توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    رفض تأجيل مناقشة "قانون الإضراب"    ضبط شحنة كوكايين بمعبر الكركارات    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    "جبهة" تنقل شكر المقاومة الفلسطينية للمغاربة وتدعو لمواصلة الإسناد ومناهضة التطبيع    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    رغم محاولات الإنقاذ المستمرة.. مصير 3 بحّارة مفقودين قرب الداخلة يظل مجهولًا    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    ترامب يعاقب أكبر داعم "للبوليساريو"    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    هلال يدين تواطؤ الانفصال والإرهاب    الشيخات داخل قبة البرلمان    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    غموض يكتنف عيد الأضحى وسط تحركات لاستيراد المواشي    المحكمة الدستورية تجرد بودريقة من مقعده البرلماني    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    عزيز غالي ينجو من محكمة الرباط بدعوى عدم الاختصاص    طلبة المعهد الوطني للإحصاء يفضحون ضعف إجراءات السلامة بالإقامة الداخلية    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    محكمة الحسيمة تدين متهماً بالتشهير بالسجن والغرامة    الدوري السعودي لكرة القدم يقفز إلى المرتبة 21 عالميا والمغربي ثانيا في إفريقيا    "أزياء عنصرية" تحرج شركة رحلات بحرية في أستراليا    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    أبطال أوروبا.. فوز درامي لبرشلونة وأتلتيكو يقلب الطاولة على ليفركوزن في مباراة عنيفة    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    شح الأمطار في منطقة الغرب يثير قلق الفلاحين ويهدد النشاط الزراعي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    عادل هالا    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتب المستعملة بأثمنة بسيطة، هل هناك من قارئ؟
نشر في تطوان نيوز يوم 23 - 04 - 2016

قد يجذب فضولك أحد عناوين بعض الكتب في إحدى بعض المكتبات هنا بالداربيضاء أو الرباط أو مراكش أو إحدى المدن المغربية. لكن عندما تسأل صاحب المكتبة أو أحد العمال العاملين فيها عن ثمن هذا الكتاب أو ذاك، يصدمك بثمنه و أنت الذي لا تملك إلا بعض الدراهم التي رصدتها من قبل لإنفاقها على ما هو ضروري و أساسي من متطلبات الحياة. و مع ذلك يجعلك شغفك بحب الكتاب دائما تتصفح العناوين في المكتبات وفي كل ما تجده من كتب معروضة على ناظريك. و لضيق الحال و لفاقتك، تجد نفسك تجوب الأسواق الشعبية بالقريعة، مثلا، أو درب غلف بحثا عن "خير جليس في الأنام" لتلامسه و تشتم رائحته و تقلب بين صفحاته البالية و الصفراء شيئا ما من جراء استعمالها المسبق من طرف أحدهم. ولو نها هذا يؤكد تأثرها بفعل الزمن و بفعل كل الأيدي التي مسكتها و سافرت من خلالها إلى عوالم أخرى بعيدة لاكتشاف أفكار و ثقافات أخرى لأناس آخرين لا يعرفون أنهم الآن بين يديك و أمام عينيك و تتخيلهم في عقلك كيف كانوا يعيشون و يفكرون بهواجس و مخاوف قد تكون لديك الآن في عالم أصبح يرفض بعضه البعض و يتصارع بين الإيديو لو جيا و التيكنولوجيا و يفصلك عن إخو تك في الإنسانية و يكرس لديك أن الشرق شرق و أن الغرب غرب. لكن في مكتبة واحدة تجد أن الكتب بكل الفلسفات و الأديان و الإيديولوجيات و الفكرانيات تتعايش فيما بينها بدون عراك و لا صدام و كأنها عقول كبيرة تتشارك الفكر في هدوء و سلام، و كلما جاء أحد الزبائن إلى المكتبة و اشترى كتابا بعنوان ما إلا و رجحت فكرة صاحب ذلك الكتاب و فلسفته و سمع صوته بين الكتب الأخرى. فالكتب المرتبة، في مكتبة ما، بكل انتظام محكم و جيد هي بمثابة عقول لأناس كانوا يعرفون وسط دويهم بأنهم مكتبات متحركة.
أن تكون كتبيا في المغرب، عليك أن تمتلك عمر سيدنا نوح و صبر سيدنا أيوب.
