لم يعد في القلب حزن لنعي الغرباء صور الدمار المعششة في مخيلتنا، و اودية دماء الشهداء الأبرياء، و أرواح الضحايا المغتصبون من ديارهم و أراضيهم…تلك هي عناوين بارزة لزمن لا يشتاق فيه المرء إلا لإزهاق الأرواح و اغتصابها، من حياة بات يومها شبيه بليلها… لا جديد سوى مفاجآت اختيار المكان المقصود لجعله تحت أضواء الأخبار الحية و المباشرة. ألفنا اللقطات الأليمة، و ألفنا الأحداث المباشرة… لم يعد لجملة "ممنوع للقلوب الضعيفة " مكان، حيث احترق الأخضر باليابس و انتشرت صور القتلى و الضحايا من كل جنس و بكل لون،و عبر الشاشات و مواقع التواصل و كل ما يربط العالم ببعضه، حتى أصبحنا نلعن تطور التكنلوجيا الحديثة التي عرت ما تبقى من المستور لينفضح العالم و يواري سوأته… أجل عورة العالم باتت في متناول الجميع، بل حتى القاصرين… لأننا بكل بساطة اقتنينا كل ما يمكن أن يسهل هذا التواصل و الذي لم يغير فينا سوى تدفق إحساس العجز و مرارة قصر اليد. نعم أحسسنا بحق بأننا لا نملك في هذه الدنيا سوى التقليد… تقليد ما يفعله الغرب : بكى نبكي، شجب نشجب، تألم نتألم… دماؤهم غير دمائنا، عقولهم غير عقولنا، و أحوالهم غير أحوالنا. لا نملك إلا أن نقلد لأننا بكل بساطة لا نهب- و نحن اعلم منهم باننا سنحاسب على هاته الأرواح التي تزهق دون قصاص- هاته الحياة قيمتها، و لا نعطيها حق قدرها…لا نملك سوى أن نلقي اللوم، مرة على الصهاينة و أخرى على الأوربيين، و أخرى على الأمريكان، و عندما نلتف و لا نجد أحدا منهم نفرق الأدوار بين السنة و الشيعة…نحن أعلم من غيرنا بمبادئ التفرقة التي حطمت علاقات كل عربي على هذه البسيطة، رغم توحد لسانهم و عقائدهم، و رغم تأكدهم من كون قوتهم لن تؤتي أكلها إلا إذا اجتمعت، كي تقف في وجه كل مستغل و ناهب لخيراتهم و اموالهم و حتى ذويهم…نعم هي حرقة تحريف لمبادئ كانت بالأمس عزوة المسلمين و سندهم في انتشارهم عبر بقاع الدنيا بكل امن و سلام لتصبح اليوم جمرة حارقة ناسفة لكل أواصر التسامح و التعايش، و لتجعل من تبقى تحت المجهر، مذموما محتقرا يتقرب و يتمسح لهم مدعيا بمشاركتهم أقراحهم، رغم أن أفراحهم من المحضورات و لا يسمح له ولوجها بالبتة. كيف لقلب أن يحزن؟ والحزن فيه محفور، ألفه بعين الجرم و الخبث، و بدمامة الشر الآثم، القاضي على أجيال و حضارات و أمم؟؟؟ .