مقدمة: لعل من دواعي هذا المقال ما تشهده ساحتنا المغربية من جدال حول قضية التنصير التي عرفتها بعض المناطق هنا و هناك. و يستشف من هذا الوهن أوالضعف سواء على المستوى العلمي أو على المستوى التربوي الذي وصلت إليه البلاد حتى تجرأ المبشرون على إنفاق سلعتهم فيها، مع أنها كانت و ستظل كاسدة1 إلا عند من ألمت به خفة في عقل فكانت كمرض أو رأى من القوم ما أسال لعابه نحو عرض . و أرى أن من تنصر لا يخرج عن إحدى حالين: الأولى : لشهوة مال، و هي مسألة يبنغي لعلاجها الرجوع إلى أهل التخصص من أرباب السلوك و التصوف الأجلاء الذين يرجع لهم الفضل في إنقاذ الإنسان من أوحال نفسه البهيمية و الارتقاء بها إلى رب البرية، و بيان أن الدنيا دار امتحان و بلاء كان فقرا أو مرضا أوغيرهما.. و كل ما ناله المرء فيها من خير إنما هو محض فضل، قال سيدي ابن عطاء في "الحكم العطائية":"لا تستغرب الأكدار ما دمت في هذه الدار، فإنها ما أبرزت إلا ما هو مستحق وصفها وواجب نعتها". فقال الشيخ زروق معلقا:"قلت: وذلك أنها موصوفة بالدناءة، أي الخساسة و الدنو :أي قرب المرام و قرب المسافة، عمرها قصير و متاعها قليل و آفاتها غزيرة، و من وطن نفسه على ذلك منها و عمل عليه وجد الراحة و كان دهره كله عافية، و من نظر إلى العكس أتعب نفسه من غير حاصل... قال الجنيد رضي الله عنه: "لن أستبشع ما يرد علي من العالم لأني قد أصلت أصلا و هو أن الدنيا دار هم و غم، و العالم كله شر، و من حكمه أن يتلقاني بكل ما أكره، فإن تلقاني بما أحب فهو فضل و إلا فالأصل هو الأول".و قال ابن مسعود رضي الله عنه:" الدنيا دار هم و غم فما كان منها من سرور فهو ربح"2اهـ و قال ابن قيم الجوزية:" و أجمع العقلاء من كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم ،و أن من رافق الراحة فارق الراحة. وحصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة، فإن قدر التعب تكون الراحة"3اهــ فما أحوج شبابنا إلى من يأخذ بيده في هذه الظلمات الحالكات، و يوقظ فيه القيم النبيلة في زمن طغت فيه الماديات، و ليس ذلك إلا بتفعيل دور أهل الله حقا بعيدا عن الشطحات و الخرافات. الثانية: لشبهة عرضت عليه ، و هو ما نبه إليه علماء الكلام من قبل في مسألة "التقليد في العقائد" و فيه كلام يطول، و الذي ركزوا عليه هو أنه يجب على المكلف بناء معتقداته على الدليل إجماليا كان أو تفصيليا بحسب الاستطاعة حتى يكون ثابت الإيمان فلا تزعزعه الشكوك و لا يكون عقله مرتعا للعقائد المخالفة ، لذلك قال الإمام اللقاني: إذ كل من قلد في التوحيد**إيمانه لم يخل من ترديد و لا بد من إشارة سريعة هنا و هي: أن المغرب و إن كانت الأشعرية-السلاح في تثبيت العقيدة الإسلامية- من ثوابته، إلا أن الكثير-و لست مبالغا- لم يقدرها حق قدرها بل الغالبية العظمى تنطق بها مجاملة للجهات الرسمية. و حتى تدريس "علم الكلام" لم ينبر له المؤهلون فكان ما ترونه من زبد اعتمد على الذاكرة دون الفهم و على الحفظ دون النقد. بل رأينا منهم من ينبس بما يخالفها من حيث لا يدري. فمن كانت هذه حاله-الحال