عدد دور النشر بالمغرب يصل إلى 32 دارا، منها 18 بالداربيضاء و 8 بالرباط و 2 بمراكش و وجدة وواحدة في طنجة و القنيطرة. و يصدر عن هذه الدور حاليا 1000 عنوان سنويا في مقابل 3000 عنوان في لبنان البلد الأصغر مساحة و الأقل كثافة سكانية من المغرب. و تطبع من كل كتاب 3000 نسخة و لا تباع منه إلا 2000 نسخة في ظرف ثماني سنوات. و هناك 632 نقطة بيع للكتب بالمغرب بما فيها أكشاك و مكتبات. و توجد 150 مكتبة بالمدن المغربية الكبرى. و إجمالا، فالعالم العربي يصدر حوالي 1650 كتاب سنويا بينما في دول الغرب لاسيما أمريكا فإنها تصدر وحدها 85 ألف سنويا.
و في استطلاعنا الذي قمنا به، اكتشفنا أن أغلبية الناس تشتكي من أثمنة الكتب و المجلات التي لا تتناسب مع حجم و محتوى الكتاب أو المجلة و هو الأمر الذي يجعل أصحاب دور النشر و الطبع تحت إكراهات أخرى رغم أن الدولة قامت بمجموعة من المبادرات من أجل التشجيع على المطالعة و رفع نسبة المقروئية لدى المغاربة و حاولت من خلال مجموعة من البرامج التلفز ية أن ترصد أخر الإنتاجات الفكرية و الأدبية و الشعرية. و عندما سئلنا أحد المسئولين في إحدى دور النشر و الطبع عن الأثمنة التي تسعر بها الكتب و المجلات، أجابنا و قال بأنها أثمنة مناسبة و معقولة نظرا للأرباح القليلة و التي قد لا تحصلون عليها بسبب ضعف الاقتناء و المقروئية في المغرب. فالناس لا تقرأ، كما قال، و لها هموم أخرى تشغل بالها و تؤرقها و تجعلها لا تفكر في الكتاب و عالمه.
و عندما ذهبنا إلى إحدى المكتبات الصغيرة هنا بالداربيضاء و سألنا صاحبها عن تجارة الكتب و هل تدر له بعض الأرباح المهمة، ضحك ساخرا و قال بأنه يفكر في بيع "الساروت" (مفتاح دكانه الذي به المكتبة ) و يتاجر في شيء أخر. و أضاف بأن الدولة لا تعوضهم عن كساد تجارتهم...فإذا أردت أن تكون كتبيا في المغرب، عليك أن تمتلك عمر سيدنا نوح و صبر سيدنا أيوب.
و في حي مولاي إدريس بالداربيضاء، رفض أحد العاملين أن يجري معنا لقاء صحفيا بحجة أن صاحب المكتبة غير موجود. لكن عندما طلبنا منه أن يجيبنا على سؤال: إن كانت الكتب القديمة أو المستعملة تؤثر على قدر المبيعات: "لدينا زبناء دائما يترددون علينا لأننا نعمل على توفير كل ما يطلبون من عناوين في شتى العلوم و التخصصات، وجل التصنيفات التي تو جد في الكتب المستعملة تفتقد إلى ما لدينا من عناوين. و الكتب القديمة أو المستعملة غالبا ما تكون ممزقة أو مبتورة. و زبناء نا الكرام لا يعيرون اهتماما لثمن الكتاب . قبل أن نغادر سألناه إن كان يدمن على قراءة الكتب و هو المحاط بالآلاف من الكتب، صمت و ابتسم لنا.
المناهج الدراسية لا تحفز الطلبة على المطالعة و بالتالي اقتناء الكتاب جديدا أو قديما (مستعملا).
