المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان) -مؤسسة الوسيط و مندوب الحكومة المكلف بحقوق الإنسان =حقوق الإنسان اكتست بعدا عرضانيا -الاعتراف الرسمي بالأمازيغية كثقافة وطنية و دسترتها مما يعني المصالحة الجذرية مع هذا المكون الثقافي و استباق لأية نزعة طائفية عرقية و مذهبية و هو ما تراهن عليه حركة داعش كما يعني الدفاع عن الجغرافيا السياسية للمملكة
5-تحقيق السلم و الأمن الدوليين: لقد استطاع المغرب أن يسجل حضورا دوليا متميزا في هذا المجال و يحظى باحترام عدد كبير من المؤسسات و التجمعات الإقليمية و ذلك بفضل : 1-التحول الإبستمولوجي الذي عرفته الإدارة السياسية للنزاعات الداخلية و الذي كان له الدور المفصلي في اعتراف المنتظم الدولي بمسار المغرب المتميز في مجال الدمقرطة و حقوق الإنسان و المساواة بين الجنسين و بالقدرة الاستباقية للملك محمد السادس على الاستجابة لمطالب الشعب. 2-إصلاح الحقل الديني: و هو مفهوم سوسيولوجي لبيير بورديو.، جاء لإدارة التوتر الذي يعرفه تأويل النصوص الدينية في العالم الإسلامي بشكل عام أي تلمس السبل الكفيلة بعقلنة الدين في الفضاء العمومي و إعطاءه مكانته في المسار الديمقراطي و تمكينه من المساهمة المثلى في العيش السلمي المشترك. أهمية هذا المشروع تكمن في إدارة هذا النزاع الخطير بطريقة سلمية عبر وساطة تتم من داخل مؤسسة تمنح عقلانية خاصة للحقل الديني و نعني بها إمارة المؤمنين. لقد بين الربيع العربي أهمية مثل هذه المؤسسة في تدبير النزاعات السياسية التي تستمد شرعيتها من الدين. و بالفعل، إذا كان بروز التيارات الدينية إحدى نتائج الربيع العربي، فإنه وجب الانتباه إلى أن الدول العربية التي عرفت أعنف السيناريوهات هي تلك التي عرفت بعد استقلالها وصول القومية الاشتراكية إلى الحكم، أنظمة أضعفت الشأن الديني و أهملت مؤسساته الوسطية الوسيطة و النتيجة: عنف الدولة الجمهورية في مواجهة عنف التيارات الجهادية التي أعلنت دولة الخلافة أو صارت من مواليها. عودة إلى الوساطة الذي تمارسها مؤسسة إمارة المؤمنين في إدارة النزاعات ذات المرجعية الدينية، نشير إلى أنها لا تهم المغرب فقط بل تساهم في تحقيق السلم و الأمن في محيطها الإقليمي و نعني به عددا من دول الساحل الإفريقي التي تربطها علاقة روحية تاريخية بالمغرب، بلد يعتبر اليوم حاجزا منيعا أمام تغلغل الفكر الديني المتطرف في هذه الرقعة الجغرافية و تدفقه الكاسح إلى شمال إفريقيا و منها إلى دول شمال المتوسط الذي تساهم هذه المؤسسة أيضا في تخفيف ضغط هذا التهديد عليها عبر التأطير الديني لجالياتها. هنا، وجب التذكير بأن هذا التأطير، على أهميته، يحتاج اليوم استعمال أدوات تواصل جديدة و عدم الاقتصار على المساجد على اعتبار أن التطرف أصبح يأتي من الشبكة العنكبوتية و المواقع الاجتماعية التي أصبحت اليوم تضطلع بدور الإدماج الاجتماعي الذاتي أو عدمه. 3-القوة العلاقاتية Puissance relationnelle التي وجب على ضوءها مقاربة سياسة المغرب الخارجية و التي تعتمد على استعمال علاقاته الثنائية والمتعددة مع الفاعلين الدوليين للتأقلم، خطابا و ممارسة، مع مقتضيات السياسة العالمية التي لم تعد تتمحور فقط على الرهانات الجيوسياسية، بل على الجيواقتصادية منها بفعل مقتضيات العولمة و أيضا على الرهانات الجيوثقافية بفعل العودة القوية لاستعمال الدين في النزاعات و خاصة في الدول العربية الإسلامية التي اضطرت إلى تبني مواقف معاكسة تماما لخطها الدبلوماسي الدولي و الانكفاء على بعدها الوطني حتى لا يتم استغلال هذه المتغيرات من طرف التيارات الدينية المتشددة. إذن، إذا كانت الجيمات الثلاثة (جيوسياسة، جيواقتصاد و جيوثقافة) تحدد السياسة الخارجية المغربية و المبادئ الثلاثة (جوار، تضامن و شراكة) تؤطر عمله الدبلوماسي، فإن للمغرب ثلاثة أدوار أساسية في تحقيق الأمن و السلم الدوليين و هي: 1-المساهمة الفعالة في ضمان الاستقرار و الاندماج داخل الفضائين الأورومتوسطي و الإفريقي عبر -الدفاع عن وحدة و بناء المغرب العربي عبر عدم الانزلاق في خلق توترات جيوسياسية مع الجزائر أو موريتانيا طول فترة رئاسة هذه الأخيرة للاتحاد الإفريقي -تطوير التقارب المؤسساتي مع الاتحاد الأوروبي - تطوير الشراكة التضامنية الاقتصادية و الروحية مع عدد مهم من الدول الإفريقية و خاصة دول الساحل التي تعاني من هشاشة سياسية و سوسيواقتصادية و تنمية العلاقات الاقتصادية جنوب-جنوب 2-المساهمة الفعالة في حوار الثقافات و تطوير القيم الإنسانية العالمية 3-شريك أساسي في السلم و الأمن الدوليين عبر: -المساهمة النشيطة في عمليات الحفاظ على السلم (أكثر من 10 عمليات في إطار أممي و حلف الناتو) -القيام بدور الوساطة من أجل المصالحة بين الفصائل المتنازعة في كل من ليبيا و مالي -التقدم الاحترافي الهادئ و الاستباقي غير الراديكالي في محاربة الإرهاب ابتداء من سنة 2003 مما خفف من درجات التهديد في المملكة رغم الوضع المضطرب على المستوى الإقليمي و هو ما تمت مباشرته بالقطع مع مبدأ تنافس الأجهزة الأمنية و تحسين حكامتها و احتكامها للقانون في سلوكها و صفوفها لاجتناب الارتهان إلى المافيات الأمنية و الجهادية على حد تعبير جون بيير فيليو. -التحالف المغربي-الإماراتي –الفرنسي لإنتاج إسلام معتدل -تسوية أوضاع حوالي 40 ألف مهاجر من دول جنوب الصحراء مع منحهم حق التغطية الصحية -تقديم مشروع سلمي لحل مشكل الصحراء و تفعيل مشروع الجهوية المتقدمة لوضع إطار قانوني لهذه المبادرة
كانت هذه بعض الأضواء على بعض آليات التدبير السلمي للنزاعات في المغرب و وقد أكدنا على أن فهم ما يجري في هذا البلد يقتضي إعمال سوسيولوجيا الاختلاف لمعرفة المبادرات المخضرمة التي تتوافق حولها الدولة و المجتمع، كما أكدنا أيضا على أن التواصل التاريخي المستمر بين رأس الهرم و قاعدته الذي ميز و يميز المغرب أفرز اليوم في ظل الظرفية الحرجة التي يمر منها العالم العربي توازنا سلميا جديدا يتمثل في الاستقواء السلمي من طرف قاعدة الهرم و الاقتناع التام بضرورة التدبير السلمي للنزاعات من طرف رأس الهرم، و هو تميز وجب الحفاظ على مكتسباته و المرور إلى جيل جديد من الإصلاحات الديمقراطية لتعميق خيارات المغرب المتقدمة. من هنا، ضرورة عدم الخلط بين الرهانات الجيوسياسية و الديمقراطية الداخلية حتى نتمكن من درء مخاطر التحركات المجتمعية و نزيد من تقوية حصانتنا الداخلية لنتغلب على تلك القوة الجاذبة التي قد تحاول إدخال المغرب إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير. لعلها الدروس التي وجب استخلاصها من سيناريوهات الربيع العربي و كل المؤشرات التي تداولناها في هذه المداخلة تدل على أنه خيار استراتيجي للملك محمد السادس لأن موت الربيع العربي لا يعني موت الديمقراطية و الحرية و الكرامة التي ستظل مطالب كونية و أن التنزيل الديمقراطي للدستور من شأنه أن يسهل تقدم المغرب في الحل الثالث الذي تحدثنا عنه من قبل . أخيرا، و على سبيل الختام، نشير إلى أنه ثمة رهان كبير يجب على مشروع إصلاح التعليم أن يأخذه بعين الاعتبار لضمان استدامة هذا المشروع السلمي الكبير الذي يعرفه المغرب منذ عقد و نصف، ونعني به التربية على السلم و التركيز على آلية الوساطة في المنظومة التربوية حتى تنتقل الوساطة عند الأجيال القادمة من آلية لتدبير النزاعات إلى قيمة من قيم ثقافة السلم تخترق بشكل عرضاني كل مناحي الحياة و تساهم بشكل سلمي سلس و فعال في إدارة الشكوك و التعقيد والنزاعات المتحولة و المتجددة.