الثانية- وجب له علينا أن يعلم و لا تترك أظفارها على طولها فلا تقلم،فنقول: تمهيد: لما كان الإنسان لابد له من دين يعتنقه حتى ذهب كثير من الفلاسفة إلى القول في تعريف الإنسان بأنه" حيوان له دين" حتى قال الفيلسوف "أغوست سباتييه August SBATIER" في كتابه "فلسفة الدين":" إن الديانة من لوازم الإنسان إلى حد لا يستطيع أن يقلعها من قلبه إلا إذا حكم على نفسه أن ينفصل عن نفسه و أن يلاشي في ذاته كل خصائص الإنسانية"اهــ فإن أي دين في المقابل لا يشاطر العقل- و هو أشرف مميزات الإنسان- لحري أ ن يكون صاحبه في قلق و اضطراب دائمين لا يطمئن في كل أحيانه و أحواله إلى إيمان. لهذا لما رأى عقلاء الغرب عدم ائتلاف دينهم-النصرانية4- مع العقل و العلم مع زعمهم أن كل دين هو كالنصرانية، خرج بعضهم على الأديان و دعا الناس إلى الإلحاد؛ و كثير منهم اتخذ لنفسه دينا فلسفيا مبنيا على العقل المحض، ففاته أن الدين في أصله يكون معقولا لا عقليا –أي من موضوعات العقل- إذ لابد أن يكون إلهيا بالوضع5 ، لذلك قال بول جاني Paul JANETفي كتاب "تاريخ الفلسفة:المطالب و المذاهب":"إن الدين يتميز بثلاثة أشياء النبي و الكتاب المقدس و ثالثها نسبته إلى ما وراء الطبيعة و الأخلاق6"اهـ و للتفصيل أكثر نفرش بكلام للأستاذ فرح أنطون المسيحي7:"ربما كان الغرض من القول بأن النصرانية دين عجائب و غرائب و أن الإسلام دين العقل؛ الإشارة إلى مذهب التثليث في الأقانيم و مسألة نبوة المسيح.."اهـ ومن كلامه يتبين أننا أمام مسألتين لابد في بيان مدى توافقهما مع العقل أو مخالفته، وهما كالتالي: المسألة الأولى : نبوة المسيح عليه السلام: مسألة نبوة المسيح مسألة غير معقولة إطلاقا ،لذلك تجد الفلاسفة الغربيين –كمسيحيين- لم يتصدروا للنظر في النبوة بشكل عام و لم يعتبروها كمطلب من المطالب الفلسفية، كما اعتبروا الألوهية و التي قتلت بحثا عندهم. و ليس لذلك تفسير إلا أنهم كانوا مسيحيين أصالة ؛و تكون بذلك نبوة المسيح التي توارثوها نوعا من الألوهية شيئا لا يقبله العقل و العلم. و ليس معنى هذا أن العقل يقف دونها و يعترف بالعجز إزاءها بل معناه أنه يمجها و يرفضها، فإما أن يتخلى الإنسان عن عقله أو يرفض الاعتراف بهذه النبوة. . فلما لم يمكن للفلاسفة الغربيين البحث فيها ما دامت بعيدة عن العقل -و هي المقصورة عند المسيحيين على سيدنا المسيح -أماطوا الكلام عن سائر النبوات المنسوبة إلى الأنبياء في غير دين النصرانية أيضا8 كنبوة سيدنا موسى عليه السلام مادام الدين المسيحي يستند إلى التوراة و الإنجيل معا. و هو شيء عجيب ينم عن عدم تخلص هؤلاء الفلاسفة في البحث و النظر عن المحاباة و التغريض و لو من حيث لا يشعرون. و حق القول أنهم لا يؤمنون بالنبوة مطلقا بسبب ما وقفوا عليه في نبوة سيدنا المسيح الملتبسة بالألوهية عند المسيحيين اللهم إلا ما كان من هيجل الذي يرى عدم استحالة الجمع بين النقيضين كمبدأ عقلي. و عليه كان ضرر النصرانية بالأديان عظيما و بالإسلام خصوصا و بالفلاسفة أنفسهم ، إذ أنها حالت بينهم و بين النظر في النبوات