" العزوف عن القراءة أو المطالعة راجع بالأساس إلى ضعف المناهج الدراسية و إلى الثغرات التي تو جد بها. فاغلب هذه المناهج مستوردة و لا تخاطب لا عقلية و لا نفسية الطالب أو المتمدرس الذي لا يفكر سوى في الانغماس و الاستغراق في دروسه طوال السنة حتى يحصل على نتائج جيدة. فالطالب، حتى و إن كان متميزا، يعمل و يكد دون كلل أو ملل في تحصيله الدراسي حتى يحصد نتائج جيدة تؤهله لو لوج المعاهد الكبرى و الجامعات. و طوال مشواره الدراسي، فإنه يجد نفسه لا يكتسب معرفة ثقافية بالمعنى الأدبي للكلمة. فطالب موجز، مثلا في الفرنسية أو العربية بميزة مستحسن أو حسن، لا يمكن أن يتحدث الفرنسية أو العربية بشيء من السهولة و الطلاقة و لا أن يلم بأساليب اللغة في الكتابة و لو بشكل معقول و التي من شأنها أن تساعده في تخصصه إذا ما خاض المباريات. و حقيقة تكوينه الجامعي يعكس مستواه الضعيف و بأنه لم يراكم طوال فترة دراسته الآليات و الميكانيزمات التي تساعده على الذوق و التمييز بين الأفكار و صناعة الرأي و اتخاذ القرار الصائب في كل مجالات الحياة. و لن يتأتى هذا إلا بفعل الغوص في عالم الكتب و الاستئناس بها في الليل و النهار. و للأسف، البرامج و المناهج الدراسية لا تربي الطلبة على المطالعة و حب الكتاب. نعم، الطلبة لا يقتنون لا الكتب القديمة و لا الجديدة لأن ملكة القراءة لديهم ميتة. فأنا، كأستاذة جامعية، قرأت في كثير من الكتب القديمة التي كنت أقتنيها من وقت لأخر و كنت أفرح كثيرا عندما أجد كتابا جيدا بين الكتب المستعملة في أحد الأسواق و كنت أعتبره كنزا. لكن الآن، ليس وحدهم الطلبة الذين لا يقرؤون بل حتى الأساتذة و الجامعيون لا يقرؤون": هكذا أخبرتنا أستاذة جامعية بجامعة مولاي سليمان ببني ملال.
" كتاب مفيد بثمن بخس يعادل بطاقة تعبئة للمحمول، لكن لا أحد يقتنيه"
عند وصولنا إلى شاطىء عين الذياب بالداربيضاء ذلك اليوم صباحا، حاولنا أن نرصد شخصا يقرأ كتابا أو يحمله لكننا لم نفلح في ذلك حتى وجدنا طفلة بلونها الأسمر الذي يظهر من خلال وجهها و أطراف يديها و رجليها اللذان يطلان من سروال جينز أزرق .كان شعرها الأسود الحريري المطلوق يخفي شيئا من قميصها الوردي و كانت تبدو في سنها السابع عشر و كانت تستظل بمظلة (باراسول) زرقاء مزركشة وبجانبها رواية فرنسية يظهر من خلال عنوانها على منشفتها. أخبرناها أننا صحافيين و بدأت تبتسم و تتحدث بفرنسية باريزية و بأنها تربت على المطالعة و حب الكتب منذ سن صغيرة و بأنها تبتاعها كلما سنحت لها الفرصة و بأنها عندما تأتي في فصل الصيف إلى المغرب تقرأ مجموعة من الروايات المفضلة و بأن هناك عشرات العناوين التي ما زالت راسخة في ذهنها. و لدهشتنا أننا عندما كنا نسألها عن بعض العناوين التي قرأناها نحن كذلك من قبل، ترد بالإيجاب أو بأنها تتطلع لقراءتها يوما ما. و بعد أخد و رد في الكلام، وصل والدها و في يديه كيس أبيض مليء بشيء من الطعام. بعد أن عرف أننا صحافيين، رحب بنا و طلب منا الجلوس للطعام و تحدث معنا بلغة عربية سليمة، لا بأس بها، رغم أنه يقطن بالديار الفرنسية و متزوج و لديه 3 أبناء. سألناه إن كان يواظب على قراءة الكتب، فأجابنا بأنها متنفسه الوحيد في بلاد الغربة وأنه يوميا ينكب على مطالعة الكتب الدينية و الفكرية و الغوص فيها وبأنه دائما ما يشتري عددا منها و يأخذها معه في عودته إلى فرنسا و لما استرسلنا في سؤاله إذا كان يفضل الكتب القديمة والمستعملة على الجديدة، أجاب بأن الكتب هنا أرخص و بأن هناك كتبا جيدة و مفيدة و ثمنها بخس يعادل بطاقة تعبئة للمحمول من صنف 20 درهم، لكن لا أحد يشتريها لأنهم لا يعرفون قيمتها. و أضاف أن الناس في فرنسا يقرؤون بنهم و تجدهم يفعلون ذلك في كل مكان. و نحن، كأسرة، لا يفارقنا الكتاب، فهو من أحد أهم مقتنياتنا الأساسية.
