لتكون مستبدا حزبيا تحتاج مجهودا مضاعفا أكثر مما تحتاجه لتكون ديمقراطيا … لتصبح مستبدا تحتاج الى جوقة من محترفي التصفيق دون تمحيص أو معارضة . هذه الجوقة يجب أن تفهمها أن كل معارض هو متهم حتى يثبت براءته التي لن تكون أقل من مسيارته لك في العمل و القول ,و تبرير هفواتك و أخطائك باحترافية مع الاجهتاد في ذلك حتى ولو لم يطلب الأمر بطريقة مباشرة . لتكون مستبدا ناجحا عليك باحتكار المعلومة وسط دائرة ضيقة جدا لا تتعدى المقربين و المداهنين و المصفقين . و ذلك حتى لا تضطر الى الدفاع عن قراراتك أو يتسبب تبادل المعلومة و التمحيص فيها في احراجك أمام مناضلي الهيئة المعارضين, و من ثم خدش الصورة التي تريد أنت التركيز عليها في مخيلة المصفقين ,بأنك القائد الذي يفهم كل شيء ,و أن تقديره هو الصحيح في غالب الأحوال . بالنسبة للمعارضين يلزمك النفس الطويل لاقناعهم بلا جدوى ما يعارضون من أجله. و ان كان لابد من تسفيه جهودهم و رميها تارة باللا موضوعية و تارة بالنشاز الخارجة عن المنهجية ,فلا بأس بذلك . لا تجعل من يعارضك ينجح في ايصال فكرته أنه يخلتف معك في تدبير بعض الأمور الخاصة بالتسيير و اختلاف الأفكار ,بل أعمل ما في وسعك كي يفهم المصفقون أن المعارض يغرد خارج الصف ,و البحث في دوافعه و نواياه أولى من بحث اقتراحاته و أفكاره. حاول و بطريقة غير مباشرة أن تشجع على مدحك و التغني باسمك, بجعل المصفقين دوما يتنافسون في خدمة مصالحك السياسية حتى ولو كان ذلك لا يوافق المبادئ و الأخلاق . كل ما سبق و غيره كثير يحتاج منك جهودا جبارة لتكون مستبدا محترفا عكس أن تكون ديمقراطيا …!!! فأن تكون ديمقراطيا يكفي أن تناقش الأفكار لا الأشخاص , و أن تفتح باب الحوار على مصراعيه لتناقش الجميع أفكارهم مهما كانت درجة الخلاف لتقريب و جهات النظر . أن تفتح باب التنظيم على مصارعيه و أنت واثق من أن البناية من القوة بمكان, ما يجعلها تصمد أمام كل محاولات التخريب أو السقوط فجأة فوق رؤوس الجميع . أن تتوفر على البدائل و المرونة ما يكفي لتجاوز كل الصعاب و التحديات ,و أن تكون لك نظرة مستقبلية ثاقبة للخلف بعدك لضمان الاستمرارية . أن لا تخاف من الأفكار الجديدة داخل التنظيم و تناقشها مع معارضيك بشجاعة تامة, و دون خلفيات مسبقة تفسد الود و الحوار. أن تقتنع تمام الاقتناع أن هروبك الى الأمام و رميك باخفاقاتك على الآخر ,سيزيد الطين بلة و يؤدي الى الباب المسدود . عكس اعترافك بأخطائك و العمل على تصويبها لمعاودة انطلاقة أفضل … هل تيقنت الآن ايها المستبد أن ما تخسره من جهود لتكون استبداديا هو أقل بكثير من اختيارك الديمقراطية …؟!!!.