التي ترتكز عليها الأديان، فبقي الفلاسفة بعيدين عن نفوذ الدين الذي أنزله الله على أنبيائه. كما بقي مكان الدين في قلوب المعجبين من قريب أو بعيد محاطا بظلام الشكوك. و لما احتاج هؤلاء الفلاسفة –اليائسون من مسألة النبوة- إلى الإيمان بالله الواجب الوجود بحتوا لأنفسهم عن دين فلسفي محض-و لا يكون الدين بلا نبي- فكان منشأ الكل عجزهم عن تأليف المسيحية بالعقل. نعم قام بعض فلاسفة القرون الوسطى المتأثرين بدينهم بإدخال الإيمان الأعمى في نظرية اليقين كركن، بحجة أن العقل لا يتخلص من الحسبانية-السوفسطائية- في اكتساب اليقين فيحتاج إلى دعمه بالإيمان المبني على الإرادة، و كان هذا توهينا للعقل أكثر من دعمه، لاتهامه بالعجز و تفضيل قوة الإيمان على قوته حتى قال سانت أنسلوم Saint ANSLEM:"أومن لأفهم لأني لا أفهم إن لم أومن"9و كان كانط -و هو من كبار فلاسفة القرون الجديدة- ينفي العلم بوجود الله مع إثبات الإيمان به و قال:"إن الإيمان على الأكثر يكون أقوى من العلم"10اهـ. وكان الدافع وراء هذا –كما ذكرنا- هو الحفاظ على الدين أمام انتقادات العقل11، يقول بول جاني:"تاريخ الفلسفة":"يفهم أن القرون الوسطى لم توفق في عملها و لم تستطع تأليف العقل بالإيمان فسعى تغليب الثاني على الأول"اهـ. في حين أن علماء الإسلام قائلون بأن الإيمان غير المستند إلى العلم أي الدليل عرضة للتزلزل بتشكيك مشكك و هو ما وقع لمن غير لدينه و بدل. و ما أجمل كلام الأستاذ الكبير مترجم "المطالب و المذاهب في تاريخ الفلسفة":"إن رقي أوربا ابتدأ بسعيها لإنقاذ العقل من الانطفاء إزاء تعبد النصرانية ووقفها في حدود عاطفتها القلبية..فمدنية أوربا مدنية منصدعة متباينة العقل و العاطفة"اهـ و منه نقول: قد تخلى المسيحيون عن عقولهم فعلا و يسعون كما كانوا من قبل إلى نشر دينهم بين من لا عقل له حقيقة، ولما كان دينهم لا مجال فيه للعقل السوي اشتهرت مقولة :"الدين فوق العقل" و لا ينال بهذه الدعوى من كرامة العقل بقدر ما يستهان بالدين الذي لا يقبله العقل. كما أنه في نفس الوقت لا يكون مكبرا لنبيه من يضيف إليه شيئا من الألوهية و إنما يكون معتديا على الله و محتقرا لمقامه جل و علا. فصار العقل عندهم مسلوب الكرامة و مخفوض الصوت إزاء الدين وسهل عليهم أن يستهينوا به في غير المواقف الدينية أيضا، فيحلوا الأدلة العقلية محلا دون الأدلة التجريبية. و لم تقتصر نكبة سقوط العقل عن سلطانه في دولة العلوم ،على الأديان، بل تأثرت منها الفلسفة نفسها فاستخف أولا بفلسفة ما وراء الطبيعة القريبة الصلة بالدين، ثم استخف بالفلسفة مطلقا، فلم تعد من العلوم و صرف اسم العلم عن مسماه، واحتكر فيما بني على الحس و التجربة. و لم تقتصر نكبة الاستهانة بالعقل و المنطق في سبيل محافظة الديانة المسيحية على المجتمع الغربي وحده ، إذلم يكن يتكلم أحد منهم بكلمة ضد الدين إلا و يردد صداها المقلدون منا لهم، حتى إن استبطان الإلحاد في بلادنا إنما وقع تقليدا أعمى لهم لما وقفوا على اصطدام دينهم -أعني النصرانية- بالعقل، و قد بنت على هذا الاصطدام حكوماتهم فصل الدين عن الدولة و لم نعدم في بلادنا من ينادي بذلك من العلمانيين.