حوار
بعد صلاة الفجر في ذلك اليوم الصيفي، اتصلنا بالسيد، يوسف بورة، و هو رئيس الجمعية البيضاوية للكتبيين، فطلب منا أن نلتقي به بعد ساعة من الزمن و بعد وصولنا إلى القريعة، كان المكان ما يزال مظلما و فارغا لأن كل الدكاكين المجاورة لمكتبته كانت مغلقة. اقترابنا شيئا ما من مكتبته، و بدأت الكلاب تنبح في وجوهنا و كأنها تعرف أننا غرباء عن المكان. عند رؤيته لنا، صرخ عليها لتصمت و لتبتعد بعد أن أطعمها كعادته كل صباح باكر. دخلنا إلى مكتبته و جلس هو إلى حاسوبه الذي كان مشغلا و يظهر أنه يدردش مع أحدهم في العالم الافتراضي الأزرق. و ما لفتنا أكثر و نحن نختلس النظر إلى طريقة استعماله للفأرة و نقره على لوحة مفاتيح حاسوبه، كثرة الكتب القديمة و المستعملة و المتنوعة و هي من كل الأشكال و الأحجام و بكل اللغات و التي تملأ جنبات المكان و تجعله هو ينحصر في مكان ضيق. سألناه عن بعض العناوين و الكتب و بدأنا نخوض معه فيما جئنا من أجله وكان حديثنا على الشكل التالي:
س: السي يوسف، كيف يعقل أنكم وسط ألاف الكتب و في نفس الوقت أنتم منشغلون بحاسوبكم؟ أهي قطيعة مع الكتاب أم مسايرة للركب؟
ج: الأنترنيت و المعلوميات بشكل عام أداة تواصل و تنظيم و تدبير رائعة. هذا أمر لا نقاش فيه، لكن استخدامها لا يعني أن هناك قطيعة مع الكتاب. ولعلنا نتذكر تلك النقاشات التي رافقت ظهور و شيوع الأنترنيت بين ما كان يتنبأ باختفاء الكتاب الورقي و بين من يدافع عن فكرة استمراره، و لحسن الحظ فإن الرأي الثاني هو الغالب لحد الساعة، و الإحصائيات تبين بما لا يدع مجالا للشك أن مستعملي الأنترنيت يفعلون ذلك للتواصل أساسا و ليس للقراءة. نفس الشيء قد ينسحب على الصحافة، فالجرائد و المجلات الو رقية مستمرة في منافسة الصحافة الإلكترونية. إذا لا قطيعة مع الكتاب.
س: ألا تعتقدون أن الانترنيت أثرت بشكل كبير على مستوى اقتناء الكتب و بالتالي المقروئية بالمغرب؟
ج: الأنترنيت لم يؤثر على المقروئية بشكل مباشر، فكما أسلفت الأنترنيت أداة تواصلية قبل كل شيء، لكن هذه التكنولوجيا أثرت على استعمال الوقت و كذلك على تصورات الناس للمعرفة و الآداب و النشر. و المفارقة هنا أن الأنترنيت نفسه أصبح فضاء لبيع الكتاب الورقي. إن البحت عن أسباب تراجع المقروئية و اقتناء الكتب يجب أن يتوجه نحو المنظومة التقليدية و التحولات الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية التي تعيشها المجتمعات النامية كالمجتمع المغربي.
س: أ تقصد التحولات التي عرفها المجتمع المغربي بعد الاستقلال؟
ج: نعم
س: ماهي الكتب التي يطلبونها الزبناء أكثر؟
ج: الز بناء يطلبون جميع أنواع الكتب من المقررات المدرسية إلى الثقافة العامة إلى كتب الطبخ و المهن... إلىخ.
س: ألا تعتقدون بأن الكتب المدرسية المستعملة تبقى غالية الثمن بحكم أنها قد تكون مبتورة أو تفتقد إلى بعض الصفحات؟
ج: هذا صحيح إلى حد ما، لكن المشكلة الأعمق بالنسبة للكتب المدرسية هي اختلافها من نظام تعليمي إلى آخر. فالمدارس العمومية لا تتبع أنظمة المدارس الخصوصية، و التي بدورها تتفرع منها إلى أنظمة مختلفة منها الفرنسي و الأمريكي و الأسباني...ثم هنالك قضية التغيير الذي تخضع له المقررات من سنة إلى أخرى مما يسبب لنا خسارات فادحة لا نستطيع تعويضها مهما رفعنا من ثمن الكتب المتوفرة. و على العموم، فإن الأثمنة التي نطبقها تبقى أخفظ بكثير من تلك المطبقة على الكتب الجديدة.
