فرغم أنها كانت سنوات الجمر والرصاص ،فإن لعيد العرش بمرتيل كان له طعم خاص لأن المخزن حاول من خلال تلك الإحتفاليات المبالغ فيها أن يجعل الشعب في غفلة من أموره السياسية والإجتماعية فجند من أجل ذلك كل أعوانه وخدامه الأوفياء حتى أولئك الذين ظنوا في وقت من الأوقات أنهم فقط كانوا يساهمون في حلقات الترفيه والنشاط،فإنهم مع ذلك كانوا يخدمون عن غير قصد أجندة المخزن المدروسة والمحبوكة بإتقان. كانت الإحتفالات تبدأ منذ الساعات الأولى صباحا حيث يصطف السكان القادمون من الأحياء الهامشية التي لم يكن النور قد دخل منازلهم بعد، على جنبات الطرقات ليشاهدوا كرنفالا ضخما تتقدمه فرقة الماجوريت النسائية التابعة للإنعاش الوطني تحت ضربات الطبول وسمفونيات الكورال في حركات عسكرية تنم عن إحترافية وإتقان بقيادة معلمات الخياطة والطرز.ثم يليهم تلاميذ وتلميذات المدارس الإبتدائية ببدلات مدرسية مبرقعة بالمداد الأزرق و الذين قد علا وجوههم الشحوب والذهول همهم الوحيد هو تحية آبائهم ،هؤلاء يردون عليهم التحية كأنهم جنود قد عادوا من الثغور بنصر مبين. ثم بعد ذلك تبدأ فترة المسابقات الرياضية من تنظيم ثلة من الرياضيين القدامى أمثال المرحومين بنحدو وكانيونا والهيشو وغيرهم حيث يعملون على اختيار المتسابقين لكل لعبة ،منها على الخصوص سباق الجري على الطريق الذي يجدب إليه جمهور غفير ليشاهدوا بأم أعينهم الإخوان المرابط المونيكو و كويكح الذين كانا يبدوان وكأنهما قادمين من أدغال إفريقيا لضعف بنيتهما الجسمانية ولسمرة سحنتهما لكن ما أن يبدأ السباق حتى تراهما وهما يطوفا ن حول خصومهما في رشاقة واتزان حتى أصبح فوزهما من المسلمات البديهية.بعد ذلك تتجه الأنظار إلى سباق الحمير حيث كان لمجموعة من الأسر في المدينة حمار يفتخرون به إما لسرعته أو لقدرته على التحمل ،فاجتمع في إحدى السباقات حمير إناث وذكور حيث بدت لحمار البوسطاطي أن يربط علاقة غرامية مع حمارة الحفيط أمام جمهور كان معظمه من النساء فبدأن في العويل والصراخ لعل الحكم يتدخل وينهي هذا النزال الخارج عن الروح الرياضية.ثم كان هناك سباق العدو بالأكياس المربوطة إلى البطن حيث يحدث في بعض الأحيان أن يكون المتسابق على أهبة الوصول إلى الأمتار الأخير فيسقط على الأرض وقد سقط عنه سرواله فيبقى عرضة لسخرية المتفرجين. وقد ينتهي برنامج الصباح بسباق الجرات المعلقة ،حيت يعمد المنظمون إلى إغماض أعين المتسابقين بخرقات بالية وبعصي يهوون بها على كل جرة إستطاع حدسهم الوصول إليها وغالبا ما تكون تلك الجرات مملوؤة بشيء ما هو نصيبهم في اللعب ، حيث كان من نصيب أحدهم في إحدى المرات قط قفز على وجهه مذعوا من هول الضربة التي أصابت الجرة التي كان بداخلها.وفي المساء كانت تقام مبارة في كرة القدم على أرضية ملعب البلاصا حيث يوجد اليوم مسجد محمد الخامس،تجمع بين فريقنا المحلي وإحدى الفرق القوية من مدينة تطوان حيث كان يصطف الجمهور على جنبات الأرصفة الدائرة بالملعب أو على سور سوق السمك ،وكانت السلطات المحلية تأخد مكانها على الرصيف المظلل بأغصان شجرة متدلية من إحدى الدورالمجاورة للملعب.وحتى فقيه المسجد العتيق كان يجلس إلى جانبهم بإعين مغمضة لا تدريه أعقله مع المبارة أم يسبح في الملكوت الأعلى.وينتهي اليوم الإحتفالي بسهرة فنية بسنيما الريف تحييها فرقة محلية من أبناء المدينة أمثال المرحوم عبد السلام سكورو كالي وعبد الله الحسيسني وغيرهم حيث يقدمون في البداية عرضا مسرحيا يتناول هموم الطبقات الحادكة بشيء من السخرية ينقصه الإبداع ،ثم يختمونها بوصلات موسيقية غيوانية تحت هتافات الشباب الهائج والنساء المتحررات. طباعة المقال أو إرساله لصديق