و ما علموا أن بين الدينين فرقا شاسعا و بونا واسعا. المسألة الثانية:مذهب التثليت في الأقانيم التثليث المعتقد في النصراينة تثليث في الذات الإلهية و تخليطها بذوات أخرى. و لذا عبروا عن أركان هذا الإله المثبث بالأقانيم التي هي بمعنى الأصول لا بمعنى الصفات وحددوها بـ: الأب و الابن وروح القدس. فهذه الذوات الثلاث تتكون منها "الأسرة الإلهية" فيكون المجموع إلها واحدا و كل منها إله مستقل أيضا لا جزء من الإله. فالله عندهم ثلاثة وواحد معا، ففيه تعدد الله و تركيبه من ذوات مختلفة ، و فيه كون الواحد ثلاثة و الثلاثة واحد، و فيه الجمع بين الإشراك و التوحيد لا بمعنى التأليف و التوسط بينهن، بل بمعنى الجمع بين النقيضين. و فيه كون المسيح مستقلا مع ما ينافيه من كونه داخلا في أركان الألوهية باسم الابن مع كونه حادثا، فتكون أقانيم الألوهية قبل حدوث المسيح ناقصة و بحدوثه اكتملت عناصرها. فهذه هي العقيدة النصرانية و ما فيها من المتناقضات و الغرائب. يقول بول جاني "تاريخ الفلسفة":"الأشخاص التي تطلق عليها الأقانيم متساوية في تثليث النصارى، وتلك الأقانيم تشكل في الأشخاص الثلاثة إلها واحدا بعينه" و هو التناقض بعينه لذلك قال ألكساندر بين Alexander BAIN المنطقي المشهور : "إن النصرانية تحبذ التناقضات التي يفر منها العلم" فلا يوجد في تناقض التثليت سوى المبالغة في تحقق معنى الألوهية الكاملة التي تقتضي الوحدانية في كل منها، فكأن كل واحد منها وحيد في الألوهية و لا إله غيره، فليس معنى كون الآلهة الثلاثة إلها واحدا أن كلا منها جزء الإله و الإله الحقيقي هو مجموع الثلاثة، بل معناه أن كلا منها إله حقيقي تام الألوهية حتى إنه متصف بالوحدانية اللازمة للألوهية الحقيقة، وهذا التوجه يرجع إلى دفع التناقض بجعل الوحدانية ادعائية مبالغا فيها و الثلاثية حقيقية، أي أن الإله ثلاثة في الحقيقة لا واحد، وإنما المراد من كونه واحدا أن كلا من الآلهة الثلاثة بتمام معنى الكلمة و كأنه لا إله غيره مع أن معه إلهين اثنين. فلو كانت الوحدانية أيضا حقيقية لبقي التناقض مع الثلاثة على حاله. فهذا التناقض كاف لهدم نفسه وهدم عقيدة التثليت معه. و إن كان هيجل الذي يعده الغاوون من كبار الفلاسفة المتأخرين يحبذ ذلك التناقض الحاصل باتحاد الواحد و الكثير في هذه العقيدة كما في 'قصة الفلسفة الحديثة"ص:382. و أختم بما ذكره علماء الإسلام للبرهنة على صفة الوحدانية في الذات و فيه رد على عقيدة التثليت، يقول الشيخ ميارة في "الدر الثمين"ص:35:"فدليل استحالة القسم الأول -و هوكون الذات العلية مركبة من أجزاء- :أن أوصاف الألوهية إما أن تقوم بكل جزء أو بالمجموع أو بالبعض، و الأقسام كلها مسلتزمة للعجز المستلزم نفينا، أما الأول: فلأن كل جزء يكون إلها فيلزم التمانع و ذلك مؤد للعجز و أما الثاني فلأنه يلزم منه عجز كل جزء على الانفراد و عجزه يوجب عجز سائر الأجزاء المماثلة12 و ذلك مستلزم لنفينا و أما الثالث فلأنه لا أولوية لبعض الأجزاء على بعض، وحينئذ لا تقوم بها و ذلك يستلزم عجز جميعها.."