س: ما هي المشاكل و المعوقات التي تقف في وجه تجارتكم؟
ج: كما قلت لك، فمهما بلغ رأسمال الكتبي، يستحيل عليه توفير جميع العناوين التي يطلبها الزبائن. هذا من جهة و من جهة أخرى هناك غياب شبه تام لمبادرات الدولة و المجتمع المدني للرقي. بهذا القطاع و تشجيع القراءة في جميع مراحل الحياة و ليس فقط داخل المؤسسات التعليمية.
س: حدثنا عن المعرض السنوي للكتب المستعملة و القديمة و الذي تقيمونه في شهر أبريل؟
ج: المعرض السنوي الذي تنظمه الجمعية البيضاوية للكتبيين بتعاون مع وزارة الثقافة هو تظاهرة ثقافية سنوية ينعقد في شهر أبريل منذ ثمان سنوات. و لقد راكم تجربة تنظيمية و ثقافية مهمة يشهد عليها الإقبال الكثيف الذي يعرفه و الإشعاع الإعلامي الذي يحظى به و الذي تجاوز في الدورات الأخيرة حجم التغطية التي تحظى بها المعارض الدولية. و ليس هناك سر في ذلك سوى تضحية الكتبيين و مساهمات مجموعة من الأدباء و المثقفين الذين وجدوا فيه فضاء للتواصل مع القراء و مع الشباب، خصوصا و أن فلسفة المعرض هي الشعبية و القرب و تقديم الكتاب بأثمنة في متناول الجميع.
س: ما هم أهم زبناءكم؟
ج: زبناءنا من جميع فئات المجتمع، من الباحث الجامعي و الإطار العالي إلى الطالب و الطفل إلى كل من يهوى المطالعة الحرة.
س: كيف تجدون علاقة المغاربة، إذن، بالكتاب؟
ج: هذا سؤال فلسفي يحتاج إلى آراء مجموعة من الخبراء في علم الاجتماع و التربية و علم النفس...الخ، لكنني ككتبي أجد أن علاقة المغاربة بالكتاب علاقة جد ضعيفة و متوترة. و يكفي أن أسوق لك مثال الخزانة التي يقتنيها الناس ويضعون فيها الأواني و أطباق "الطاووس" عوض الكتب، و غالبا ما تجد بيت إنسان متعلم ليس فيه خزانة و لو صغيرة للكتب. هذا عنوان علاقتنا بالكتاب. ولتعرف أكثر عن تلك العلاقة يكفي أن تتوجه إلى مقهى أو أي شاطئ خلال الصيف و تقوم بإحصاء لعدد الناس الذين يقرؤون كتابا. أستطيع بدون مجازفة القول أننا سنحصل على نتيجة أقل من واحد بالمائة.
س: إذا كان يقال بأن كل أمة لا تقرأ أمة ميتة، فهل بتقديركم الحل في إحيائها يكمن برجوعها إلى الكتاب؟
ج: أكيد، فليس هناك إقلاع ثقافي بدون الكتاب. الكتاب هو القاعدة.
س: كيف تقيمون محتويات المقرر المدرسي المغربي وأنتم الذين تبيعون كذلك المقررات المدرسية المستعملة لبعض الدول؟
ج: أريد أن أوضح أننا لا نصدر الكتب لأية دولة. أما عن محتويات المقررات المدرسية فإن الجواب الذي يوجد في جودة التعلمات و الكفاءات و المهارات المحصل عليها من طرف المتعلمين، و هذا يجمع الكل من أعلى هرم الدولة إلى قاعدتها أن النتيجة سلبية.
س: و في الأخير، السي يوسف، ماهي أمنيتكم وأنتم الذين قضيتم أكثر من ثلاثين سنة في مهنة بيع الكتب المستعملة؟
ج: بعد كل هذا العمر في خدمة الكتاب و القارىء الكريم، أكرر أنني أحلم بإنشاء قرى للكتاب في جميع المدن المغربية و أن أرى الناس يقرؤون في بيوتهم و في المدارس و الجامعات و في و سائل النقل و الأماكن العامة.المعرفة هي سلاح الحاضر و المستقبل. لذلك وجب تصحيح عدد من المفاهيم الخاطئة حول النجاح الإجتماعي و الهدف من الحياة، فالحياة و لو تو فرت لها الوسائل المادية فإنها تبقى بلا معنى إذا لم تتأسس على المعرفة.
طباعة المقال أو إرساله لصديق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.