اهـ المراد و صدق الله إذ يقول :" وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير" و هي آية تجمل ما فصلناه آنفا، سائلا الله تعالى أن يبصرنا بالحق و يرشدنا إليه و يهدي الأمة لما فيه الخير و الصلاح. انتهى 1 - وانظر إلى كلام بعضهم تقول «كيم ماكهيو» - 36 عاماً - إحدى تلميذات «جامعة كولومبيا الدولية» والتي تعمل في تنصير اللاجئين الإيرانيين في تركيا: «أعتقد أنها [الإسلام] ديانة كاذبة وباطلة، وأود أن أراها مضمحلة». يوافقها زوجها «برنت» قائلاً: «إذا لم تتسن لهم فرصة لتجربة يسوع فليذهبوا إلى الجحيم»! نقلا من مقالة لـ"باري يومن" 2-"شرح الحكم"ص:56 3-"مدارج السالكين"(2/166-167) 44-تجب التفرقة بين النصرانية التي جاء بها سيدنا المسيح عليه السلام و هي المسيحية حقا و هي كالإسلام لا تخالف العقل و لا العلم و لا المبادئ المادية وبين النصرانية المبتدعة ومنها التثليث،و إصعاد المسيح فوق مرتبة النبوة و ليس من المعقول عدها من الأديان الإلهية المنزلة و هي المقصودة في كلامنا. 5- قال الشيخ الصاوي في "شرحه على الجوهرة":"الدين لغة ما يتدين به حقا كان أو باطلا، واصطلاحا: هو وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم المحمود إلى ما هو خير لهم بالذات" 6 - و دين النصرانية الذي يقال عنه دين السلام و المحبة قد وسع التحاب العام بين الجنسين أيضا فأباح الاختلاط المذموم حتى مكن للرجل أن يرقص مع زوجة صديقه لامسا مناحي جسمها الحساسة ناهيك عن القبلات هنا وهناك، وليت شعري ماذا يصنع المغربي المتنصر حديثا إن فعل بزوجه أو أخته ذلك فأصبحت لحما مستباحا لأخوته المسيحيين؟ !!. فيالها من محبة !! 7 -في كتابه "فلسفة ابن رشد"ص:189 8 - في العقائد الإسلامية أبواب ثلاثة : إلهيات ونبوات و سمعيات 9 -« Je ne cherche pas à comprendre pour croire, mais je crois pour comprendre» 10- فلسفته قائمة على شقين: الأول: انتقاد الأدلة العقلية القائمة على وجود الله و ادعى أنه لا يمكن إثباته بالعقل النظري و الشق الثاني: إسناد ثبوت وجود الله إلى الدليل العملي-الأخلاقي الآمر بالوظيفة. و الملحدون تمسكوا بالشق الأول دون الثاني بل استخرجوا منه أن الدين لا يكون في اعتقاد الخاصة حقيقة تستند إلى الواقع، بل ذريعة إلى حفظ الأخلاق من الانهيار وضرورة لصلاح المجتمع. 11 -تجدر الإشارة إلى أن هذه الثنائية لم تلغ إلا على يد الفيلسوف الكبير ديكارت الذي أعاد للعقل حقوقه، فكان الإيمان تابعا للعقل لا العكس. و فلسفة هذا الرجل ليست مما ينبغي أن يعبر عنها بفلسفة الشك و لا أن ديكارت زعيم الشاكين و المشككين للناس في الله، بل هو بالعكس في طليعة المؤمنين بالله. دليله الأنطلوجي و الكوجيطو عليهما مؤاخذات منطقية، بينها الإمام العلامة المتكلم شيخ الإسلام مصطفى صبري في كتابه "موقف العقل" وأغلب مادة المقال من بركاته رحمه الله تعالى. و الشيخ الأستاذ سعيد فودة في "تدعيم المنطق" فليراجعان 12 - و ذلك لأن للمتماثلاث نفس الأحكام و هي بديهية